رمضان في الأردن 2024

رمضان في الأردن 2024

على أرض السلام والضيافة، تلتقي عراقة التاريخ وأصالة الثقافة في مزيج غني من العادات والتقاليد، لتستقبل الأردن شهر رمضان المبارك بأجواء ساحرة وممارسات فريدة.

الشوارع المضاءة بالأهلة والمصابيح وأسطح المنازل المزينة بالفوانيس، ورائحة الحلوى وأكشاك العصائر، والخيام وموائد الرحمن .. ما بين هذا وذاك، هناك الكثير من الاحتفالات والطقوس المُبهجة التي تصنع في سماء الأردن غلافًا رمضانيًا يحتضن الجميع.

شاركنا رحلتنا للتعرف على أبرز عادات وتقاليد رمضان في الأردن 2024 في السطور التالية!

زينة وفوانيس وأسواق.. مراسم استقبال الضيف الكريم

زينة وفوانيس وأسواق.. مراسم استقبال الضيف الكريم

تستقبل الأردن شهر رمضان استقبال المشتاق لأحبته قبل أسابيع من وصول الضيف الكريم، فتبدأ الأسر في تزيين المنازل وشراء الفوانيس والقناديل الملونة، بينما تتزين المحال والشوارع بالزخارف المضيئة، وتنتشر أكشاك العصائر التي لن تراها إلا في هذا الوقت من العام، فيتحول كل شبر في أرض الأردن إلى ساحة استقبال تعمها الفرحة والبهجة.

وإذا وصلت إلى قلب الأردن، في العاصمة عمان التي يُطلق عليها "وسط البلد"، تجد الأسواق قد نشطت وأعدت العدة ونصبت الخيام لعرض المنتجات التي تلقى إقبالًا كبيرًا في هذا الموسم الرمضاني، فبالقرب من المسجد الحسيني، أقدم مسجد في عمان، يمتلئ سوق البخارية والسوق اليمني وسوق العطارين بالمشترين الذين جاءوا يستعدون لاستقبال شهر الصيام، بالتمور والياميش ومستلزمات تحضير أشهى الأطباق والحلويات، أما سوق "البالة" المختص ببيع الملابس، فيشهد زحامًا متوسطًا يصل إلى ذروته في العشر الأواخر قبل حلول عيد الفطر.

تجمّع العائلة على مائدة الإفطار .. طقس رمضاني مقدس

تجمّع العائلة على مائدة الإفطار .. طقس رمضاني مقدس

مثل أغلب الدول العربية، يُعد التقاء العائلة على مائدة الإفطار الأردنية بمثابة طقس رمضاني مقدس. حيث يحرص أفراد الأسرة وكذلك الأقارب والأصدقاء، على الإفطار سويًا في اليوم الأول الذي لا يُسمح فيه لأي فرد بالغياب أو الاعتذار عن الحضور.

أما في العطلات، فتقام الولائم ويكون الإفطار أكثر حماسة، حيث يتم إعداد الأطباق التقليدية، مثل المقلوبة والمحشي والمنسف، وبعد الانتهاء من تناول الطعام وأداء الصلاة، يحين موعد الاستمتاع بالخروج إلى الأسواق والخيام الرمضانية والمقاهي الشعبية، لمشاهدة العروض والفعاليات الترفيهية.

المائدة الرمضانية في الأردن .. تنوع غني بالنكهات

المائدة الرمضانية في الأردن .. تنوع غني بالنكهات

تتلون المائدة الرمضانية في الأردن بمختلف الأطعمة والنكهات الغنية، حيث يبدأ الأردنيون إفطارهم بأطباق الحساء التي تتكون عادة من العدس أو الخضار الطازجة أو"الشعيرية" وربما الفطر أو مرق الدجاج. أما الطبق الرئيسي فعادة ما يكون الأرز مع اللحم أو الدجاج، ولا مجال لغياب السَلَطات بمختلف أنواعها، كالسلطة الفلاحية وسلطة الجرجير والفتوش، إضافة إلى المقبلات التي تنتقل بالمائدة إلى مستوى مختلف من فن الطهي مثل "فتة الحمص" و "المتبل" والمخللات، ثم يأتي دور الطبق الرئيسي كـ "المسخن"، وهو خبز "طابون" يُقدّم مع البصل المكرمل بالسماق والدجاج.

أما الحلوى الرئيسية للمائدة الأردنية في رمضان، فهي "القطايف" التي لا يتم إعدادها إلا في شهر الصيام، كما نجد "الكنافة النابلسية" والحلويات الشعبية الأخرى مثل العوامة وكرابيج حلب وغيرها. كذلك لا تخلو المائدة من المشروبات الرمضانية التقليدية مثل عصير "العرقسوس" والتمر هندي وقمر الدين.

المنسف .. سيد المائدة وعنوان الكرم

في أردن الضيافة والكرم، يُعد "المنسف" سيد المائدة الرمضانية وعنوان الفرحة والاحتفال، فهو الطبق الشعبي الأول لهذا الشعب المضياف، وتجده في الأفراح والمناسبات. كما تُفضله العائلات في إفطار اليوم الأول من رمضان كطبق أبيض، وهي عادة قديمة تُسمى "البياض" حيث يتم اختيار طبق يُطهى باللبن لافتتاح شهر الصيام بالبياض والصفاء.

