صواريخ حزب الله وإنجازات أولمرت../ كتب/ هاشم حمدان

-

صواريخ حزب الله وإنجازات أولمرت../ كتب/ هاشم حمدان
نظرة سريعة على مقالات صحيفة "هآرتس"، بما في ذلك مقال هيئة التحرير، ورغم الإجماع الإسرائيلي العارم على الحرب، تظهر أن سهام النقد تشتد، وإن لم تتكسر النصال على النصال بعد، مع بوادر ظهور أزمة جدية في أعقاب الفشل في تحقيق أي إنجاز عسكري، وتتجلى بعض أسباب الأزمة بسقوط الصواريخ في الجبهة الداخلية بعدد لم يسبق له مثيل، في الوقت الذي يؤكد فيه إيهود أولمرت تحقيق إنجازات في الحرب لم يسبق لها مثيل، رغم عدم وجود أية حقائق على الأرض تثبت صحة تحقيق هذه الإنجازات! كما تدفع هذه الأزمة إلى إثارة النقاش حول سلوك القيادة السياسية الحالية والإعلان المتسرع للحرب ودور الولايات المتحدة. بيد أن الأمر لا يخلو من الانطلاق في الدعوة لمواصلة الحرب من اعتبار أن إسرائيل تواجه خطراً استراتيجياً.

وربط مقال هيئة تحرير "هآرتس" سقوط عدد قياسي من الصواريخ يوم أمس، والتي أوقعت أضراراً شديدة وأثارت الرعب ثانية في الشمال، بمسألتين؛ الأولى أن الهجمات الصاروخية جاءت بعد انتهاء مدة 48 ساعة من "تقليص" الغارات الجوية، حيث التزم حزب الله بدوره في هذه الساعات بعدم إطلاق صواريخ. والثانية أن هذا الرقم القياسي يأتي بعد يوم واحد فقط من خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، والذي تفاخر فيه بإنجازات الحرب، بقوله " إسرائيل تحقق في هذه الحرب إنجازات لم يسبق لها مثيل".

وكان قد سارع معسكر أولمرت فور إلقاء الخطاب إلى تعداد الإنجازات التي حققتها الحرب؛ إضعاف حزب الله على المستوى اللبناني وكذراع عسكري لإيران، وإبعاد حزب الله عن القطاع الحدودي، والدعم المكشوف من الولايات المتحدة، وسكوت دول كثيرة مطولاً، بينها دول عربية، على مواصلة الحرب، وتعزيز قوة الردع الإسرائيلية أمام تهديدات صواريخ مستقبلية!

وبعد كل هذه الإنجازات يعاد طرح التساؤل: وماذا بشأن الهجمات الصاروخية التي تتواصل حاليا؟ هناك فجوة كبيرة بين تصريحات رئيس الحكومة وبين مع يحصل على الأرض، ولا يمكن لهذه "الإنجازات" أن تغطي على "عدم نجاح" (تجنباً لذكر مرادفات مثل إخفاق أو فشل أو ما أشبه- عــ48ـرب) الجيش في وضع حد للهجمات الصاروخية، أو تقليصها على الأقل. وحتى لو أراد أولمرت رفع المعنويات بالحديث عن الإنجازات، إلا أنه لا يمكن ذلك بدون الإستناد إلى الحقائق. في حين تؤكد الحقائق أن هذه الإنجازات تتكسر على أرض الواقع. مع التأكيد أن الهدف الأساسي للحرب هو وقف إطلاق الصواريخ، وهذا ما لم يحدث، فبينما يتحدث أولمرت عن إنجازات لم يسبق لها مثيل، يتوالى سقوط الصواريخ في كل أنحاء الجليل!

