"غيوم سوداء"

-

اتخذ المستثمرون في البورصة قرارا استراتيجيا: نأمل خيرا. هكذا أيضا مشترو الشقق السكنية في الأبراج الفاخرة. فحينما ترتفع البورصة في نصف سنة 33%، ويرتفع المتر المربع في جادة روتشيلد في تل أبيب ليصل إلى 20 ألف دولار، وترتاد الجماهير مطاعم تل أبيب ليلة رأس السنة، واضح كيف هي حالة المزاج العام.

هذه البهجة نابعة من الارتياح. فبخلاف التوقعات السوداء، لم تقع كارثة عالمية . ولا تبدو في الأفق المنظور، لا يوجد نهاية عالم اقتصادية ولا نهاية عالم سياسية. كما أن الهدوء الأمني يسهم في ذلك. ففي الشهور الأحد عشرة الماضية قتل إسرائيلي واحد في إطار الخط الأخضر نتيجة لعملية إرهابية. والحدود الشمالية هادئة، والحدود الجنوبية هادئة، ولا حرب في الأفق. والاقتصاد يتنامى حتى في ظل حكومة بنيامين نتنياهو الثقيلة.

ولكن حينما نشيح بنظرنا عن هذه البهجة ونرفع رؤوسنا ونحمل منظارا سنرى غيوم سوداء. باكستان بعيدة، ولكنها ذات صلة. وباكستان ترتعد. أفغانستان معزولة، ولكن لأفغانستان انعكاسات محلية حقيقية. وأفغانستان تواجه الصعاب. والعراق يقترب من لحظة الحقيقة، خروج القوات الأمريكية. ومصر تقترب من نهاية عهد مبارك. القاعدة في اليمن، وفي لبنان حزب الله. وتركيا تلعب بالنار.

ولكن المشكلة تبلورت أكثر في في السنوات الثلاث الأخيرة، ودون أن نلحظ، تآكل الأمن القومي الإسرائيلي على ثلاث صعد مختلفة.

* على صعيد إيران: في عام 2007 كان لدى إيران عدد قليل من أجهزة الطرد المركزي. وفي 2008 ازداد عددها إلا أن فاعليتها كانت محدودة. وفي مطلع عام 2010 يوجد لدى إيران 8000 جهاز طرد من بينها 4000 تعمل بشكل جيد. لا يعني الأمر تنبأ ً بنهاية العالم، ولكن يعني أن إسرائيل لم تستطع منع إيران من الوصول إلى مرحلة امتلاك القدرة التكنولوجية. وبات يتواجد في مخازن إيران 1800 كغم يورانيوم مخصب. واصبح لديها قدرة على إنتاج قنبلة نووية خلال عام.


* على صعيد الصواريخ: في عام 2006 كان لدى حزب الله حوالي 15 ألف قذيفة، كان مدى معظمها عدة عشرات من الكيلومترات. وفي عام 2010 أصبح لدى حزب الله 40 ألف قذيفة، من بينها قذائف ذات مدى عدة مئات من الكيلومترات. إن المواجهة المقبلة بين نصر الله وإسرائيل ولن تنحسر على شمال إسرائيل وجنوب لبنان، بل ستكون بين عمق لبنان وعمق إسرائيل. لقد غيرت زيادة المدى، زيادة القدرة النارية وتحسين دقة الإصابة بشكل جوهري الوضع الاستراتيجي. وحينما نزيد للمعادلة القذائف التي بحوزة حماس، والصواريخ السورية والصواريخ الجديدة لدى إيران تتكون لدينا صورة وضع مقلقة. منذ عام 1948 لم تكن الجبهة الداخلية الإسرائيلية مهددة بالشكل الذي هي عليه الآن.

* على صعيد الشرعية:
في عام 2006 أيضا وفي نهاية عام 2008 ابدى المجتمع الدولي سعة صدر إزاء خطوات القوة الإسرائيلية. وفي 2009 حصل تحول. وفي رد فعل متأخر على عملية الرصاص المصبوب مقت العالم إسرائيل. وهو يبدي اليوم صفرا من سعة الصدر إزاء اي استخدام للقوة من قبل إسرائيل. ونتيجة لذلك حتى في القطاعات التي لدى إسرائيل فيها تفوق عسكري، ليس واضحا لأي مدى يمكنها أن تستخدمها. إن الانتقادات لحق إسرائيل بالدفاع عن نفسها مست بشكل كبير بالردع وبالأمن والاستقرار.


معنى ذلك واضح: من ناحية، على إسرائيل أن تستعد بجدية لإمكانية أن تفرض عليها جولة حربية أخرى، ومن ناحية أخرى عليها أن تقوم بكل ما بوسعها لمنع اندلاعها. ومن هذا المنطلق فإن الجهود لتجديد المفاوضات مع محمود عباس مباركة. ولكنها غير كافية، فتجربة الماضي تعلمنا أن ثمة شك في إمكانية التوصل مع عباس إلى نتائج بارزة. وبالمقابل، فإنه من الضروري محاولة إطلاق المسار السوري. فنهاية الصراع بين تل أبيب ودمشق هي الخطوة السياسية الأولى التي يمكنها أن توفر ردا حقيقيا للتوجهات الإقليمية السلبية التي تطوق إسرائيل. سلام إسرائيلي سوري فحسب يمكنه أن يحدث تحولا استراتيجيا إيجابيا وفوريا في الشرق الأوسط.


هل هو ممكن؟ ليس واضحا. لبشار الأسد حياة مزدوجة. في النهار يتوجه للغرب، وفي الليل يلعب ألعابا ممنوعة مع الشرق. يشير للسلام بعين واحدة وبالأخرى يغمز الإرهاب.ليس هناك وكالة استخبارات يمكنها أن تتنبأ ماذا سيختار في النهاية،حينما يضطر للاختيار. ولكن بما أن الأفق يبدو كما يبدو يجب التجربة.



التعليقات