رمضان في سورية 2024

رمضان في سورية 2024

"العشر الأولى للمرق، والعشر الوسطى للخُرَق، والعشر الأخيرة لصر الورق".. هكذا تمامًا يكون رمضان في سورية المتمسكة بطقوسها الرمضانية كإرث ثقافي يستحق أن تتوارثه الأجيال وتتحاكى بذكرياته.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

تستقبل مدن سورية وأحيائها شهر رمضان المبارك بالموائد العامرة، التي تلتف حولها العائلات في الإفطار والسحور، وتزدحم الأسواق لشراء كسوة العيد، ثم تودعه بحلوى العيد، وبين هذا وذاك، الكثير من العادات والتقاليد المميزة.

في السطور التالية، نصحبك في جولة بين أبرز تقاليد وعادات رمضان في سورية 2024، فاستمتع معنا بالتعرف عليها!

الاحتفال برمضان في سورية.. عطاء ومحبة وترابط

الاحتفال برمضان في سوريا .. عطاء ومحبة وترابط

بمجرد إعلان رؤية الهلال وأن اليوم التالي هو أول أيام رمضان، تبدأ سورية في التزين بحلة رمضانية مبهجة، وتنطلق الناس في سباق الخير والعطاء، حيث يحرصون على توفير التمر في المساجد، وتُسند جرار الماء المطيبة بماء الزهر على الحائط الشمالي لمسجِد الصحابي خالد بن الوليد، بينما تُقام موائد الإفطار المجانية في ساحات المساجد وحول جدرانها الخارجية.

أما المنازل، فتمتلئ بالمؤن بعد أن يتسوق رب البيت احتياجات الشهر الكريم من الأسواق المزدحمة بالمشترين. ثم يأتي دور ربة المنزل التي تحرص على أن يتذوق الناس من طعام الإفطار الذي تُعده، فترسل لهم أطباق "السكبة"، وهي عادة أخرى من عادات العطاء في رمضان في سورية، حيث تقوم الأسر بمشاركة ما يُعدونه من طعام مع جيرانهم من سكان الشقق والبيوت المجاورة، لزيادة المحبة والترابط.

"لمة العيلة" .. أهم مظاهر موائد الإفطار السورية

"لمة العيلة" .. أهم مظاهر موائد الإفطار السورية

إلى جانب تزينها بما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات، تتميز موائد إفطار رمضان في سورية بـ"لمة العيلة" التي هي أحد أهم العادات والتقاليد المتوارثة بين الأجيال. فالسوريون يقدسون التجمعات العائلية في رمضان، خاصة اليوم الأول، حيث يجتمعون عند كبير العائلة، وتتعاون النساء في إعداد مائدة ممتلئة بأشهى الأطباق من الشوربة، والفتوش، وفتة الحمص، إضافة إلى الكبب بأنواعها والمحاشي والملوخية.

وبالطبع لا تخلو مائدة من مشروب العرقسوس، فهو الراعي الرسمي لرمضان في سورية، وإلى جانبه قمر الدين والتمر الهندي. أما الحلويات، فتتنوع بين المعمول والكنافة والوربات.

طعام أبيض.. بشارة الخير بقدوم رمضان

طعام أبيض.. بشارة الخير بقدوم رمضان

على رأس الطقوس السورية الرمضانية، يأتي طبق البياض أو الطعام الأبيض، حيث يستبشر السوريون خيرًا باستقبال رمضان وتوديعه بالطعام الأبيض الذي يعتمد على اللبن الرائب كمكون أساسي مثل الشاكرية، وشيخ المحشي، والشيشبرك، إضافة إلى طبق الباشا وعساكره الذي يجمع بين الشاكرية والشيشبرك.

من حِمص إلى الحسكة .. نكهات رمضانية تعكس الأصالة السورية

منذ اللحظة الأولى لإعلان رؤية الهلال، تبدأ سورية في التزين بحُلة رمضانية عنوانها "رمضان يجمعنا"، فهم يجتمعون حول مائدة الإفطار ثم يلتقون في المقاهي الشعبية ويستمتعون بقصص الحكواتي، ويلتفون مرة أخرى حول مائدة السحور مع نداءات المسحراتي.

مع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالنكهات الرمضانية على موائد الإفطار والسحور، فإن لكل مدينة ومحافظة نكهتها الخاصة:

حمص وحماة .. حلوى رمضانية لجميع الطبقات

في حمص، تأتي الحلوى الأشهر على موائدهم مُناسبة لجميع طبقات المجتمع، فهي مصنوعة من الجبن والمياه مع السميد والقشطة والسكر، وتسمى "حلاوة الجبن" ولكن كانت الأولى في صناعتها هي حماة. كذلك تتمتع "الشعيبيات" بإقبال جماهيري كبير، وهي مُعدة من العجين والقشطة والجوز.

المعروك .. الراعي الرسمي لرمضان في حلب

أما في حلب، فالمعروك هو الراعي الرسمي لمائدة السحور الرمضانية، ويُخبز من مزيج الطحين والبيض والحليب مع السكر والفانيليا والخميرة، ثم يتم حشوه بالتمر أو القريشة أو السمنة العربية. بينما تأتي أطباق الفتوش والتبولة كخيارات أساسية تترأس مائدة الإفطار.

