09/09/2013 - 12:13

لعبة الضمائر / شيخة حليوى

نلجأ أحيانا كثيرة إلى استخدام ضمير المتكلّمين في عرض كلامنا لا لنثبتَ ملكيّة شيء ما ولكن بفعل الفطرة والعادة، وهذا الاستخدام قد يتّخذُ بعدا جغرافيّا وسياسيّا خاصّة إذا كان المستمع هو المتربّص بجغرافيتك وتاريخك ووعيك.

لعبة الضمائر / شيخة حليوى

نلجأ أحيانا كثيرة إلى استخدام ضمير المتكلّمين في عرض كلامنا لا لنثبتَ ملكيّة شيء ما ولكن بفعل الفطرة والعادة، وهذا الاستخدام قد يتّخذُ بعدا جغرافيّا وسياسيّا خاصّة إذا كان المستمع هو المتربّص بجغرافيتك وتاريخك ووعيك.

في يافا صالون حلاقة للنساء تتولّى إدارته أسرة يهوديّة من أصول كازاخيّة: الزوجة، الزوج والأبناء، لكنّ الزوجة هي التي أكسبت المكان شهرته بفضل مهارتها. زبوناتها جُلُّهنَّ من الصبايا والنساء العربيّات، ترسم لهنّ حواجبهنّ، تصفّف شعورهنّ وتستمع إلى قصصهنّ. في المرّات القليلة التي أزور فيها الصالون أحرص على الإصغاء أكثر من حرصي على المشاركة في أحاديث النسوة، خاصّة وأنّ هذه الأحاديث يشوبها في بعض الأحيان بوحٌ كثير.

يوم الجمعة، ساعة الظهيرة. الصالون مزدحم بنساء من مختلف الأعمار والانتماءات، جئن يرمِّمن أنوثتهنّ. امرأة محجّبة لم تتجاوز الخامسة والعشرين أوصلها زوجها إلى الصالون في طريقه إلى صلاة الجمعة، كان  يرتدي جلبابا أبيض طويلا... تابعته صاحبة الصالون بنظراتها إلى أنْ غاب عن مرمى بصرها، سألت الزوجة  بلهجة ملؤها الاستخفاف:

- لماذا يرتدي زوجك هذا الثوب؟

- لأنّ اليوم هو يوم الجمعة.

- ولكن لماذا يرتدي هذا الثوب؟

- لأنّه ذاهب إلى الصلاة.

- يعني لجمعتكم زيٌّ خاصّ؟

- ... لأنّه متديّن واليوم هو يوم الجمعة.

- كلّ الرجال عندكم يرتدونه؟

كانت المرأة المحجّبة قد ضاقت بالأسئلة وأفرغت رصيد إجاباتها فشاغلت نفسها بابنها.. تدخّلتُ قائلة: "أليسَ لِسبتكُم زيّ مثلا...؟" بدا أن مقارنتي بين سَبتِها وجمعَتِنا قد أزعجتها...

أجابت "كنت استفسر فقط..."

بدا على المرأة المحجّبة بعض الارتياح، لم تدر أنّها مقبلة على سجال من الأسئلة  ستوقعها فيه "لعبة الضمائر"...

كشفت إحدى الزبونات دون حرج عن بقعة حمراء في فخذها، شاكية لصاحبة الصالون من قناديل البحر التي حرمتها زيارة البحر لأسبوعين. قالت المرأة المحجّبة: "وبحرنا أيضا ملأته قناديل البحر."

تراجعت صاحبة الصالون إلى الوراء:" بحركم؟ ما هو بحركم؟"

- "بحرنا في يافا!"

- "لا أفهم؟  كيف يكون بحركم؟"

- "لأنّه في يافا نسمّيه بحرنا."

- "ماذا؟ وهل يافا لكم؟... البحر؟ لكم؟"

بدا توترها غريبًا، وكذلك نبرة صوتها المرتجفة، كادت كلمة "بحرُنا" تنزع منها شرعية دولتها وشرعية هجرتها من كزاخستان إلى قلب يافا...

تدخّلتُ مرّة أخرى: "نسمّيه بحرنا كي نميّزه عن شاطئ تل أبيب وبات يام". لم يرضِها هذا التعليل. رطنت مع زوجها بلغتهم، لم نفهم من كلامهما سوى كلمة يافا.

عند باب الصالون اصطدمت بي إحدى الزبونات وهي تقبّل "بركة دخول البيت" الملصقة على برواز الباب، يبدو أنّها عادت لتوها من سفر. صاحت بفرح ظاهر: "لا يوجد مثل دولتنا في كلّ العالم...شمسُنا.. بحرنا..سماؤنا...كلّ شيء."

أكّدت صاحبة الصالون على كلام زبونتها:" ألم أقل لكِ؟"

في الخارج كانت مجموعة من الأولاد.

- يلا يا زلمة، تعال معنا!

- على أي بحر رايحين؟

- وين يعني؟ على بحرنا!

التعليقات