سكان سديروت هم في واقع الأمر نسق جديد لـ «ضحايا السلام». يشرح متحدثون حكوميون أن اجتياح غزة من الممكن أن يمس بشكل كبير بالشريك محمود عباس، لأن مفاوضات السلام مع القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية لا يمكنها أن تستمر في على ضوء مشاهد مئات الفلسطينيين القتلى والجرحى نتيجة لاجتياح إسرائيلي. من ناحية أخرى، سيعتبر وقف إطلاق النار مع حماس انتصارا للتنظيم في صراعه مع إسرائيل، وسيضيف إليه نقاطا في منافسته المريرة مع حركة فتح على قلب الجمهور الفلسطيني. إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي معني ببناء الشريك الفلسطيني ورعايته والتخفيف عنه والتوصل إلى اتفاق، ينبغي أن يحيط بالسكان في المناطق المحيطة بغزة بالحزام الأمني وبالدعم والتشجيع. ولكن حسب أولمرت نفسه وحسب الواقع في المناطق فإن سكان غزة هم ضحايا السلام الوهمي.
إذا كان أولمرت صادقا في أقواله للحاخام عوفاديا يوسف(الزعيم الروحي لحركة شاس ) وأنه لا يجري مفاوضات سرية حول القدس، إذن هو يخدع كل العالم. والشرح الذي قدمه للمراسلين الذين رافقوه في رحلته إلى ألمانيا، حول إرجاء التعاطي في موضوع القدس هو إهانة لعقل الجمهور. أولا، إسرائيل تعهدت في أنابوليس بأن في المفاوضات ستبحث كافة القضايا دون استثناء، وفقا لأقوال وزيرة الخارجية تسيبي ليفني في رسالتها إلى عضو بلدية القدس، نير بركات،.
وذكرت ليفني أنه تم الاتفاق على أنه «طالما لا يوجد اتفاق على كل شيء، فلا شيء متفق عليه». أي أنه إذا توصلنا إلى تفاهمات حول باقي القضايا، بما في ذلك الحدود واللاجئين – دون تفاهم حول القدس، فهذه التفاهمات لا تساوي حتى ورقة مسودة.
ثانيا، لا يمكن إجراء مباحثات جدية في حل الدولتين دون التطرق لقضية القدس. ودون ترسيم حدود القدس ، لا توجد أي إمكانية لترسيم الحدود الدائمة بين إسرائيل وفلسطين. وقال رئيس الوزراء للمراسلين إنه بالرغم من صعوبة قضية القدس فإن قضية الحدود هي الأسهل من بين القضايا الجوهرية وثمة قاعدة واسعة لحلها.هل هذا صحيح؟ من المفضل أن يسأل أولمرت، في فرصة ما، محمود عباس إذا كان يعتبر "هار حوما" حيا تابعا للقدس . سيسمع أن جبل أبو غنيم، الاسم الأصلي هو مستوطنة أقيمت على أراض صودرت من سكان بلدة بيت ساحور في محافظة بيت لحم.
بالنسبة للفلسطينيين لا يوجد فرق بين مستوطنة بسغوت المحاذية لرام الله وبين حي بسغات زئيف في القدس، التي تقع على مفترق الطرق بين رام الله والقدس الشرقية. في أحسن الحالات الأحياء اليهودية في القدس الشرقية الواقعة خارج الأسوار هي بالنسبة لهم إحدى التجمعات الاستيطانية التي ستضم لإسرائيل في إطار تبادل أراض. وفي غياب اتفاق على حدود التجمع المقدسي لا توجد أي إمكانية للتوصل إلى اتفاق- أي مناطق سيحصل عليها الفلسطينيون بالمقابل وما هي مساحتها.
ثالثا، إرجاء المفاوضات حول البلدة القديمة في القدس بشكل عام وحول الحوض المقدس بوجه خاص، يقلص مجال المرونة للجانبين في المباحثات حول القضايا الجوهرية الأخرى. وادعاء أولمرت بقوله " إذا كنا لا نريد الوصول مباشرة لطريق مسدود، فمن المفضل بدء المفاوضات في قضايا أخرى"، ثبت عدم صحته قبل أكثر من سبع سنوات. فقرار رئيس الوزراء إيهود باراك فصل مباحثات كل قضية عن ألأخرى كان أحد الأسباب في فشل قمة كامب ديفيد2. وحسب المعلومات التي طرحت حينذاك على طاولته، فأن مقابل مرونة إسرائيلية في موضوع القدس القديمة الحساس، كان الفلسطينيون على استعداد لإبداء مرونة في مواقفهم في قضية عودة اللاجئين الحساسة. وفي نهاية الأمر تفجرت المفاوضات بسبب دفع القدس إلى نهاية القائمة.
لنفرض أن تهديد شاس بتفكيك الحكومة يملي على أولمرت شروط المفاوضات حول الحل الدائم، وأن عباس سيضطر إلى تأجيل رضاه بشأن موضوع القدس. فما الذي يعرضه رئيس الحكومة على شركائه مقابل تنازلهم المؤلم عن ذلك؟ وكيف يعتزم تعزيز مكانة فتح التي تصارع حماس على قلب الجمهور الفلسطيني؟ هو يقول إن " من المفضل البدء في أمور أخرى". أي أمور؟ كم مرة ينبغي التعهد بتفكيك حواجز وإخلاء بؤر استيطانية عشوائية وتحرير آلاف الأسرى؟ لا، سكان سديروت ليسوا "ضحايا السلام" بل ضحايا المراوحة التعيسة في نفس المكان لحكومة فاقدة للطريق من أجل البقاء.
31/10/2010 - 11:02
"من يخدع أولمرت.."
-

التعليقات