وأعادت الحرب الحالية في لبنان والواقع الميداني في ساحة المعركة ألوف بن إلى إجراء مقارنة سريعة بين أولمرت وشارون عن طريق طرح التساؤل " ماذا تبقى من ميراث شارون". فقبل تنفيذ فك الإرتباط كان خطر التمزق يهدد المجتمع الإسرائيلي، في حين كانت الحدود هادئة، أما اليوم، بعد تبديل قيادات بشكل درامي، فقد انقلبت الصورة الإستراتيجية، الجمهور اليهودي موحد بينما الحدود عاصفة، والجيش يحارب على ثلاث جبهات، وتوجه الإنتقادات الآن للجيش على أدائه، وهو نفس الجيش الذي كيل له المديح على إخلاء المستوطنين في الصيف الماضي.

وبحسب بن، فقد تعلم شارون من فشله في لبنان في الحرب الأولى أمرين لضمان الإجماع الداخلي والتأييد الدولي؛ أولهما أن ضم حزب العمل للحكومة هو شرط إجباري لتنفيذ عمليات تعتمد على القوة، والثاني تنسيق كل خطوة مع الإدارة الأمريكية. وبدوره ذوّت أولمرت هذه النتائج التي تعلمها شارون. وحتى تعامل أولمرت مع استخدام القوة يذكر بشارون، فلا يوجد شفقة على ضحايا الطرف الثاني ولا اعتذار عن القتلى المدنيين في قانا، في حين ترى حكومته أن ذلك يدخل في إطار الخلل الإعلامي وليس كمشكلة أخلاقية!!

وفي المجال السياسي فقد أهمل ميراث شارون، حيث أزيل "الإنسحاب الأحادي الجانب" عن جدول الأعمال، رغم تصريحات أولمرت يوم أمس، وهو في هذه الحالة بحاجة إلى علم سياسي جديد. أما في المجال الأمني ورغم الإنتقادات التي توجه لشارون لكونه فضل تركيز الجهود مقابل الفلسطينيين واكتفى بالردع السياسي في الشمال لكونه يعاني من "عقدة 1982" فارتدع عن مواجهة حسن نصر الله، إلا أن بن لا يستثني إمكانية أن يكون شارون قد أدرك جيداً، بشكل أفضل من أولمرت، حدود قدرات الجيش الإسرائيلي الحقيقية!

وعلى مستوى الأسلوب، يلفت بن إلى أن خطابات أولمرت الطويلة تثير "الشوق" للنصوص القصيرة لسابقه التي لم تكن تزيد عن 5 دقائق. علاوة على أن شارون كان يكثر من الاستشارة والتردد قبل أن يقرر، فهو قد تردد طويلاً قبل البدء ببناء جدار الفصل، في حين سارع أولمرت إلى الخروج للحرب. وبينما مال شارون إلى تحدي المسلمات، فهناك علامة سؤال بأن يتجرأ ورثته مستقبلاً على تعيين قائد القوات البرية، مثلاً، رئيساً لهيئة أركان الجيش، وليس طياراً.

وكتب يسرائيل هرئيل، وهو أحد غلاة المستوطنين، في سياق مختلف، أن الحرب الحالية ونتائجها من المتوقع أن تكون مخيبة للأمل. كما يشير إلى عجز الجيش ورؤساء الحكومة في إيجاد الرد على "المنظمات الإرهابية"، التي يعتبرها خطراً استراتيجياً، بعد أن عززت قوتها وأوقعت أضراراً شديدة لإسرائيل في لبنان وفي البلاد.

وبحسبه فإن إسرائيل استعدت جيداً للحروب الشاملة مع الجيوش العربية، وقدرت بشكل صحيح مدى خطورتها، بما في ذلك إيران، إلا أنها لم تقدر أن العمليات الإنتحارية قادرة على زرع الخوف في المجتمع الإسرائيلي ودفعه إلى الانحناء، وقادرة على إحداث تآكل في الرغبة بالحرب. في حين انقاد القادة وراء مظاهر الضعف وبدأت بذلك رحلة الهروب من "الإرهاب"، وأبرز تجليات ذلك جدار الفصل، الذي أدرك حسن نصر الله كم كان مكلفاً ومضحكاً وبدون فائدة، وفك الإرتباط الأحادي الجانب.

