حرب باردة في الشرق الأوسط

-

حرب باردة في الشرق الأوسط
من مقال المحلل السياسي الوف بن | هآرتس | الجمعة 19\2
ترجمة: عـ48ـرب - رامي منصور


’’إن تصفية محمود المبحوح، التي تنسب لإسرائيل، كانت تعبيرا آخر للحرب الباردة، التي تدور بأكبر قوة بين اسرائيل وإيران. القوتان الإقليميتان تتصارعان على القوة والتأثير في الشرق الأوسط، وتتبادلان التهديد بالإبادة وتعترض الأولى للثانية والعكس بعمليات سرية. المواجهة بين الدولتين تدار على هذا النحو منذ سنوات عديدة مضت، لكن الشهر الأخير شهد تصعيداً في الحديث عن حرب ساخنة قد تنشب في "سنة الحسم"، 2010. وتحاول الإدارة الأميركية التهدئة لمنع الإنجرار الى حرب. هذا هو التحدي الأقليمي لباراك أوباما.

تحيل المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية إلى الأذهان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي، والصراع على المنطقة الذي خاضته اسرائيل مع مصر الناصرية في خمسينات وستينات القرن الماضي، والمواجهة مع م. ت. ف. بقيادة ياسر عرفات في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. سمات المواجهة شبيهة: إنكار ايدولوجي راسخ للعدو، تهديدات وجودية له، سباق تسلح، عمليات سرية في جميع انحاء العالم، تزويد الحلفاء بالأسلحة، تحالفات مع قوى دولية وأقليمية، مقاطعة إقتصادية وعزلة سياسية.
في لحظات الملل أتصفح موقع وكالة الأنباء الإيرانية – ارنا، إذ تنشر في الموقع كل بضعة أيام تعهدات علنية للزعيم الإيراني بأن إنهيار النظام الصهيوني سيحدث قريباً، أو تنشر رسائل طمأنة بأن اسرائيل ضعيفة وغير قادرة على مهاجمة إيران، وإن هاجمت فستعاقب. وتنشر في الموقع اخبار مؤيدة لرجال دين يهود معادين للصهيونية في أوروبا ودعوات لمحاكمة "مجرمي حرب اسرائيليين" بسبب جرائمهم في غزة. وحتى البروفيسور ايلان بابه - "المنشق الإسرائيلي" يحظى بتأييد هناك.

الرسالة الإيرانية تقول: الصهيونية ايديولوجية إجرامية ومسؤولة عن جرائم حرب وفظائع. النظام الصهيوني ليس شرعياً، وإنهياره قادم لا محالة إذا صمدت "المقاومة" أمامه. السعودية تهاجم اليمن وفق مؤامرة اميركية – اسرائيلية. يبدو الأمر سخيفاً إلى أن تتوارد الى الذهن قصة النشر في مجلة سلاح الجو الاسرائيلي حول المساعدة العسكرية السرية التي تقدمها اسرائيلي لملكيين مؤيدين للسعودية في اليمن خلال حربهم ضد عبد الناصر. ها هو التاريخ يعيد تكرير نفسه.

عقيدة مطار بن غوريون

الرسالة الإسرائيلية المضادة شبيهة: يدعي الإيرانيون بأنهم ليسوا ضد اليهود ولكن للصهيونية، في المقابل يروج قادة اسرائيل أنهم يحبون ويحترمون الشعب الإيراني ولكنهم ضد النظام. وحسب روايتهم فإن ايران هي المسؤولة عن كل المصائب الأمنية التي تتعرض لها اسرائيل، بدءًا بالعمليات الإنتحارية وحتى القذائف وصواريخ القسام، وفي حال زوال النظام الإسلامي في ايران، فإن اسرائيل سيمكنها تجديد علاقتها الودية مع ايران كما في زمن الشاه.

نتنياهو يصف ايران بـ"العماليق الجدد" لسعيها الحصول على سلاح نووي. من الصعب ايجاد خطر أكبر من هذا التهديد: فقد أوصتنا التوراة بأن على شعب اسرائيل محو ذكر العماليق من تحت السماء.

