تحطيم قوة حزب الله ونموذج نصر الله هدف غير واقعي/ كتب: هاشم حمدان

-

تحطيم قوة حزب الله ونموذج نصر الله هدف غير واقعي/ كتب: هاشم حمدان
من المفارقة أن يدعي جنرالات الحرب في إسرائيل أنهم يقدمون خدمات إنسانية من أجل تقديم المساعدات للنازحين اللبنانيين الذين نزحوا تحت وطأة الحرب ضد المدنيين التي تشنها إسرائيل! ومن المفارقة أن تدعي وجود دوافع إنسانية وراء إتاحة المجال لإجلاء الرعايا من لبنان خشية تعرضهم للغارات التي تشنها.

وفي الحالتين فإن النازحين والرعايا الأجانب، يشكلان إلى جانب عوامل أخرى، أحد عوامل الضغط على الرأي العام العالمي.

وأشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن وسائل الإعلام في الولايات المتحدة خصصت ساعات طويلة لإجراء مقابلات مع ما يقارب 140 شخصاً ممن تم إجلاؤهم، كشفوا فيها للمرة الأولى للجمهور في الولايات المتحدة عن فظائع الحرب، وهذه المرة فإن المصدر هو مدنيون وليس متحدثين رسميين أو عسكريين إسرائيليين!

ونشرت الصحيفة قول أحد الرعايا:" لم تتوقف الطائرات الإسرائيلية عن القصف. ربما قتلوا 5 من مقاتلي حزب الله، ولكن باقي القتلى من المدنيين..".
ويحمل آخر صحيفة ويبرز العنوان "إسرائيل هدمت لبنان"، ويقول:" على الولايات المتحدة أن تفهم، وعلى العالم أن يفهم: لبنان تدمر.. بيروت كلها أصبحت خرائب.."


وكتب زيف شيف، في اليوم الثامن للحرب أنه لا مناص، من الإعتراف بأن الحرب تتعقد. وأكبر إثبات على ذلك هو القرار بطرد عشرات الآلاف من قراهم في جنوب لبنان، بذريعة أن حزب الله يخفي صواريخه فيها.

واعتبر شيف أن هذا القرار خاطئ من الناحية الإستراتيجية، خاصة وأن إسرائيل كانت قد أعلنت أن حربها ليست ضد الشعب اللبناني. وبحسب شيف فإن الصعوبة العسكرية في منع تواصل إطلاق الصواريخ دفعت الجيش إلى خلق "رافعة ضغط" عن طريق السكان المدنيين، ودفعهم للنزوح شمالاً باتجاه بيروت.

كما أضاف أن هناك أفكاراً أخرى خاطئة تشير إلى تعقد المعركة، وهي الإقتراحات المتزايدة من اتجاهات مختلفة، غالبيتها من عناصر اليمين وعدد من كبار قادة الجيش سابقاً، للبدء بمعركة برية واسعة في لبنان.

وبحسب شيف فإن القيادة العليا للجيش عارضت الفكرة، على الرغم من أنه من الواضح أن سلاح الجو لوحده غير قادر على حل مشكلة إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل!

وفي المقابل كتب آري شابيط في صحيفة "هآرتس" أنه لن يكون هناك حسم عسكري من الجو، و"حرب الجو التي يقودها رئيس هيئة الأركان، دان حالوتس، لن تؤدي إلى الإنتصار، وفي أحسن الحالات ستؤدي إلى إنجازات عسكرية محدودة"!

ويتابع شابيط، بعد الإذلال الذي تعرضت له القوات البرية في عملية الاختطاف في الجنوب والشمال، فإن الضربات التي ينزلها سلاح الجو "تنصب القامة وتثير الغرائز الحربية"، إلا أن الحقيقة المثبتة تؤكد أن هذه الضربات التي ينزلها سلاح الجو تضرب الشعب اللبناني أكثر مما تضرب حزب الله، وبقيت غالبية ماكنة الحرب لدى نصر الله مثلما كانت..

ويتابع " في أحسن الحالات، سينتصب حزب الله ثانية بعد شهرين من تحت الأنقاض، وخلال سنة أو سنتين يصبح جنوب لبنان ثانية دولة إيرانية داخل دولة. ويصل الشرق الأوسط إلى النتيجة أن مجموعة صغيرة من المؤمنين منضبطة ومدربة قادرة على تحدي إسرائيل.

وبرأيه فإن حزب الله الذي قصف حيفا ويزدهر في الجنوب، هو النقيض المطلق لما تسميه إسرائيل "الردع الماحق"، وهو شهادة مستمرة على الضعف الإسرائيلي، وينذر بحرب جديدة أصعب بكثير، سوف نشعر بها خلال فترة قصيرة..

وبحسبه، فقد كان للغارات الجوية بضعة إنجازات، وربما ستحقق إنجازات أخرى، ولكنها في حال لم تحقق الردع، فمن الممكن أن توقع الأضرار بأمن إسرائيل أكثر من الفائدة التي تحققها. فالدمار في بيروت وإبادة ما يقال إنه "منصات لإطلاق صواريخ زلزال" وقتل عدد من قادة حزب الله، لا يعادل القيمة الإستراتيجية في كسر الطابو حول قصف طبرية والعفولة وحيفا.

ومن المتوقع، بحسب الكاتب، أن يواجه القادة في إسرائيل مأزقاً شديداً في الأيام القادمة، عندما يكتشفون مدى نواقص الغارات الجوية ومحدوديتها: كيف يمكن استكمال العمل الجوي من خلال عملية سياسية والتي من الممكن أن تحسن وضع حزب الله، أو استكمال العمل عن طريق عملية برية من الممكن أن تنطوي على خسائر شديدة وتورط إسرائيل ثانية في لبنان.

