"اليمين واليسار سيان.." / عكيفا إلدار

-

حتى في أيام الهوس في المونديال، لا يجلس العالم على المدرج عندما تقوم دولة بقطع التيار الكهربائي عن مئات آلاف المواطنين، وترسل طياراتها لتهديد قيادة دولة أخرى، وتعتقل وزراء، وتفجر مكتب رئيس وزراء حكومة جارة. كيف يمكن أن تكتفي الولايات المتحدة بنصيحة روتينية للطرفين بـ"ضبط النفس" عندما تتصرف حكومة إسرائيل كدولة منفلتة العقال؟ لماذا صمت الإتحاد الأوروبي عندما شهد رئيس الحكومة على نفسه بأنه يقود سياسة جنونية؟
(كتب شمعون شيفر يوم الجمعة في صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن إيهود أولمرت قد قال في نقاش داخلي بأنه يريد أن "يفهم الفلسطينيون أن رب البيت قد أصيب بالجنون").

ومن أجل تذليل هذه المعضلات يجب إضافة سؤالين آخرين: الأول- هل كان سيسمح أولمرت لنفسه بـ"الجنون"، لو بقي شاؤول موفاز في وزارة الأمن، وليمور ليفنات في وزارة المعارف؟ والسؤال الثاني- كم من الوقت سيحتاج رئيس المعارضة عمير بيرتس ليقدم اقتراح نزع الثقة عن الحكومة التي تعاقب قطاع غزة بسبب وقوع غلعاد شليط في الأسر؟ ( وماذا بشأن الجنديين اللذين قتلا؟ هل تمت محاسبة أحد على القصور؟) من كان سيخطب أولاً في مظاهرة الإحتجاج في ساحة رابين؟ يولي تمير، أحد مؤسسي "السلام الآن"، أم أوفير بينيس، من مؤيدي تفاهمات جنيف؟

يدعي بيرتس وصحبه أنه لولا وجودهما في الحكومة، لكان الوضع أسوأ بأضعاف مضاعفة. وحملة "السور الواقي" أثبتت أن العكس هو الصحيح. فحزب العمل استخدم كـ "سور واق" لممارسات لم تكن تسمح لنفسها الحكومة بممارستها لو كانت محض يمينية، وذلك خشية ردود فعل المجتمع الدولي. وقام وزير الأمن في حينه، بنيامين بن إليعيزر بتنفيذ "العمل الأسود" في القضاء على حكومة "فتح"، وقام وزير الخارجية في حينه، شمعون بيرس، بتسويق سياسة "لا يوجد شريك" في العالم. وعندما تنفذ" أحزاب اليسار" السياسة المدمرة لرب البيت، فمن الصعب انتقاد الحكومة أو لجمها.

وحتى على مستوى العلاقات مع الفلسطينيين، فإن أضرار "العمل" في الحكومة أكبر بأضعاف مضاعفة عن فائدتها؛ فقبل سنة منح "العمل" لأرئيل شارون "فضائله" مجاناً، وأتاحت له أن يلقي بمفاتيح قطاع غزة إلى أيدي حماس. والآن يتعلم الجيران أنه لا يوجد فرق لدى الإسرائيليين بين اليمين واليسار، بين بيرتس وموفاز- فكلاهما لا يفهمان سوى لغة القوة. وفي "البيت" – أية فعالية أخلاقية سيكون من الآن فصاعداً لحزب العمل في الإحتجاج ضد الحكومة على قطع التيار الكهربائي عن مئات آلاف المواطنين؟ أية قيمة سياسية ستكون لانتقادها سياسة التيقن من قتل الشريك الفلسطيني؟

قام شارون برد منتقديه إلى تصريحات سابقه، إيهود براك، بأنه لا يوجد شريك فلسطيني، وسيقوم رئيس الحكومة القادم بإرسال المنتقدين إلى البحث في الأرشيف عن ممارسات عمير بيرتس في صيف 2006. وسوف يقال؛ ها هو رجل السلام الخاص بكم شهد بنفسه على أنه ما نراه هنا، من طاولة الحرب، لا يراه أحد من هناك- في مقاعد المعارضة. وبموجب الإستطلاع الاخير لـ د.مينا تسيمح، فإن 62 % من المستطلعين منحوا بيرتس علامة فاشل في إدارته للأزمة الأخيرة. في حين هبط حجم التأييد لحزب "العمل" إلى 15 مقعداً.

مر عشرون عاماً منذ المرة الأخيرة التي قام فيها ممثلو حزب العمل في حكومة وحدة بعرض خطة بديلة لسياسة اليمين. وكان ذلك في منتصف الثمانينيات، عندما قاد بيرس الحزب إلى اتفاق لندن وفك الشراكة مع الليكود بعد أن قام يتسحاك شمير بإفشال المبادرة.

خطوة بيرتس بدأت مسيرة انتهت في تشرين أول/أوكتوبر 1991 في مؤتمر مدريد. ومن هناك توصل يتسحاك رابين إلى اتفاق أوسلو، الذي كان يفترض أن يعتق إسرائيل من الإحتلال، ونقل السلطة تدريجياً إلى حكومة فلسطينية. وبعد ذلك بـ13 عاماً، يقوم ورثة رابين بتقديم المساعدة لتخليد الاحتلال وتصفية الحكومة الفلسطينية. ويجب ألا ننسى أن كل ذلك من أجل خطة "التجميع". هل هناك حاجة لنضيف أنها باتت في عداد الميتة..]]


التعليقات