14/05/2013 - 10:45

Delirium tremens / أيوب المزين*

فاس في الصيف ساخنة جدا، ساخنة وجافة. الشاي المنعنع لا يتوقف عن الشرشرة في كلّ مكان، والتوت يتساقط من الشجرة الكبيرة الواقفة عند باب السينما. نشرب الشاي المنعنع على واجهات المقاهي ونبشّر بفصل سكران.

Delirium tremens / أيوب المزين*

 

فاس في الصيف ساخنة جدا، ساخنة وجافة. الشاي المنعنع لا يتوقف عن الشرشرة في كلّ مكان، والتوت يتساقط من الشجرة الكبيرة الواقفة عند باب السينما. نشرب الشاي المنعنع على واجهات المقاهي ونبشّر بفصل سكران.

الشاي، رغم سخونته، يبرّد الجسم كالبيرة تماماً. ينعشنا وينشينا ويجعلنا نرى المارّات أمامنا جميلات دون فرق: السمينة أحلى من الرشيقة، والقصيرة أبهى من الطويلة، والطويلة أكثر حنية منهن؛ وكلهن شامخات ككأس الشاي المنعنع.

يصنعونه في حيّنا ساخنا، يلهب الأنامل ويحرق الشفاه، مع كثير من السكر. مُعسّلٌ، نرتشفه ونقول: آآآح، آآآح. والأعين المدوّرات تدور في الرأس، واللّسان يتلوّى ويقول آآآح. وهن ساخنات ونحن ساخنون وفاس ساخنة، والصيف لا ينتهي، طويل الصيف وكأس الشاي بخمسة دراهم والمارّات في الحياة، كل واحدة بثمن.

فاس سيّدة عجوز. ساخنة، لكنّها جافة. وإنْ مسستَها على مهل، لا تبتلّ. وإن هزّت إليها بجذع النخل ما شرِبت رطبًا أحسن من ذاك الشاي المعسّل أو حليب عصبة صانع الإسنفج.

لا نشرب الشّاي المنعنع دون إسفنج الدقيق المغموس في الزّيت الحارق. أسأل صانعه إطفاء بيضة وسطَ الإسفنجة. وسطُ الإسفنجة مثقوب، كأنه ثغر مغربي قصفته مدفعية البرتغال في موكادور.

يقولون إنّ الصويرة في الصيف ساخنة، ساخنة ورطبة، تبتلّ بسهولة. والفتيات اليافعات فيها، من فعل النّدى، مبلولات وملتهبات مع أنّهنّ لا يشربن الشاي المنعنع كما عندنا. ما يزال أصحابي متسمّرين حول طاولة من الزليج الملون، يشربون ويراقبون ويقهقهون. تعبت من الشاي المنعنع ومن عصير العنب المخزن في قنينة كوكا، ومن أشعار درويش المضروبة من فلسفة الألمان، ومن صيف فاس، ومن بلل اليافعات الهائجات ومن أصحابي ومنكم.

أنتظر الشتاء القادم لأنشد مع الآخر: "Prends-moi, mort! Je suis accompli".

 

* كاتبٌ مغربيٌّ يقيمُ في فرنسا.

التعليقات