14/05/2013 - 10:48

باطل / جمال القواسمي

الشاب الذي يحبُّ الحياة رأى ابتسامة مصطنعة عابرة ترتسم على وجه فتاة تبحث عن لقطة مهمة، أو شخص مثير تحبسه في كاميرتها الحديثة. كم ودَّ الشاب أن يعاتبها ويقول لها: لي في ذمتك عشر نظرات وقُبلة السلامة على جبيني، ولكِ في ذمتي حياة أبذل عمرها وأنا أعتني بأحلامك وأطفالك، لكن الفتاة أعرضتْ عنه، فسقط الشاب دركًا سفليًّا في بحرِ غيرِ المهمِ من الحياة.

باطل / جمال القواسمي

- إهداء إلى المصوّر الجميل محمّد الجبالي / غزّة (في الصّورة) -

الشاب الذي يحبُّ الحياة رأى ابتسامة مصطنعة عابرة ترتسم على وجه فتاة تبحث عن لقطة مهمة، أو شخص مثير تحبسه في كاميرتها الحديثة. كم ودَّ الشاب أن يعاتبها ويقول لها: لي في ذمتك عشر نظرات وقُبلة السلامة على جبيني، ولكِ في ذمتي حياة أبذل عمرها وأنا أعتني بأحلامك وأطفالك، لكن الفتاة أعرضتْ عنه، فسقط الشاب دركًا سفليًّا في بحرِ غيرِ المهمِ من الحياة.

قرفص في منتصف الشارع. بدا للناس الذين يحبونه أنه وجد الحياة فائضة في تلك اللحظة أكثر مما ينبغي وأطول مما ينبغي. صرخ الناس فيه: باطل، باطل، باطل عليك. كلُّ مَنْ في الشارع أحسُّوا أنه يريد أن ينتحر، وأرادوا أن يحقِّقوا كلَّ أحلامه لئلا يفقدوه.

تدافعت النسوة بالصراخ، والرجال الباطلون عن العمل، والطلاب الجوع، والباعة المتعبون، وأوقفوا جميعهم حركة السير والمارة، ورتَّبوا المشهد حول الشاب الجميل، الذي طمع ببعض الاهتمام واستسلم لضحكات فاضت من كيانه المتعب وقد انهالت عليه تكّات أحناكهم وطرقعات أصابعهم وفلاشات عيونهم وهم يلتقطون له الصور بكاميرات غير مرئية. 

وحدها الفتاة التي تحمل كاميرة حديثة، التي انتبهتْ متأخِّرة بمقدار قصة حبٍّ رومانسية،  التقطت له صورة فعليًّا، وهو وحده مترِّبع كبدوي يبحث عن ماء بسمتها وكلأ رضاها، لا توقفه حدودٌ ولا يقتله محلٌ، فابتسم ابتسامة رضى ولا أحلى، والناس تتزايد كأنَّ لا أعمالَ ولا وظائف لهم، حتى ظهر من بعيد شرطي السير، الذي يعمل كديك بلدي بستمائة صيحة بالشهر، فقد تذمَّر واحتج وكاكَ:

لاينفع هذا الكلام. السيارات يجب أن تمرُّ، يجب أن أنظِّم السير وأخلق أزمات المرور وأديرها وأخالف الناس، يجب أن تحدث بعض حوادث السير، يجب أن تنشأ أزمات مرورية خانقة؛ بعد قليل، يجب أن تصل سيارات الإسعاف لإنقاذ بعض الناس أو لا تصل بتاتًا لتحمل الغيوم أرواحهم. أعينوني على تلك الصحفية المزعجة التي تلتقط رزقها من فضائح المجتمع وعيوبه بتعرفة قدرها عشر نظرات مقابل الصورة الواحدة، أعينوني وأعيدوا الحركات للحروف والناس والسيارات، أعينوني يا جيش الباطلين عن العمل بإزاحة ذلك الشاب الباطل عن العمل عن الشارع، يأتي كل يوم ويُضحك الناس بأحلامه، ويثير فيَّ خوفًا خفيًّا من فقدان وظيفتي وهيبة زيِّي، وينهي أزمات السير بضحكاته المتمردة ووجهه الفوتو جينيك وشغفه بتلك الصحفية ذات الابتسامة المصطنعة العابرة التي تبيع الصورة الواحدة بعشر لقيمات مغمَّسة بالتعب والغبار وصيد الفرص.

التعليقات