ويتابع هرئيل أن نصر الله فهم ذلك جيداً على أنه دليل آخر على نظرية "خيوط العنكبوت". فكلماته لم تكن في إطار الحرب النفسية وإنما عبرت عن الواقع. وذلك بناءاً على الردود الإسرائيلية في الماضي والتي تجلت في إجراء عمليات تبادل، بدلاً من تفعيل القوة.

وبينما يؤكد على أن الحاجة لخلق ردع مقابل حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله هي حاجة استراتيجية، فهو يحذر بقوله:" الويل لنا إذا لم تكن كافية لتحقيق الردع كل هذه الوحدات العسكرية التي تحارب إزاء ما يقارب 1000 مقاتل، بوسائل لا يوجد مثلها لدى العدو: سلاح طيران ومدفعية دقيقة ومدرعات ووسائل تكنولوجية خاصة"!!

وعلى صعيد مختلف، تجدر الإشارة إلى ما كتبه توم سيغيف، مع اقتراب الذكرى الخامسة للحادي عشر من سبتمبر، فهو يعتبرها فرصة جيدة لإعادة التفكير بالعلاقات مع أوروبا، بعد أن فقدت إسرائيل القيم الأخلاقية خاصة بعد أن تبنى الكثير من الإسرائيليين هذه الذكرى كـ"نموذج قيمي" يوازي الولادة من جديد!!

يقول سيغيف إن الولايات المتحدة لم تفرض على إسرائيل الإنسحاب من الضفة الغربية بعد 39 عاماً من احتلالها، واعتادت إسرائيل على أن تحميها الولايات المتحدة من العرب. أما في هذه الحرب الحالية، فإن الانطباع هو أن الأمريكيين يربطون بين ما يحدث في لبنان وبين "مغامرتهم الفاشلة" في العراق، رغم أنه لا يزال من غير الواضح إذا كانت هذه الحرب قد أعلنت بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وفقط فتح البروتوكولات الأخيرة للحكومة من شأنه أن يوضح ذلك.

ويميل الكثير من الإسرائيليين لرؤية أطفال قانا كمأساة إعلامية أساساً، وليست شيئاً يفرض عليهم مسؤولية أخلاقية، وكما يبدو فإن القيود الإنسانية على الحرب لا تسري على "محور شر" الرئيس الأمريكي جورج بوش. تماماً مثلما يحصل في العراق، فدروس فيتنام منسية. ومن الصعب التحرر من الانطباع بأن الوحشية "الروتينية" في قمع غزة والضفة الغربية تنعكس بشكل غير محتمل في قيام إسرائيل بطرد مئات الآلاف من اللبنانيين من بيوتهم وقصف المراكز السكانية. وفي المقابل فإن وزيرة الخارجية الأمريكية، كونداليزا رايس، وبعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع بدأت تسمع صوت "يكفي"!

ويتابع سيغيف، لو كان لدى أوروبا ما تقوله في المنطقة، لكان بالإمكان البدء فوراً بالمفاوضات على إطلاق سراح الجنود بدون التورط في الحرب. وبحسبه، فمنذ سنوات توحي أوروبا بفهم شرق أوسطي أفضل من الولايات المتحدة. فليست هي من أوجد الفرية الدبلوماسية "خريطة الطريق"، وليست هي من شجع فك الإرتباط الأحادي الجانب، وليست هي من يسمح لإسرائيل بمواصلة قمع المدنيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإنما الولايات المتحدة. ولا يوجد للولايات المتحدة حوار مع سورية، بعكس أوروبا. وسورية ذات صلة ليس فقط لتسوية الوضع في لبنان، وإنما لإدارة العلاقات مع الفلسطينيين. هذه هي المشكلة الحقيقية. وحتى لو احتلت الولايات المتحدة طهران، فإن الإسرائيليين مضطرون لمواصلة العيش مع الفلسطينيين. وأوروبا تدرك ذلك!

التعليقات