رمضان في لبنان 2024

رمضان في لبنان 2024

من شمالها إلى جنوبها، تتزين مدن لبنان وبقاعها بُحلة رمضانية خلابة بقدر جمال جبالها. تتحول المدن والقرى إلى مسارح يلتقي على خشباتها التراث الثقافي مع روحانية العبادة، فتمتلئ المساجد بالمصلين وتتزين الشوارع بالفوانيس، وتنطلق الفرق الصوفية إلى الميادين.

من قلب بيروت وأصداؤها الصاخبة، إلى ربوع الجبال يستعد اللبنانيون لاستقبال رمضان 2024 بلمسات خاصة نستكشفها معكم في السطور التالية، فتابعونا!

من الشمال إلى الجنوب .. مظاهر احتفالية

من الشمال إلى الجنوب .. مظاهر احتفالية 

مثل جميع الدول العربية، تنتظر لبنان استقبال رمضان 2024 بشوق لدفء اجتماع العائلة حول موائد الإفطار والسحور، وبهجة الإضاءات والفوانيس والأعلام، ونكهة التقاليد التي لا تشبه أي وقت آخر من العام.

فإلى جانب بعض العادات الحديثة التي أصبحت منتشرة في السنوات الأخيرة، مثل توزيع الهدايا على الأطفال في الأسواق الشعبية وإطلاق المناطيد وتناول السحور في منطقة باب الرمل الشعبية، لا تزال هناك تقاليد أصيلة يحرص اللبنانيون على توارثها وإحيائها جيل بعد جيل، ومنها:

سيبانة رمضان .. استقبال بيروتي دسم

سيبانة رمضان .. استقبال بيروتي دسم

في اليوم الأخير من شهر شعبان، وبعد إعلان المحكمة الإسلامية أن اليوم التالي هو أول أيام رمضان، ينطلق أهل بيروت لإحياء تقليد الاحتفال بـ "سيبانة رمضان"، حيث يصطحبون أطفالهم إلى الشواطئ لرؤية هلال رمضان والاستمتاع بالأطباق الشهية من المأكولات الدسمة وأطيب الحلويات قبل بدء 30 يوم وليلة من الصيام.

فعلى الرغم من اندثار الكثير من التقاليد الرمضانية في مختلف الدول، إلا أن اللبنانيين يحرصون على ممارسة هذا التقليد واصطحاب أطفالهم ليبقى حيًا يُضفي نكهته الخاصة على كل رمضان.

الأناشيد والقصائد .. جولات صوفية في شوارع طرابلس

لا تزال طرابلس متمسكة بتقاليدها الرمضانية الموروثة عن أجداد الأجداد. واحدة من هذه التقاليد الراسخة، جولات الفرق الصوفية التي تنطلق بالسيارات قبل استطلاع هلال رمضان بعدة أيام، وتعلو أصواتهم مُرددة الأناشيد والقصائد والمديح النبوي في مشهد مبهج يُثير مشاعر الفرحة في نفوس اللبنانيين ويُهيئها لاستقبال الشهر المبارك.

الفوانيس والأعلام .. نكهة رمضان الخاصة في صيدا

الفوانيس والأعلام .. نكهة رمضان الخاصة في صيدا

في آخر يوم من شعبان، تنير بلدية بيروت سماء المدينة بإضاءة أكبر فانوس في وسط المدينة، مُعلنة بداية فصل رمضان المبارك. مع أولى ساعات أيام هذا الشهر الكريم، تتزيّن شوارع بيروت ومنازلها ومحلاتها ومساجدها بزينة رمضانية تُضفي عليها البهجة والسرور، حيث تتوشح بالفوانيس والأعلام الملونة وحبال الإضاءات. تعكس هذه الزخارف الروح الاحتفالية التي تعمّ الأجواء في لبنان، حيث يُشاهد هذا المشهد الجميل في كثير من أرجاء البلاد، من الساحات العامة والشوارع الرئيسية إلى المدن الكبرى.

ومع ذلك، تحتفظ مدينة صيدا الساحلية بتقليد خاص في احتفالاتها برمضان، يمتاز بطابعها الخاص وتقاليدها الفريدة، لتبقى المدينة وفية لتقاليدها، حيث يعتبر إضاءة الفانوس في اليوم الأخير من شهر شعبان تقليدًا لا يمكن الاستغناء عنه في هذه المدينة الساحلية.

مدفع رمضان .. إرث لبناني من العهد العثماني

بداية في عام 1859، أصدر الوالي العثماني أمرًا بتثبيت مدفع كبير في رابية تطل على مدينة بيروت، وذلك ليكون علامة لتحديد مواعيد الإفطار والإمساك خلال شهر رمضان، بالإضافة إلى إعلان حلول الشهر الفضيل.

هذا التقليد القديم، الذي بات جزءًا لا يتجزأ من تراث لبنان، يتمثل في إطلاق ثلاث قذائف مدفعية عند رؤية هلال رمضان، ثم يتم إطلاق قذيفتين يوميًا؛ إحداهما قبل أذان المغرب لإعلان موعد الإفطار، والأخرى قبل أذان الفجر لإعلان موعد الإمساك. وفي نهاية شهر رمضان، وعند ثبوت رؤية هلال شوال، يتم إطلاق ثلاث قذائف أخرى لتوديع الشهر الفضيل والإعلان عن حلول عيد الفطر المبارك.

