23/03/2013 - 16:32

علينا إلقاء عيد الأم بعيدًا عن ثقافتنا! / أحمد حمدان

لن أبدأ الحديث كبعض المتحذلقين الذين يرددون السيمفونية والترنيمة ذاتها: "عيد الأُم كل السنة مش بس بهاليوم"، أو كما يدعي "السلفويون" أن هذا أحد الأعياد أو التقاليد "السخيفة" التي استوردناها من الغرب.

علينا إلقاء عيد الأم بعيدًا عن ثقافتنا! / أحمد حمدان

- أحمد حمدان -

لن أبدأ الحديث كبعض المتحذلقين الذين يرددون السيمفونية والترنيمة ذاتها: "عيد الأُم كل السنة مش بس بهاليوم"، أو كما يدعي "السلفويون" أن هذا أحد الأعياد أو التقاليد "السخيفة" التي استوردناها من الغرب.

أذكر جيدًا كلام صديقي حين روى لي عن تلك اللحظة التي كان فيها طفلاً يجلس في الصف منزويًا وحيدًا قد يرغب أن يجهش بالبكاء لولا كبرياؤه المراهقة، بينما زملاؤه يحتفلون بعيد الأم بالأغاني والورود.

قال لي ذات مرةً: "في كل سنة كانت تأتي تلك الآنسة التي تعمل في المدرسة لتوزع الورود علينا في هذا اليوم، كانت تزداد دقات قلبي وأسمع وجيبه القوي المتصاعد كلما اقتربت أكثر لتناولني الوردة اللعينة، فهي لم تكن تعلم أني فقدت أمي في الخامسة من عمري، لكن جل ما كان يثير غضبي هو نظرات زملائي وهم يحدقون بي وينتظرون رد فعلي حينما تهم الآنسة لتناولني الوردة، كنت أطأطئ رأسي وأنظر إليهم خلسةً بنظراتٍ حاقدة.. نظرات غيظ وحقد، كنت أتمنى أن يفقدوا جميعًا أُمهاتهم كي يتوقفوا عن هذا الاحتفال.. كانت تمر هذه الدقائق كالساعات، كنت أتناول تلك الوردة بسرعة حتى ينتهي هذا المشهد المذل، وعند انتهاء الدوام، كنت أبقى وحيدًا في المدرسة، أو في الشارع حينما كان يطردني الحارس، أنتظر أن يتوارى زملائي عن الأنظار حتى أصبح وحيدًا فأخلو بنفسي في مكانٍ مخفي على جانب الطريق، وأُلقي بالوردة بعيدًا بعد أن أتأكد أن أحدًا لن يرني، وفي كل سنة يتكرر هذا المشهد."

أذكر جيدًا حينما سألت صديقة كانت قد فقدت أخاها عن الذي تفعله أمها في عيد الأم، فأجابت: تجلس في غرفتها وتستمر في البكاء طوال النهار.

فما بالكم بأمهات الشهداء ونحن شعبُ كثر شهداؤه؟ في غزة نجد - تقريبًا - في كل عائلة، شهيدًا أو أسيرًا، جريحًا أو معاقًا أو مهجرًا، نتيجةً للحصار والقصف المتواصل.

قد يكون حقًا هذا اليوم يوم فرحٍ للبعض، لكن تحويله إلى جزءٍ من ثقافتنا وحضارتنا سيعمق بالتأكيد من جراح جزء كبير من أبناء شعبنا، وسيعيد إلى أذهانهم ذكرى أحبائهم الحزينة، أو كما قال صديقٌ آخر: سيعيدنا إلى حالة حياة الموت.

لذلك يا إخوان، رفقًا بالثكالى وعطفًا بالأيتام وأمهات أبطالنا.. لنلقي بهذا اليوم بعيدًا عنا وعن ثقافتنا الشعبية، ولنتوقف عن تحويله إلى جزءٍ من تراثنا "الحديث".

التعليقات