في كل الحالات، فإن وهم الحل السحري على وشك أن يتبدد. فسلاح الجو يحاول أن يحقق ذلك، ولكنه لا ينجح..

بينما يصر من يسمون "الخبراء في شؤون لبنان" على وجوب كسر قوة حزب الله وتحطيم نموذج حسن نصر الله، فإن آخرين، من بينهم د. رؤوبين إيرليخ، يصرون على أن " هذا هدف غير واقعي".

إيرليخ هو ضابط استخبارات في وحدة الإرتباط في لبنان في سنوات الثمانينيات، ثم نائباً لأوري لوبراني، منسق عمليات الحكومة الإسرائيلية في لبنان وأحد واضعي سياسة إسرائيل تجاه لبنان. (لوبراني رفض الإدلاء بتصريحات لكونه لا يزال يشغل منصب مستشار وزير الدفاع، إلا أن من تحدث إليه في الأسبوع الاخير يقول إنه غاضب جداً، لأن وزراء الدفاع والحكومات لم يكترثوا لتحذيراته..!!)

يقول د.أيرليخ، الذي يدير حالياً مركز المعلومات التابع "المركز لتراث الإستخبارات"، وهو مؤلف أربعة كتب، بضمنها "الورطة اللبنانية" وقدمت كأطروحة نال عليها شهادة الدكتوراه:" كل من يفكر بإزالة قدرات حزب الله هو غير واقعي، يجب التفكير بمصطلحات: ماذا يمكن إنجازه"!

ويضيف:" الورطة (المتاهة) اللبنانية تشدنا مراراً وتكراراً إليها. نحن نريد إخراج لبنان من داخلنا أيضاً، ولكن لبنان لا تدعنا نخرج. لبنان كدولة وكمجتمع تقع في سياق الصراع العربي الإسرائيلي بكل مركباته: عداء وصداقة في الخفاء وإرهاب ونسيج علاقات طائفية معقدة. والتحدي الماثل أمامنا هو إيجاد الحلول التي تتيح الهدوء النسبي (وليس هدوءاً لأربعين سنة). الهدوء الذي ساد في السنوات الأخيرة، بعد الإنسحاب، كان نسبياً ومضللاً، وتم خرقه عدة مرات، وأدى إلى جلوس منظمة إرهابية قبالة حدودنا الشمالية، وجعلتنا ندفع ثمن ذلك اليوم".

ولكونه لا يزال يعمل في الجهاز الأمني حتى اليوم، فهو (إيرليخ) حذر في كلامه، ومع ذلك وافق بعد تردد على الإعتراف بأن:" لو كنا نعرف أن اغتيال عباس موسوي عام 1992 سيجلب لنا نائبه حسن نصر الله، ربما كنا سنفكر مرتين قبل تنفيذ الإغتيال"!


وفي السياق يقول الملقب (ج) من الموساد إن المواجهة مع حزب الله هي إعلامية وحرب نفسية، إلا أنه لم يخف غضبه من تصريحات داني ياتوم، رئيس الموساد سابقاً، للقناة العاشرة بشأن الصعوبة التي تجدها الإستخبارات العسكرية في اختراق منظمة مثل حزب الله. ويعلق (ج):" لم أتوقع من رئيس موساد سابق أن يدلي بمثل هذه التصريحات، فأنا أستطيع أن أدرك أن الجمهور غير واع لحقيقة أننا في أوج حرب نفسية"!

ورداً على سؤال فيما إذا كانت إسرائيل قد خسرت الحرب النفسية، يقول (ج):" ليس بالضرورة، فهذا مرتبط بمدى تفعيل حرب نفسية فاعلة لخلق معارضة تلقائية داخلية لقيادة حزب الله وتؤدي إلى اغتيال عدد من القيادات أو إبعادهم إلى إيران"!!

ويتابع (ج):" يجب أن ندير معركة خبيثة ومحكمة، لأن مدى قدرتنا على حسم هذه المعركة ومعارك قادمة، ترتبط فيما ترتبط بالخبث (الشطارة). يجب أن نعمل على قطع تواصل المعلومات وخلق إحساس حقيقي أو وهمي بأن حزب الله، الذي يفاخر بتماسكه التنظيمي، مخترق كالمصفاة، وأن نجعل نصر الله ينظر بعين الشك إلى حراسه. يجب أن نخلق إحساساً بعدم الأمان الجسدي، وعزل قيادة التنظيم، فالعزلة هي أم المخاوف. يجب أن نعمل على خلق صراعات داخلية، وخلق أجواء خيانة، إذ لا يوجد سكين أكثر مضاءاً وسُمّيّة من سكين الخيانة"!!


وبينما تكرر إسرائيل عروضها، من خلال إلقاء المناشير من الجو والرسائل الهاتفية، لجذب متعاونين معها، نشرت صحيفة "هآرتس" تصريحات لأحد "الجنرالات"، شربل بركات، الذي عمل في شؤون العلاقات الخارجية لما يسمى "جيش جنوب لبنان"، في إتصال مع الصحيفة من كندا التي هرب إليها بعد تفكك الجيش (جنوب لبنان). يقول بركات:" لقد هربت إسرائيل في العام 2000، وتركت حزب الله يتعاظم أمام ناظريها. لقد خانتنا إسرائيل، وكنا أصدقاءها طوال 40 عاماً!"..

ولدى سؤاله عن مخرج من الأزمة، يقول بركات:" المشكلة أكبر من حزب الله، المشكلة هي إيران وكل دول الشرق الأوسط. الحكام العرب أغبياء، فهم لا يدركون أنه في حال انتصار حزب الله، عندها سيأتي بعد لبنان دور الأردن ومصر والسعودية، فهناك الكثير من "النصراللات" ينتظرون الفرصة السانحة"!!

التعليقات