ما في "ناعم" .. ما في رمضان في دمشق

وإذا ذهبت إلى قلب سورية، العاصمة الدمشقية، تجد أن قذائف المدفع تُطلق عصر اليوم السابق للصيام، للإعلان عن قدوم رمضان، فيقبل الناس على تناول الحلويات الدمشقية الأصيلة، مثل البرازق والعجوة. وفي المساء، يجتمعون حول مائدة السحور المُعدة بالبيض والمربيات والجبن والزعتر والشاي.

ولكن "إذا مافي ناعم، ما في رمضان".. هذا هو مدى ارتباط خبز "الناعم" الوثيق برمضان في العاصمة الدمشقية، فهو جزء لا يتجزأ من التقاليد الرمضانية التي لا يخلو منها منزل في دمشق. فيُعد هذا الخبز من مزيج بسيط من الطحين والماء ودبس التمر، ويتميز بقوامه الهش المقرمش والحلو. على الرغم من بساطته التي منحته اسم "خبز الفقراء"، إلا أنه لا يُباع في المحلات والمتاجر، فقط تجده مع الباعة المتجولين الذين ينتشرون في الأسواق مع اقتراب شهر رمضان، وذلك لأنه تراث لا يعلم سر صناعته سوى الأسر القديمة التي توارثته جيل بعد جيل.

المنسف والولائم .. طقوس تجمع أهالي الريف السوري

في الريف السوري، يأخذ شهر رمضان طابعًا مميزًا ومليئًا بالتقاليد والتراث، حيث يشكل الاحتفال به جزءًا لا يتجزأ من حياة السكان المحليين. يتميز هذا الشهر الفضيل بأجواء اجتماعية دافئة، حيث يقوم شيخ العشيرة أو الشخص المحترم في كل منطقة بتنظيم وليمة تجمع الأهالي لتناول وجبات شهية، مثل المنسف والذبائح الطازجة.

كما تتجلى قيم الترابط والتضامن في طقوس إحياء ليلة القدر، حيث يقوم الأهالي بتجميع الطعام من منازلهم لإعداد مائدة كبيرة يشارك فيها الجميع في وقت السحور، مما يعكس جوهر التضامن والتآخي الذي يميز هذا الشهر الكريم في الريف السوري.

المسحراتي والحكواتي .. أبطال ليالي رمضان في سورية

عادة قديمة كانت وما زالت وقت المغرب، حيث كانت القناديل تُضيء المساجد احتفاءً برمضان من لحظة أذان المغرب وحتى الإمساك، فيما تزدحم الأسواق بالباعة والمشترين خلال الساعات التي تسبق موعد الإفطار، ليعم السكون مع وقت اجتماع العائلات حول الموائد، ويعود النشاط من جديد بعودة الناس للتسوق والتجمع بعد صلاة العشاء.

لتستمر ليالي رمضان العامرة بالبهجة والمحبة حتى ساعة متأخرة من الليل، حيث يقصد الشباب والشيوخ المقاهي المنتشرة في أحياء دمشق القديمة، وهنا يأتي دور الحكواتي.

بقصص البطولة والفروسية التي سطرها التاريخ العربي والإسلامي، يُحي الحكواتي الليالي الرمضانية ساردًا أحب السير والقصص الشعبية، مثل عنترة والظاهر بيبرس، وأبو زيد الهلالي، والزير سالم، ولكنه لا يقصها فحسب، بل يختار الروايات الحماسية بحكمة ويتلاعب بنغمات صوته للتشويق، ويحبك القصة ويُصعد الأحداث، فيجعلهَا درسًا لبث مكارم الأخلاق والقيم في نفوس مستمعيه.

وما إن ينتهي دور الحكواتي، يليه ظهور المسحراتي وهو الشخص الذي يأخذ على عاتقه مهمة إيقاظ سكان الحي لتناول السحور قبل أذان الفجر، وسلاحه الطبلة والعصا، وقوته تكمن في صوته الرنان الذي ينادي "اصحى يا نايم وحد الدايم". أما إذا أراد أن يتأكد من إيقاظهم، فكان يدق على الأبواب وينادي باسم صاحب البيت.

رمضان في سورية 2024 .. فصل من ذكريات الجميع

رمضان في سورية هو شهر الوحدة والترابط، وهو "العيد" الذي يسبق العيد، ففيه تصدح المآذن ويتداخل الدعاء مع عبارات التهاني، وتُدفئ روائح الطعام الطيبة أرجاء المنازل، وتطرب الآذان بنداءات المسحراتي وقصص الحكواتي.

في هذا الشهر، من الإفطار إلى الإمساك لكل طقس قدسيته وروحانيته.

إن رمضان في سورية ليس مجرد شهر صيام، بل هو فصل من ذكريات الجميع، يسجلونه بأجمل اللحظات التي تمزج بين العبادة والترابط وإحياء التراث.

التعليقات