05/05/2015 - 17:14

نبوّة الوتر - الثلاثي جبران../ طارق عسراوي

"على هذه الأرض ما يستحق الحياة ... كانت تُسمى فلسطين، صارت تُسمى.."

نبوّة الوتر - الثلاثي جبران../ طارق عسراوي

الموسيقى أكثر قداسةً من اللغة، فلا يمل القلب من جملة موسيقية واحدة تتلوها ثلاثة أعواد لساعتين وتضجر الروح من تكرار كلمةٍ مرتين.

للوتر ارتجافُ تزاوجٍ مع نقرةِ الإيقاع على دفِّ البلوغ كشهقة البرتقال البِكر في فجر يافا أو ساعة الصبح، تصعد روحي سُلّما موسيقيا كاملاً لتهيم في سماء التجلّي، أصيرُ صوفيّ الوجود، أهيمُ، أموّجُ، ترمِمُ الأعوادُ روحي وتسندها، وأدركُ الحبّ و المعنى السماوي المرتّل، فالسماء تُدوزِنُ أرواحنا في انسيابٍ متماه مع رجفة الوتر.

نهربُ من قهرنا، نفرغُ ما في أرواحنا من موتِ ويأس وبؤس وظلم وتفرد ومرض وفقر وقمع وعجز وعاجزٍ واحتلالٍ وخيامٍ ونكبةٍ لنمتلئ محبّةً و شجنا، نرمم فيها أحلامنا و نعبِقُ برائحة الأعشاب البرية الأتية من الجليل.

و أسألُ كيف استطاع العازفونَ ضبط إيقاع جمهور قصر رام الله الثقافي في هذا التجلي؟ 

- صاحَ صوفيُّ، الله. 

فقلت هي الموسيقى تعيد توضيب الروحِ و تنقيتها من شوائب الحياة، فكيفَ إن نضحت فينا ماء عذبا من عين الناصرة!

وليس عبثا أن اختار الجبرانيون الثلاثة اسم "أسفار" لمقطوعتهم المقدسة.

أسفار، أي جمعُ سَفَر بمعنى الرحيل، و سَفَرُ الصبح أي بياضه، و أسفار أيضاً جمع سِفْر وهو الكتاب أو الكتاب العظيم، ومنها أسفارُ موسى، فكأنها كثّفت ما يحبُ الفلسطينيُّ من عودةٍ وصبحٍ و نبوّة طاهرة.

أخرجُ من الأمسية أردد ما رتّل صوت محمود درويش المرافق للإخوة جبران 

"على هذه الأرض ما يستحق الحياة ...

كانت تُسمى فلسطين، صارت تُسمى.." 

التعليقات