"صدق الإنهزاميون، فالقدس لم تتوحد"..

-

كتب عوزي بنزيمان في صحيفة "هآرتس":

[[ "إذا كنا سنحتل البلدة القديمة، فمتى سنعيدها ولمن"، كانت هذه كلمات وزير المعارف، زلمن أورن، في جلسة الحكومة التي عقدت في الساعة الثامنة من مساء يوم الإثنين في الخامس من حزيران 1967، في ملجأ مبنى الكنيست في القدس. وانضم إلى وزير المعارف، وزير الداخلية في حينه، موشي حاييم شابيرا، وأعرب عن خشيته من الأبعاد السياسية لدخول الجيش إلى البلدة القديمة. وقد اعتقدا أنه من الأفضل لإسرائيل عدم السيطرة على القدس الشرقية، وإنما عرض مكانة دولية لها. إلا أن الوزيرين كانا لوحدهما في هذا الرأي. أما غالبية وزراء الحكومة فقد كان لديهم الأحساس بأنها لحظة تاريخية. وبعد مناقشات قصيرة أجمع الجميع على رأي رئيس الحكومة في حينه، ليفي أشكول، الذي قال إن الحكومة سوف تصدر للجيش أمرا بـ"تحرير المدينة، رداً على قصف الجيش الأردني للقدس الغربية. أما القرار بشأنها المنطقة المحررة فسوف يتخذ في المستقبل".

وجاء المستقبل بعد ستة أيام، في الحادي عشر من حزيران/ يونيو، حيث قررت الحكومة ضم القدس الشرقية. ومرة أخرى أفسد وزير المعارف، زلمان أورن، الفرحة: فقد أعرب عن خشيته من أن يلزم العالم إسرائيل بالتراجع عن توحيد القدس. وحتى وزير الشرطة في حينه، إلياهو ساسون، حذر من معارضة العالم المسيحي للإعلان الرسمي عن ضم القدس الشرقية. وانضم الوزيران يسرائيل برزيلاي ومردخاي بنطوف (مباي) إلى المتحفظين. إلا أن تحفظهما لم يكن نابعاً من الخشية من رد الفعل العالمي، وإنما من التأثير السلبي للضم على احتمالات إسرائيل بالتوصل إلى سلام مع الدول العربية. بيد أن الوزراء الأربعة ظلوا أقلية، وألقت الحكومة على لجنة وزارية مهمة بلورة اقتراح يؤدي إلى توحيد القدس. وفي الساعة السابعة من مساء يوم الثلاثاء، السابع والعشرين من حزيران/ يونيو، قررت الكنيست ضم القدس الشرقية بتأييد غالبية أعضاء الكنيست، بضمنهم عضو الكنيست في حينه أوري أفنيري.

وبعد 40 عاماً، من الجدير محاولة استخلاص العبر من ذلك القرار. لا شك أنه عندما قررت القيادة الإسرائيلية توحيد القدس كان لديها أسباب جيدة للاعتقاد بأنها تقوم بخطوة صحيحة. الظروف السياسية والأمنية (هزيمة الدول العربية واعتراف العالم بصدقية حرب الأيام الستة) والأجواء النفسية في إسرائيل (الإحساس بالخلاص من تهديد وجودي، والإحساس بالانتقام العذب من العدوانية التعسفية للدول العربية) والوضع السياسي، كل ذلك هيأ الأرضية المناسبة. وعلاوة على ذلك، فلا شك أن الدولة بذلت مواردها من أجل إنجاح هذه الخطوة، فقد رسمت من جديد خريطة المدينة من أجل تمكين قبضتها عليها، وصادرت مساحات واسعة من الأراضي من أجل زيادة التواجد اليهودي في المدينة، وخصصت موارد بشرية ومالية كبيرة من أجل تطويره وضمان أمنه، ووضعت القدس على رأس سلم الأولويات.

وبالرغم من ذلك، فإن النتيجة تفصح عن نفسها: ميزان الهجرة سلبي في قدس العام 2007، وعدد العرب الذين يعيشون بداخل حدودها يرتفع بشكل متواصل ويغير من الميزان الديمغرافي لصالح العرب، غالبية دول العالم لا تعترف بالسيادة الإسرائيلية على القدس، إجراءات الضم لم تؤد إلى توحيد حقيقي للمدينة، فاليهود يرتدعون عن زيارة البلدة الشرقية، ولا يتجاوز حضورهم حائط المبكى أو الحي اليهودي، وحتى من الناحية المدنية والتصميمية، وبضمن ذلك محيط حائط المبكى، فلم يكن الضم قصة نجاح.

والنتيجة بديهية: فالواقع يتغلب على الرغبات، فالشرعية التي كانت لدولة إسرائيل لضم شرق القدس في العام 1967 لم تتغلب على تصميم العرب في المدينة على مواصلة الالتصاق بها. ولا تنجح المطالب اليهودية بالقدس الكاملة بالتغلب على ارتباط العالم الإسلامي بالمدينة. في عالم 2007 لا مناص من الاعتراف بذلك؛ وفي حزيران/ يونيو 1967 أدرك ذلك حفنة صغيرة من الوزراء، الذين اعتبروا في حينه إنهزاميين]]..

التعليقات