" سيكون الإنتصار باهظ الثمن عندما يتضح أنه يوجد حياة بعد موت عرفات"

-

كتب دورون روزنبلوم في صحيفة هآرتس تحت عنوان " هذه بدلتنا"، وقمنا في عرب 48 بترجمة المقال ترجمة حرفية:

"تم تجنيد حتى اللباس العسكري الخاص بالرئيس الفلسطيني ياسر عرفات كدليل آخر على أن الرجل ليس شريكا في السلام، وليس فقط أنه لم يحلق ذقنه بعد أوسلو بل ولم يرتد أبداً اللباس المدني! كجزء من المفهوم" شخصنة القضية الفلسطينية" والتي من الممكن أن نشتاق إليها، والتي ادعت أنه يوجد شخص واحد ووحيد، هو ياسر عرفات، يفصل بيننا وبين جاهزيتنا التواقة إلى " التنازلات المؤلمة" .

ولكن من يسكن في بيت من زجاج من الأجدر به ألا يرمي الآخرين بحجارته، فمعظم أولئك الذين أشاروا بترفع إلى "العسكرية" الكامنة في شخص عرفات وفي ادائه القيادي، لم ينتبهوا إلى أنهم هم أنفسهم يرتدون الزي العسكري، وإذا لم يكن مادياً فهو ذهنياً، فمن "أمان" – المخابرات العسكرية والمعارضة الرئيسية وحتى رئيس الحكومة نفسه. ربما كانت البدلات العسكرية للقيادة الإسرائيلية مهندمة أكثر، أو تم إستبدالها بأخرى مدنية، ولكن هذه القيادة لم تتجاوز القوة العسكرية في نضجها ولم تتوقف للحظة عن التفكير بمصطلحات أمنية تجاه القضية الفلسطينية وتجاه مسألة وجودنا عامة.

صحيح أن عرفات ورفاقه يتحملون مسؤولية تعاظم "عسكرة" إسرائيل في السنوات الأخيرة ، وصحيح أن هذا رد فعل طبيعي مضاد ووقائي، في ظل إنهيار مسيرة السلام والهجمات التي تهدد حياتنا، ولكن بالرغم من ذلك وحتى لا نضلل أنفسنا علينا أن نتساءل إلى أي مدى ساهم "أصحاب البدلات العسكرية "( العقلية العسكرية) خاصتنا في تدهور الأوضاع والتصعيد، ومن بينهم رؤساء الحكومة ووزراء الأمن الذين كانوا وما زالوا عسكريين حتى النخاع بكل الجاهزية المدمرة واللذة في الإنتقام والإقتصاص ونشوة المعركة والوحشية والرد المبالغ فيه.

من المضحك الآن أن نتذكر بشرى " الثورة المدنية" التي أعلن عنها في حينه إيهود براك( ليوم أو يومين) الرجل العسكري المتغطرس الذي ينزع إلى لغة القوة ولم يعرف كيف يدير حتى نفسه على المستوى السياسي، إذا لم نشأ الحديث عن حكومته وحزبه. وبالرغم من ذلك فقد " مزق القناع عن وجه عرفات" وسمح لصديقه الجنرال أرئيل شارون بالصعود إلى جبل الهيكل، وتوصل في نهاية الأمر إلى أربع سنوات حرب ودماء دمرت كل جداول الأعمال السياسية والمدنية في إسرائيل. وكل ذلك يعتبر صغيراً ازاء إدارة وريثه شارون، فالآمال غير المتناغمة المعلقة اليوم على خطة فك الإرتباط أحادية الجانب خاصته والتي يجري تنفيذها، فإنها تؤكد فقط الفقر والنقص السياسيين، واللذان بفضلهما تحولت إسرائيل بقيادة شارون إلى "عملية إنتقامية كبيرة".

ومع ذلك، فازاء النهاية المسرحية ( الأوبراتية) لعرفات أساساً وانتهاءالحصار العجيب بعد قطع رؤوس حماس، وبعد كل أعمال التنكيل والعمليات التي كانت وتلك التي ستأتي، فمن الطبيعي أن يستطيع " لابسو البدلات العسكرية" الإحتفال بالإنتصار. وبحسب طريقتهم - طريقة شارون- فقد نجحت العملية ولكن المريض مات!!، ولكن سرعان ما قد يتحول إلى إنتصار باهظ الثمن عندما يتضح أنه يوجد حياة أيضاً بعد موت عرفات. وعندما يتضح أنه يوجد تحت عباءته العسكرية صف من الشخصيات التي تتحدث بطلاقة وذات مواهب دبلوماسية مؤثرة ومن الممكن أن تجند تأييد العالم بسهولة بل وأن تطرح أجندة أخرى.

أما إسرائيل، فقد بقيت مع الضابط ايهود براك كبديل للضابط شارون، ومع الضابط متان فيلنائي كبديل للضابط براك، ومع الضابط عمرام متسناع كخليفة ضائع لبراك، ومع الضابط عامي أيالون كمضاد مدني لكل هؤلاء. وكما قال سينفيلد في سياق آخر " ليس لأنه لا ضراوة في ذلك" وإنما فمقابل البدلة العسكرية اليتيمة المتواضعة لعرفات والأمل بأن الفلسطينيين سيبرزون قيادة وأجندة مدنية تنشد السلام، علينا أن نتمعن في هذه الأثناء في نوع " البدلة " الخاصة بنا، واين " آباء مازن" في جانبنا".

التعليقات