مدفع يصمت ومسحراتي يسكت... رمضان في لبنان

مدفع يصمت ومسحراتي يسكت... رمضان في لبنان

يشعر اللبنانيون، من كبار السن، بالحنين إلى عادات وتقاليد رمضانية، اندثرت على وقع التكنولوجيا الحديثة.

فالطابع الذي كان يهيّمن على العاصمة بيروت ومناطق أخرى بالبلاد، خلال حقبة الثمانينات وما قبلها، ولم يعد موجودًا اليوم إلا قليلًا منه.

فالمشهد الرمضاني تبدّل بعدما كان يتميّز سابقا بعادات وتقاليد دينية واجتماعية وثقافية تكاد تكون موحدة بين مختلف المناطق اللبنانية.

ووسط هذا التوحد كانت كل منطقة، سواء في الجنوب، الشمال، البقاع، بيروت، أو الجبل، تحتفظ بخصوصيتها.

ومن أبرز مظاهر الشهر الكريم، التي باتت محدودة جدًا اليوم وشبه منقرضة هي "المسحراتي"، فقد كان أبرز ما يميز ليالي رمضان. بحسب المؤرخ البيروتي ديب أبو شالة.

ديب أبو شالة

ويضيف أبو شالة، أن "المسحراتي" عادة ما يكون من أبناء الحي، فيبدأ قبل الفجر بإيقاظ الصائمين ليتناولوا الطعام قبل الإمساك.

وكان "المسحراتي" يتميز بعصا وطبلة خاصة، ويرتدي الجلباب المعتاد أو القمباز، والطربوش.

وفي أول أيام عيد الفطر يقوم أهالي الحي بتكريمه فيقدمون له العيدية، هذه العادة انقرضت اليوم وتم استبداله "المسحراتي" بمنبّه الهواتف الذي يوقظهم.

أما "مدفع رمضان"، فصمت منذ 10 سنوات، ولم يعد يطلق قذائفه إيذانًا بموعد الإفطار، كما جرت العادة.

واعتاد اللبنانيون مشاهدة عناصر الجيش يتوّلون هذه المهمة من خلال وضع مدفع عسكري في الحديقة العامة لبيروت.

ومن أبرز العادات البيروتية المنقرضة، بحسب أبو شالة، والتي كانت سائدة إبان العهد العثماني، نوعية الأسماء للمواليد، والتي تراجعت بشدة اليوم.

ويوضح أن السكان كانوا يطلقوا على أولادهم الذكور أسماء الشهور الكريمة رجب، شعبان، رمضان، محرم، ربيع، لا سيما إذا ولدوا في هذه الأشهر، بالإضافة إلى تسمية أولادهم باسم هلال.

ومن أبرز المأكولات الرمضانية، التي كانت سائدة منذ العهد العثماني حتى منتصف الثمانينات، "الزغلولية" (البقلاوة)، التي كان ينهمك اللبنانيون في صفها من اليوم الأول لشهر الصيام.

"أما اليوم فأصبحت متوافرة بشكل دائم، ولمْ يعد الناس يبذلون جهداً لصفها في المنازل، كما بدأت الحلويات الأجنبية تأخذ حيّزا مهمًا لدى جيل اليوم، وفق المؤرخ اللبناني.

الأمر نفسه ينسحب على المعمول المخصص لعيد الفطر، إذ كانت تمضي اللبنانيات ليالي طويلة لصنعها وصفها، وقبل العيد بيومين تلتقي نساء الحي في منزل إحداهن ويتحضّرن لصناعته.

لكن اليوم هذه العادة انقرضت حتى في القرى والجبال، واستعيض عنها بشراء الحلويات جاهزة من الأسواق.

غير أن أبو شالة يرى أن أبرز عادة رمضانية لم تعدّ موجودة في لبنان هي "الترابط الأسري"، فمنذ الأمس القريب لم يعد لقاء العائلة والجيران على مائدة الإفطار أمرًا مهمًا لكثير من اللبنانيين في الشهر الكريم.

العادة الرمضانية، التي تحافظ عليها بيروت، "سيبانة رمضان"، وهي عادة قديمة تتمثل في القيام بنزهة على شاطئ العاصمة، تخصص لتناول المأكولات والمشروبات والحلويات في اليوم الأخير من شهر شعبان قبل انقطاع الصائمين عن الطعام في رمضان.

ويضيف أبو شالة: "سيبانة رمضان" كانت في الأصل عملية استطلاع لهلال شهر رمضان، وكانت تسمّى استبانة، إلا أن أهالي بيروت حرّفوا الكلمة مع مرور الزمن إلى "سيبانة" تسهيلاً للنطق، وأصبحت عادة للتنزه وتناول الأطعمة والمشروبات في آخر يوم شعبان.

وتبقى مدينة طرابلس (شمالي لبنان) الوحيدة التي تجاهد للحفاظ على بعض من حميمية وخصوصية ذلك الشهر.

وتختص مدينة الفيحاء (لقب طرابلس عربيًا) بتقليد خاص في استقبال الشهر الكريم، فتقوم فرق من الصوفية قبل حلول الشهر المبارك بأيام بجولات في شوارع المدينة، يردد المشاركون فيها الأناشيد والمدائح النبوية والأشعار في استقبال شهر الله، لتحضير الناس وتهيئتهم للصوم.

كما يحرض أهالي المدينة على زيارة "الأثر النبوي” في جامع المنصوري الكبير، وهو عبارة عن شعرة واحدة يعتقد أنها من لحية النبي محمد، حيث يتزاحم المؤمنون لتقبيل هذا الأثر الشريف والتبرك منه.

التعليقات