" أولمرت جُر إلى القمة؛ ولا يمكنه تقديم شيء.. "

يمكن تشبيه تدحرج القمة الثلاثية التي ستعقد يوم الاثنين القادم في فندق "متسودات زئيف" في القدس، بفيلم بوليسي بعدة حلقات مع حبكة مبتذلة تتورط في مفارقات غير متوقعة نهايتها ضبابية.

الصورة الأولى: وصل إيهود أولمرت إلى إفلاس سياسي بعد فشله في حرب لبنان وهبوط شعبيته في استطلاعات الرأي. وقُبرت الأجندة التي روج لها عند انتخابه، انسحاب أحادي الجانب من معظم أراضي الضفة الغربية. واكتشف أولمرت في ضيقته، متأخرا، جاره، محمود عباس واقترح عليها صفقة: تعال نلتقي ونعرض أمام العالم مفاوضات سياسية، تخدم مصلحة كلينا. وكي يغري عباس للقدوم إلى مسكنه والحصول هناك على قبلة على وجنته، رشاه أولمرت بـ 100 مليون دولار وبوعود بـ "تسهيلات" لسكان الضفة. صورة القبلة نشرت في كل العالم، ولكن تأييد أولمرت بقي في الحضيض. فالجمهور مهتم أكثر بالتقارير عن خلافاته مع وزير الأمن وعن الفضائح في قمة هرم السلطة.

الصورة الثانية: في الوقت الذي كان يعد أولمرت للقاء مع عباس، كانت النساء الحديديات، تسيبي ليفني وكونداليزا رايس، تنسجان مكيدة لزملائهم الرجال. ليفني تريد تعزيز مكانتها بصفتها السياسية الأكثر شعبية في إسرائيل التي تهدد بوراثة رئيس الوزراء.

ورايس تبحث عن إنجاز سياسي ينأى بها عن الحرب الفاشلة في العراق. مكيدة وزيرتي الخارجية تبدو تقريبا بالشكل التالي: نذيب الجمود في العملية السياسية ونبدأ الحديث عن شكل وطبيعة الدولة الفلسطينية المستقبلية. لليساريين سنقول أن عملية السلام بعثت إلى الحياة. ونطمئن اليمين بأن نعدهم أن نفصل بين الحديث والتنازل، وأنه حتى لو توصلنا إلى تسوية لن ينفذ شيء قبل أن يحارب الفلسطينيون الإرهاب. وللإستراتيجيين سنقول أن هذا الإجراء يعزز قوة المعتدلين في المنطقة ويمنح عباس أفقا سياسيا يساعده في صراعه مع حماس. ونظهر الولايات المتحدة أمام الأوروبيين والزعماء العرب على أنها عادت بنشاط إلى دور الوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين.

الصورة الثالثة: أولمرت جالس في مكتبه مع يورام طوربوفيتش وشالوم ترجمان، مبعوثيه للحوار مع الأمريكيين والفلسطينيين. هما يؤكدان له أن مبادرة رايس وليفني لن تخرج إلى النور، وأن رجلهم في البيت الأبيض إليوت أفرامز، يطمئنهم أن لا شيئ يدعو إلى القلق. ولكن أولمرت يجد صعوبة في أن يهدأ. فرايس قدمت إلى القدس في منتصف يناير/ كانون ثاني وأعلنت أن في زيارتها القادمة ستعقد قمة مع أولمرت وعباس.

المبادرة لتخطي خارطة الطريق آخذة في التقدم. ماذا نفعل؟ من مكتب رئيس الحكومة بدأت تصدر تصريحات متصلبة، موضحة ما لن يكون في القمة الثلاثية: لن يكون حوار حول الحل الدائم، ولن يكون تفاوض بوساطة أمريكية، ولن يتم تخطي خارطة الطريق. أولمرت يدعو إلى القمة كبار وزرائه كي لا يعرضوا أمام رايس خطط مستقلة وكي يبدو رسميا ويشارك الآخرين في اتخاذ القرارات. ولكن هذا لا يكفي. في الليل يحلم أولمرت برسالة مشجعة وجدها في درجه وهي من آريك شارون. كتب له سابقه فيها، حينما يكون الوضع صعبا وتتزايد الضغوطات، اعتمد على الفلسطينيين سيخرجونك من الورطة. سيقومون بأي هراء ينقذك.

