20/05/2013 - 14:15

نقطة ضعف: ردٌّ على سؤال / عزمي بشارة

لم تعد الأرض لي، ولا البحر، وما رضيت بالرّموز بديلا. نفيتُ منفاي، وما استقرّ لي أمرٌ في نفيه بعدُ. أبحث عنّي، أفقد ذاتي في الطّريق، وأعود أبحث. وتعود ذاتي إليَّ طوعًا حين تحبّ. وتستقرّ بي حين أكتشف فيها سواي. رؤى جيلي انقلبت أوهامًا في حياته. فحسدت من ماتوا وأوهامهم حيّةٌ ترزق.

نقطة ضعف: ردٌّ على سؤال / عزمي بشارة

لم تعد الأرض لي، ولا البحر، وما رضيت بالرّموز بديلا. نفيتُ منفاي، وما استقرّ لي أمرٌ في نفيه بعدُ. أبحث عنّي، أفقد ذاتي في الطّريق، وأعود أبحث. وتعود ذاتي إليَّ طوعًا حين تحبّ. وتستقرّ بي حين أكتشف فيها سواي. رؤى جيلي انقلبت أوهامًا في حياته. فحسدت من ماتوا وأوهامهم حيّةٌ ترزق.

تحدّيت الحقائق، وسخرت من المعطيات. لكنّ نزاعات العشائر صمدت، وحروب الطّوائف اتّسعت، صخرة التّخلّف حطّمتِ المؤامرات. الغزوات تواصلت ضدّ التّوقّعات. الرّؤى انقلبت تبريرًا في خدمة من صاروا سلاطين. مسخت وتجوّفت. وقرقعت كالبراميل الفارغة. صارت الرّؤيا وهمًا. والوهم يموت حالمًا يولد.

تبدّد الوهم إذًا، والوقائع فرّقتني، وجمعني الخيال. على أطلال الحقائق والرّؤى أعلنت انحيازي للخيال. اعترضت الحقيقة في البداية. لم أعرْها اهتمامي، فقبلت على مضضٍ خياراتي. لا تضلّلني المظاهر لكن من يدّعي أنّه ظلم يمكن أن يخدعني. خجلي يجعلني فريسةً سهلةً لأيّ لحوح.

لا تسبيني الشّعارات أما العيون فتأسرني. لا يجتذبني تقديس شخصٍ. فقد خبرت صغر البشر مهما عظموا. وعرفت تفاهة النّجوميّة، وكيف تُنسجُ عن النّاس الأساطير.

قاومت الغبن وقاومني، وراقبته أيضًا من الشّرفات. ازدريت الغرور فاتّهمني بالتّكبّر عليه .حاربت الظّلم وحاربني. ويومها كان لي شرف التّعرّف على المتواطئين والشّامتين والواقفين على الحياد.

وقفت مع العدل ضدّ الظّلم، فضمّني من تقاطع طريقي مع طرقهم إلى عصبيّتهم، وألحّوا أن أنحاز لهم حين يظلمون الآخرين، وحين أسقط في يدهم راحوا يتوعّدون ويشتمون ببذاءة. سألتني نفسي: لماذا لم ترهم من قبل على حقيقتهم؟ فأجبت أنّي رأيت. فلماذا تجاهلت ما رأيت؟ لأنّ ملكة الحكم تضعف عند القرب من موضوعها.

زارتني التّعاسة كلّما سنحت لها فرصةٌ، والأمل أيضًا لم يفوّت مناسبةً للزّيارة.

أستسلم للحبّ طوعًا، فالطّوع في الحبّ قسرٌ. أهفو مخلّصًا، وأخطئ من كلّ قلبي.

أفترض جوهر الإنسان فكرًا ووجدانًا وحرّيّةً. لا تذكرني! أعرف أنّه مجرّد موقف، وأنّ النّاس ينقضونه مليون مرّةٍ في اليوم، وأصرّ على افتراضي.

التّعصّب في ملّتي جهلٌ. وأفقد اتّزاني عند سماع الكذب فأجهل، وأتعصّب للحقيقة رغم أنفي.

لا أعرف حقيقةً قائمةً بذاتها. الحقيقة الوحيدة الّتي أعرفها هي عكس الكذب.

منذ الطّفولة أخشى الدّماء بما أوتيت من خوفٍ. بطولاتي الحقيقيّة غضبٌ على العنف.

ندمت على بعض ما فعلت. وسأندم عن بعض ما أفعل. عجبت كيف ينكر النّرجسيّ ندمه، أيستعلي المرء على نفسه؟

أمقت السّياحة وفضول السّائحين. وما يسمّى الاسترخاء يشعرني بالتّوتّر. ما يعتبره النّاس تسليةً يصيبني بالملل. وأعتبر صناعة التّرفيه في أوقات الفراغ عبئًا ثقيلًا.

الرّاحة عندي أن يفعل المرء ما يحبّ، وليس ما ينبغي أن يفعل لغرض التّرفيه. ترعبني فكرة تقليد الآخرين في طوابير التّذاكر، وحشود المشاركين، وقطعان السّائحين، وجمهور المحتفلين.

أتمنّى الموت إذ يجتاحني الحرج، وغالبًا ما أحرج عن غيري. التّخفّف من "أعباء الحضارة" لا يغريني، والتّحلّل من "السّلوك المتحضّر" لا يشدّني، بل يشعرني بالضّيق.

وأعاني ألف نقيصةٍ أخرى. أردت نقطة ضعفٍ؟ هذه نقطة ضعفي.

التعليقات