يُحضر المنسف من الأرز ولحم الخروف وخبز الشراك أو "الصاج"، ولكن أهم ما يميز هذا الطبق الأردني الأصيل، هو استخدام "الجميد" الذي يُصنع بعدة خطوات للحصول على طعمه المميز الشهي.

موائد رحمن وخيم رمضانية .. سباق الخير والعطاء

رمضان في الأردن 2024 مثل كل رمضان، تتنوع فيه أوجه الخير والعطاء ويبقى التكافل الاجتماعي هو العنوان الرئيسي. إذ تُنصب الخيم الرمضانية كتقليد رسمي من الدولة، وتنظم موائد الرحمن بالتعاون بين وزارة الأوقاف والجمعيات الخيرية، بينما ينطلق سباق الخير بين الأسر والأفراد بتوزيع المواد الغذائية والعينية على المحتاجين.

وعند موعد الإفطار، تكتمل صورة التراحم والإخاء بتوزيع زجاجات المياه وحبات التمر على الصائمين الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى منازلهم قبل أذان المغرب عند إشارات المرور.

المسحراتي .. أقدم الطقوس الرمضانية

قرع الطبل لإيقاظ النائمين، التقليد الأشهر والأقدم في الأردن وإن كان قد تلاشى كثيرًا مع ظهور الأدوات التكنولوجية. اعتاد "المسحراتي" أن يتجول في شوارع الأحياء كل ليلة خلال الشهر الكريم، قارعًا على الطبل ومتغنيًا ببعض العبارات القصيرة مثل "اصحى يا نايم وحد الدايم"، وفي بعض الأحيان يُنادي بأسماء السكان، لإيقاظهم وتنبيههم إلى وقت السحور قبل أن يحين موعد أذان الفجر. بينما اعتاد الأطفال على الخروج من منازلهم وقت مرور المسحراتي يغنون ويصفقون وهم يتبعونه في طريقه حول بيوت الحي.

ليالي رمضانية مليئة بالأنشطة والفعاليات

يميل الشعب الأردني إلى قضاء فترة ما بعد الإفطار خارج المنزل، حيث تكثر الفعاليات والأنشطة الرمضانية التي يمكن الاستمتاع بها في أنحاء الأردن بداية من التجول في الأسواق الشعبية في عمان، أو الاستمتاع بتناول المشروبات والحلويات وتبادل أطراف الحديث في المقاهي الشعبية، وصولًا إلى "بوليفارد العبدلي" حيث الكثير من الفعاليات الرمضانية العائلية التي يتم تنظيمها طوال الشهر المبارك.

يمكنك أيضًا زيارة المولات التجارية التي لا تخلو من الفعاليات والمسابقات الرمضانية، إلى جانب البازارات التي تمتلئ بالمنتجات المحلية والصناعات الحرفية اليدوية.

أما إذا كنت تبحث عن الأجواء الرمضانية الدافئة فلا خيار أفضل من عمان القديمة (وسط البلد)، حيث إطلالة الشوارع مع الزينة والفوانيس، وأغاني رمضان تُدندن في الخلفية، والاستمتاع بتناول الحلوى التقليدية والعصائر الرمضانية في الساحة الهاشمية والمدرج الروماني.

الخيام الرمضانية .. ملتقى العائلات والأصدقاء

يبقى الجزء الأكثر متعة وبهجة لقضاء الوقت بعد الإفطار متمثلًا في الخيام الرمضانية التي يتم نصبها في مختلف أنحاء المملكة، وتتميز بأجواءها الفريدة من الأقمشة الملونة والأضواء المبهرة وغيرها من العناصر الزخرفية التي تأخذك داخل فقاعة رمضانية لن ترغب في الخروج منها.

تستقبل الخيام العائلات والأصدقاء طوال شهر رمضان من وقت الإفطار إلى أذان الفجر، حيث تقام بها موائد الإفطار الغنية بمختلف الأطباق والمأكولات الشعبية، وتُقدم فيها أصناف وألوان الحلويات الرمضانية، وحتى أطباق السحور الشهية.

ليجتمع أفراد الشعب الأردني معًا للاستمتاع بمشاركة القصص وتبادل الضحكات أثناء لعب ألعاب الطاولة والمشاركة في المسابقات، إضافة إلى مشاهدة عروض فرق الإنشاد والموشحات، والعديد من العروض المسرحية.

رمضان في الأردن 2024 ..

في ختام هذه الرحلة المميزة في الأردن، نجد أنفسنا أمام جو من السرور والسعادة، حيث تتداخل التقاليد القديمة بأناقة مع العادات الحديثة في لحظات احتفالية ترحيبية بشهر الصوم المبارك.

وتتزين الشوارع بألوان الفوانيس والأضواء، وتنتشر الخيام الرمضانية كرمز للتآزر والتلاحم الاجتماعي، فيجتمع الناس حول موائد الإفطار المباركة، حيث يتبادلون الضحكات والأحاديث في جو من الألفة والمحبة.

كما يعكس رمضان في الأردن بروحه الرحبة والسلام التي تتسم بها هذه الأرض الطيبة، حيث تتحول كل لحظة إلى ذكرى جميلة ممزوجة بالتآخي وروح التسامح والمحبة الواحدة.

التعليقات