الصورة الرابعة: عباس يتوجه إلى مكة ويلتقي خالد مشعل. ويقول مشعل لعباس: أنا منذ الآن شريكك. ولا يوجد ذكر للاعتراف بإسرائيل في الاتفاق. مستشار إسرائيلي عمل مع عدة رؤساء حكومات عبر عن انطباعه بأن مشعل يتصرف مثل ياسر عرفات في عام 1992، حينما حاول ابتزاز اعتراف بمنظمة التحرير من يتسحاك رابين. وأصرت إسرائيل آنذاك على مقاطعة منظمة التحرير وإجراء حوار مع ممثلين فلسطينيين برئاسة حيدر عبد الشافي. ولكن عرفات حرك الخيوط عن بعد ومنع أي تقدم في المباحثات. ويقول المستشار أن مشعل يقوم بنفس الشيء مع أولمرت. هو يمنع أبو مازن من التقدم في محاولة لإجبار إسرائيل على الاعتراف بمكانة مشعل كقائد للشعب الفلسطيني.

الصورة الخامسة: أولمرت يتلقى نبأ اتفاق مكة لتشكيل حكومة وحدة وطنية يوم الخميس الماضي، ويشم فرصة. يرسل سفيره في واشنطن، سالي مريدور، للاستفسار لدى الإدارة الأمريكية إذا كان يمكن إلغاء القمة. ولكن الجواب في واشنطن كان مقتضبا وحاسما، كعادة رايس. وأوضحت أنها قادمة إلى المنطقة والقمة ستجرى في موعدها يوم الاثنين. وخشي المبعوثون الفلسطينيون الذين زاروا رايس يوم الجمعة الماضي، من رد فعلها على اتفاق مكة، وتفاجئوا أنها غير منفعلة. إسرائيل تلقت وعدا أن اللجنة الرباعية ستصر على شروطها للحكومة الفلسطينية – الاعتراف بإسرائيل ونبذ الإرهاب والالتزام بالاتفاقات الموقعة. وبالمقابل بارك بيان للجنة الرباعية القمة المتوقعة. تحليل: إسرائيل تدرك عدم شرعية حكومة عباس وحماس ولكن يتعين عليها الاستمرار في مخطط رايس.

الصورة السادسة: بعد سلسلة من المحادثات المَارَاثُونية مع زعماء العالم، يدرك أولمرت إلى أين تجري الرياح الدولية. فيخفف من حدة النقد العلني لاتفاق مكة، ولكن في جلسات مغلقة يقول أنه يتعين على عباس الوقوف مرة أخرى في "امتحان الشريك". أو على حد قول أولمرت: "مسألة اتفاق مكة ليست هينة وبسيطة. إذا قبلنا الصيغة بدون الاعتراف بإسرائيل، بما يتعارض مع موقف اللجنة الرباعية، فإن هذا أبو مازن جديد وليس من المؤكد إذا كان يمكن إجراء اتصالات معه". ومع ذلك من المفضل الانتظار وفسح المجال للمجتمع الدولي للضغط على عباس. لا يجب أن نغضب السعوديين الذين رعوا الاتفاق، في الوقت الذي إسرائيل بحاجة إلى تأييدهم مقابل إيران. حسب أحد المصادر في القدس، الاستخبارات لم تتمكن من تزويد معلومات دقيقة حول اتفاق مكة يتجاوز تحليل النص الذي نشر في وسائل الإعلام. التقديرات حسبما تسرب من المفاوضات كانت مرتبكة ومتناقضة حول سؤال هل ستقوم حكومة وحدة وطنية فلسطينية أساسا.

الصورة السابعة: أولمرت يبلور موقفا جديدا استعدادا للقمة. فبدل الحديث عن أفق سياسي ودولة فلسطينية، سيشرحون لعباس ماذا سيخسر إذا ما طبق الاتفاق مع مشعل وذهب باتجاه الوحدة. سيخسر مكانته كشريك للمفاوضات، وسيقف أمام مطلب إسرائيلي بإعادة الجندي المختطف غلعاد شاليت. ما لك ولذلك سيقول أولمرت لعباس، من المفضل لك أن تبقى في موقف المعتدل والضعيف، الذي لا يقوى على فعل شيء سوى التفاوض الوهمي حول "أفق سياسي" غامض. وزعماء العالم ينضمون ويهددون عباس عبر الهاتف بأن الدعم الدولي لن يتجدد إذا ذهب نحو تطبيق اتفاق مكة وانضم إلى مشعل.

الصورة الثامنة: في مسكن رئيس الوزراء يستعدون لوليمة السبت، وأولمرت محتار ماذا ستقول له رايس حينما يلتقيان يوم الأحد قبل القمة. وفي منزل وزيرة الخارجية يعلقون البذلة التي عادت من الكي، استعدادا لوليمة المساء مع النظيرة الأمريكية مساء السبت. في قاعدة سلاح الجو "أندروز" قرب واشنطن، صعدت رايس إلى الطائرة بتنورة داكنة وكعب عال. عباس يتصبب عرقا في المقاطعة في رام الله ومرتبك كيف سيكون جيدا مع الإسرائيليين ومع الأمريكيين وشركائه الجدد في حماس.


التعليقات