09/09/2013 - 13:30

خمسة أقدار لجسد واحد مأمنه الأرض المُشرِفة / بيروت حمود

وأمّا الرّوح فقد ودعت الجسد في العام الفائت ولا تزال تؤدي الحضرة التونسية أمام عقود من مشموم " هيا نزورو شيخنا يا فقــــــــراء سيــدي علي العزوز انشوفه نبرى .. يا من باغي حاجــته يقضـــــيها زغوان ياســـــــــيدي.. انروح ليها سيدي علي عــزوز ساكن فيــها مولى الهمة والحـــــــرام والهيبة ..هيا نزورو شيخنا يا فقــــــــراء سيــدي علي العزوز انشوفه نبرى".

خمسة أقدار لجسد واحد مأمنه الأرض المُشرِفة / بيروت حمود

نافذة على عالمٍ سفلي

 

أمامكِ كل ماضيكِ محاولات كتابة على ورق، يانعة كنتِ كورود الربيع أشواكًا حادة ورائحة زكية، بعثوا لكِ الهدايا والرسائل من هُنا والخارج شبان حاولوا أن يطالوك متعربشين كالدالية والعليق، لكنك عرفت القانون منذ البداية :عالمان "كما فوق كذلك تحت" رميتهم جميعًا بعد أن ولجتِ عالما سفليا، أغلقت البوابات الحديدية المتروكة من زمن الرومان خلفك وأطفأت المصابيح وجلست ترتشفين السحر وحدك.

لكنهم سرقوا قبلاتك خلسة، تسللوا من بين نتوءات الجدران والأرصفة والأسوار العالية، شاهدوكِ ممدة في السرير تحت الأضواء النبيذية الخافته، شاهدوا السحر والساحر والمسحور وأخذوا قبلاتك ودمكِ العذري البكر وانصرفوا!

***

البعث للرسائل

رسائل قدمت من عوالم ثانية، من باريس وكوبنهاجن وعمان وبيروت ودمشق وتونس والقاهرة.. معظمها مستلم باليد، حامل أختام وطوابع بلاده .. الآن في هذه الساعة الصباحية المرّة كرؤية الخريف تُعلن النهاية، يبدأ الحريق، تبعث بالدخان المنفوث. ينزل فيها العقاب جملة وتفصيلاً، في كلماتها الكاذبة أجسادًا بلا أرواح، لا شيء أثيريُّ في سطورها .. كل الكلمات إلى المحرقة!

***

سمفونية "قوة القدر_فيردي"

أنظر في وجوه من حولي،

عسى لي هم مرآة يكونون

شهقت العرافة حين في كفي الخجول

رأت:

 هي اسم بلا مدينة

مدينة بلا موطن

روح الله

تنظر خلف السحاب

لمّا تقبل على الحياة شغوفة بالخطيئة

في عيني الله الغاضبتين وتعتذر.

أطالت تحديقها : لن تعيش هنا،

لا موطن لها،

الغربة في انتظارها، لكنها قوية جدًا سوف تكون

حبيبها معها وذاك هو

بيتها في عينيه الثملتين

ومأمن جسدها في روحه الخفيفة

كظل الله فوق الأرض.

أعادت كل شيء، العرافة، وابتسمت

حين أشرق وجه القدر

وتجلت قوته في كل شيء

وتوحدتا دربيتان* في دربي !

* دربيتان مثنى مؤنث دربي وليس معنى دربي هنا طريقي. 

***

لله تساؤلات: وقبل البدء، جعل الله لي جسدًا من لحم ودم يكسوان الروح فلم يرَ أحدٌ ما يراه هو..

" 4 فقالت الحية للمرأة : لن تموتا

5 بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر

6 فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر. فأخذت من ثمرها وأكلت، وأعطت رجلها أيضا معها فأكل

7 فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عاريان."

منذ البدء كنت على دراية بما سيحصل، رأيت كل شيء خلف الضباب الموحش الكئيب، لكن تحذيرك وغضبك نحو الجسدين الأولين والروحين الخطائين لم يجديا نفعًا، ألم تكن تعرف أن كل ذلك سيحصل.. لن أقول لكَ كما كثيرون، لماذا لمْ تقحم أنفك وتتدخل وتفصل بين الحيّة وحواء ولن أسأل نفسي لماذا لمْ تتدخل لانتزاع ثمرة شجرة معرفة الخير والشر من حلق آدم المسكين الذي سُحر ولم يجد مفرًا أمام إغواء حواء أو هي بكل بساطة لم تكن تقصد أي شي على طريقه " إنما الأعمال بالنيات".. لكن هل لي أن أسألك إن كنت حساسًا مثلاً بفعل عملتهما؟ هل انتزعا كرامتك بفعل ما اقترفا؟

أولاً: لنعد إلى البداية.. أنتَ حذرتهما، بينما هما لا يعرفان ماهية الشر أو الخير، أي أنهما أكلا من الشجرة_ دون أن يعرفا القيمتين، ثم انزلت بهما العقاب الشديد والحقت بهما جميع ذرية ابن الإنسان.. لنتخيل ماذا سيقول أحد شهود العيان في برنامج "ما قبل الكارثة" على قناة ناشونال جيوغرافيك : " ما حدث ليس منطقيًا بالمرة!