المسحراتي .. تقليد صامد في العصر الحديث

"يا نايم وحّد الدايم" .. "يا ناس قوموا على سحوركم.. جاء رمضان يزوركم".. هكذا اعتاد أن ينبه اللبنانيون على صوت المسحراتي، أو كما يُعرف بالبعض باسم "مستيقظ الفجر".

على الرغم من تطور وسائل التنبيه الحديثة واستخدام الهواتف الذكية كمنبهات، فإن المسحراتي ما زال حاضراً بقوة في العديد من المدن والأحياء في لبنان. يُعتبر صوت قرع الطبلة قبل الفجر مباشرة جزءًا لا يتجزأ من جو رمضان واحتفالاته المميزة.

التجمعات العائلية تُدفئ مائدة إفطار رمضان

رمضان في لبنان يمثل شهر العائلة والتلاحم، حيث يجتمع الأهل والأحباب لقضاء أمسياتهم وأوقاتهم معًا في أجواء تملؤها الدفء والمحبة. فيتبادل الناس الزيارات بين بيوتهم، وتتنوع المأكولات على الموائد لتناسب جميع الأذواق وتعكس تراث المطبخ اللبناني الغني.

تتميز الموائد الرمضانية في لبنان بتنوع الأطباق التي تقدم، حيث تكثر الأطباق الشعبية التي تعكس تراث البلاد، مثل شوربة العدس المجروش والدجاج أو الخضار، والتي تحتل مكانة مميزة في قلوب اللبنانيين. بالإضافة إلى ذلك، تتضمن المائدة المقبلات الشهية مثل ورق العنب والسمبوسك والكبة والتبولة والحمص، والتي تضفي لمسة من التنوع والفخامة على الإفطار.

ومن الأطباق الرئيسية التي لا تخلو الموائد منها في رمضان في لبنان، مقلوبة الباذنجان والشاورما وعرايس الكفتة وريش لحم الضأن، التي تعد وجبات شهية ومغذية تجمع الأسرة حول المائدة بفرح وبهجة.

أما فيما يتعلق بالمشروبات، فيعتبر الجلاب المصنوع من دبس العنب وماء الورد والثلج والصنوبر المشروب الرمضاني الأشهر في لبنان، حيث يتميز بمذاقه اللذيذ المنعش في أوقات الصيام. كما تعتبر المشروبات التقليدية مثل العرقسوس والتمر الهندي وقمر الدين جزءًا لا يتجزأ من تجربة رمضان اللبنانية التقليدية.

الحلى اللبناني .. تنوع يتطلع إليه الصائم

إلى جانب القطايف، الحلوى الرمضانية الأشهر بين الدول العربية، والتي يتم تقديمها بشكل أساسي خلال شهر رمضان في لبنان، وحلاوة الجبن وزنود الست، هناك حلويات تتميز بها المائدة اللبنانية عن غيرها من الموائد خلال شهر رمضان المبارك، وهي:

الكلاج

رائحة السمن وماء الزهر تضع هذه الحلوى في الصدارة، حيث تتميز حلوى الكلاج بقوامها الخفيف وطعمها الحلو اللذيذ، فهي مصنوعة من عجين الطحين مع السكر والسمن، ويتم طيها في مستطيلات خفيفه تُحشى بقشطة الحليب الطازجة و السميد وماء الورد، ثم تقلى بالسمن البلدي ويتم رشها بالقطر أو تُغمس فيه.

حلوى المفروكة

المفروكة حلوى أخرى يتطلع اللبناني إلى تذوقها بعد ساعات الصيام الطويلة، فمذاقها الحلو يداعب خياله برائحتها الشهية و قوامها الهش. تُصنع المفروكة من دقيق السميد والزبدة حيث يتم خبز العجينة في الفرن، ثم تخرج لتغطى بشراب السكر وقد يُضاف لها طبقة أخرى من القشطة والمكسرات المحمصة.

الداعقية

حلوى بيروتية الأصل، وتنسب إلى محل معجنات صغير يُسمى "حلويات الداعوق"، وقد ابتكرها لأول مرة في الثمانينات عندما وضع طبقة من القشطة مع طبقة من الكاجو بين طبقتين من عجينة الفستق التي تمنحها لونها الأخضر المميز، صانعًا بذلك واحدة من أشهر الحلويات اللبنانية باسم عائلته لون الفستق يعطي "الداعقية".

رمضان في لبنان 2024 .. ملحمة تراثية من العادات والتقاليد

رمضان في لبنان 2024 يجسد مزيجًا فريدًا من التراث والتقاليد، حيث يتمسك اللبنانيون بقيمهم الثقافية والاجتماعية في هذا الشهر المبارك. يتجلى هذا في التزيين الخاص بالمدن والمنازل، وفي الاحتفالات التي تعم البلاد بداية من لحظة رؤية هلال رمضان وحتى إشعار نهاية الشهر الفضيل.

كما يعكس إفطار الصائمين وسحورهم فرصة للتواصل والترابط الاجتماعي، حيث يجتمع الأهل والأصدقاء لتناول الطعام معًا ومشاركة الفرحة والبهجة.

التعليقات