وصلت التهديدات العلنية الأسبوع الحالي ذروتها. فقد حذّر الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، من أن اسرائيل تعتزم شن حرب في الربيع أو الصيف المقبل، وأضاف أن المقاومة ودول المنطقة ستبيد ذاك النظام المزور. وأعلن نجاد الأسبوع الماضي أن بلاده قادرة على تصنيع قنبلة نووية. بدوره حدد زعيم حزب الله، حسن نصر الله، الأهداف: تل أبيب ومطار بن غوريون. فإذا قصفت اسرائيل بيروت ومطار الحريري فسيقصف تل أبيب ومطار بن غوريون. فمقابل "عقيدة الضاحية" الإسرائيلية (تدمير البنى التحتية اللبنانية اذا تعرضت اسرائيل لقذائف صاروخية) وضع حزب الله "عقيدة بن غوريون".
فقد تحدث نصر الله، كما تحدث صديقه الإيراني، عن دفاع عن النفس أمام عملية اسرائيلية وليس عن مبادرة لهجوم من طرفه. لا يمكن تجاهل المقاربات التاريخية في هذه التهديدات. فأقوال نجاد ونصر الله تذكّر بالتهديدات الإسرائيلية قبل 3 سنوات من سوء تقدير سوري للنوايا الإسرائيلي يدفع بسوريا إلى ان تبادر لحرب (مسكلكولتسيا). في نهاية المطاف لم تبادر سوريا الى حرب فيما هاجمت اسرائيل المفاعل النووية السورية.

هل تتآمر ايران مع حزب الله على مهاجمة اسرائيل تحت جنح تحذيرات من عملية اسرائيلية مقبلة؟ الجواب الذي يعطيه نصر الله هو كنسخة مطابقة لجواب وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان من خلال تهديداته لعائلة الأسد بإسقاط النظام إذ حاربت اسرائيل. نصر الله وليبرمان يعتقدان ان التصريحات الضخمة هي وسيلة الردع الأكثر فعالية. لكن المواطنين في البلدين لا يبالون. وهنا انعكاس للشبه بين بيروت وتل أبيب المهددتان بالخراب في الحرب المقبلة. في المدينتين ارتفاع جنوني في اسعار العقارات، وفي السنة الأخير ارتفعت الأسعار بنسبة شبيهة (37 في المئة). ساحل المدينتين يتغيير بوتيرة سريعة جراء بناء أبراج فاخرة، وهي أولى البنايات المهددة بالإنهيار تحت قصف الصورايخ.

(....)

على الرغم من ذلك، يجب عدم الاستهتار بالتهديدات المتبادلة واعتبارها تصريحات فارغة لأهداف داخلية. فقد تعاملت اسرائيل مع تهديدات عبد الناصر على انها لإعتبارات داخلية، حتى انجرت المنطقة كلها لحرب 67. حينذاك، ادعى كل طرف بأن الطرف الآخر يهدده بالحرب. هذا لا يعني ان التاريخ يعيد تكرار نفسه بدقة، وإنما التصعيد المتراكم قد يؤدي الى انفجار إذا لم يتم إبطال المواد المفجرة.

هذا ما يحاول فعله مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية، الذين قاموا الأسبوع الحالي في جولات تهدئة في الشرق الأوسط. التعبير القديم بأن لدى العرب النفط ولدينا عود الكبريت، أثبت إنه صحيح مجدداً، فالإدرة الأميركية بذلت جهوداً من أجل الفلسطينيين الذين يعانون، كما تبذل الآن جهوداً بهدف تفادي ارتفاع اسعار الطاقة بصورة خيالية جراء الغليان في المنطقة. تهديدات اسرائيل لـ"عماليق" وشركاه السوريين واللبنانيين والفلسطينيين تقلق الأميركان أكثر بكثير من توسيع المستوطنات وإسكان اليهود في الشيخ جراح.

نتنياهو سيلتقي أوباما مرتين في الأسابيع المقبلة، المرة الأولى خلال زيارته لواشنطن للمشاركة في مؤتمر اللوبي المؤيد لإسرائيل – ايباك ومؤتمر الطاقة الدولي. التهديد الإيراني سيكون نجم المناسبتين، ولدى نتنياهو الكثير ليقوله للرئيس والعكس،،.

التعليقات