ثانيًا: هل لي أن أعرف ماذا تصنع بشجرة معرفة الخير والشر؟ هل هي للزينة مثلاً؟ لنقل أنني أخترعت روبوتًا على هيئتي، وعلى شاكلتي وقلت لهذا الروبوت لا تقترب من الماء لألا يضرك ويتلفك، وكان الروبوت يفهم لكنه اقترب من الماء وتضرر ثم تلف.. أولاً لن أحزن على شيء صنعته فخذلني.. أصنع واحدًا بدلاً منه ثم أجعله طائًعا أو ببساطة لو كنت أحبه لرافقته وجعلت ظلي له حارسًا وأبعدته عن الماء.

ثالثًا: الآن بالفعل، وأنتَ تشاهد من عليائك وترى ما يحصل في العالم السفلي ألا يخطر لكَ أن تتدخل لمصلحة إحدى القيمتين؟ ألا تعجّل بالنهاية_ علمًا بأن الحياة على الأرض أخاذة حد الهلاك، كل يوم أصحو أنظر الشمس التي سوف تنطفئ فتتدحرج الأرض خلفها تاركة مدارها الجميل لتلحق بالضوء الذي توارى.. كل يوم أصحو، أنظر السماء، أعلم أنك هناك في مكان ما أو في كل مكان وزمان وأنك أكبر بكثير من قصة الثعبان والتفاحة..أعلم أنك أخفيت علينا شيئًا ما، وأن صدى سؤالنا جميعًا يتردد صداه في الكون الفسيح منذ سألنا أول مرة "لماذا؟".. ومنذ عرفنا أنه من الخطأ أن نكون عُراة!

فلتفعل ما شئت، واتركني أفعل ما أشاء حتّى إليك تـأخذني فأعود.

كانا سعيدين لمّا لم يكونا قد أكلا من الشجرة، كان لمْ يكن هناك أحزان ولا أوجاع ولا آلام، كل الأمر، أنه كان هناك فضول فعرفا بعدها كيف تكون المعرفة مسؤولية!

***

الأرض والإنسان

كانت الأرض جميلة، فيها الكائنات وبينها الإنسان الذي أكل من شجرة معرفة الخير والشر ونزل فيه العقاب، فصارت عنده عقدة المُلك والخسران.. وذات يوم وبينما كان الإنسان قرب النهر ينعم بزقزقة العصافير والأطيار والتنانين والغزلان والأسماك والحيتان ويبحث عن طعام على جميع الاشكال وجد ما أراد، وبينما هو يمضغ اللقمة جاء إنسان آخر كان يفكر أن الأرض الجميلة ملك له فغضب كيف إنسان آخر يأكل مما يريد، فقتله ومثله فعل كل بني الإنسان.. وصار الناس بعد ذلك شعوبًا وأقواما.. وصار هناك شرق وغرب وجنوب وشمال وكانوا عربًا وعربان وعقائد وأديان.. وصاروا إمبراطوريات ودويلات وقوميات.. وكل أصل من الأصول أحاط بنفسه بالحدود وجعل له ملكًا من الأرض اسمه دولة.. وكان بعد ذلك مهندسان سايكس وبيكو قسما الأرض حدودًا وجعلاها أربعة واثنين وكانت سوريا وصارت لبنان.. وكان هناك إنسان اسمه بلفور لا نعرف أهو إلهًا أم إمبراطور، غير أنه رجل وعد جماعة ممن يُدعون "الشعب" بالأرض كما كان قد فعل الإله. وفي وضح النهار قدم الإنسان وطرد الإنسان وأخذ مكانه وصار الشعب هنا وهناك شعب وشعبين.

وكانت من بين الإنسان المطرود "لاذقية كنعان" بالصدفة بقيت في "أرض الموعود"، وفي يوم من الأيام أحبت انسانًا خلف الحدود  ولمّا أصلا كان، كانت لا تستطيع أن تكون في "رديدون".. وكانت دائمًا تقول أنا بنت طيبة والأرض لله ولا أومن بالحدود.

وحين سددت الحياة ضربة لها قررت ان تنهض لا أن تموت.

ووعدتها البجعة أن تلقاها عند البحيرة، فتنشد لها تحت القمر الساحر فتسيل دموع النجوم لؤلؤية. تطير البجعة ساعة في السماء الصافية فوق الناحية المتمردة تهبط حين يصير للتراب رائحة الصمود فيكون الجسد قد أمِنَ ويكون ذاك التراب له مأمن ويصير اسمه مأمن الجسد.

وأمّا الرّوح فقد ودعت الجسد في العام الفائت ولا تزال تؤدي الحضرة التونسية أمام عقود من مشموم  " هيا نزورو شيخنا يا فقــــــــراء سيــدي علي العزوز انشوفه نبرى .. يا من باغي حاجــته يقضـــــيها زغوان ياســـــــــيدي.. انروح ليها سيدي علي عــزوز ساكن فيــها مولى الهمة والحـــــــرام والهيبة ..هيا نزورو شيخنا يا فقــــــــراء سيــدي علي العزوز انشوفه نبرى".

التعليقات