"ألإحباط فيما بعد فشل غزة"

-

إختارت إسرائيل، بدل بلورة سياسة عقابية، عملية غزة، التي لم يبق لها من بعدها أدوات لمعاقبة حماس.

لا تقولوا إنكم تفاجأتم. إن الصراع على الكرامة، والردع، وعلى من يقول الكلمة الأخيرة ومن ينزف نقطة الدم الأخيرة لم ينته أبدا في ضربة واحدة. مثل حزب الله، بعد جولات سفك الدماء في التسعينيات، تجسّ المنظمات الفلسطينية الحالية مدى حدود الصبر الإسرائيلية، وعلى أثر عملية عسكرية أيضا. فمن جهتهم، لم ينته أي أمر طالما المعابر مغلقة ولم يتم الإعلان عن تهدئة. ولسبب ما، فهم أيضا لا يقرأون الصحف التي كتب فيها أن الردع الإسرائيلي قد تم ترميمه.

ليست المشكلة في تفعيل القوة، إنما في الإعتقاد بأن تفعيل قوة ما، مهما كانت عظمتها، سيغيّر الواقع. لقد توصّلت إسرائيل إلى "الرصاص المصبوب" لأنها لم تفلح على مدى سنين في بلورة سياسة عقابية محددة، وثابتة، ومعروفة لدى الطرف الآخر أيضا كما لدى مواطنيها.

بالمناسبة، فإن سياسة كهذه، يجب أن تكون قياسية، حيث أنه سيكون صعبا، بدون ذلك، تنفيذها لفترة طويلة. فلا يمكن أن نضرب بشاكوش كبير دونما توقّف – حيث أن هذا ليس ناجعا ويستنفذ طاقات أكثر من اللازم.

لكن إسرائيل لم تفعل هذا. بل إنها بدل ذلك، وباسم مفهوم مراكمة الشرعية في العالم وفي إسرائيل، أتاحت تدهور الوضع حتى إلى عملية (عسكرية) كبيرة، والتي دامت أكثر كثيرا مما كان لازما في ظل تحديد الغاية: "العقاب والردع". ألمشكلة أن عملية بهذا الحجم الكبير تتطلّب تجنيد قوى داخلية، من هنا جاء التوقّع بأن تغييرا جوهريا سيحصل فيما بعد العملية. ولأن ذلك لم يحصل، فقد بدأ الإحباط.

ستتصرّف حماس كما حزب الله

يتضخّم هذا الإحباط بسبب عدد من العوامل: شبه الإختيال الذي يسود الجمهور بأن جيش الدفاع الإسرائيلي قد "رمّم ذاته"، ألشعور بالإنتصار الذي لا يمت بصلة إلى مدى قوة الخصم الحقيقية وإلى ما حصل في الميدان، وكذلك إلى الرزنامة السياسية.

في حالة ما قبل الإنتخابات، وإذ رفع وزير الأمن قليلا من مكانته الجماهيرية لأنه قاد إلى الخطوة القتالية، وإذ ينتظر المرشح المتصدّر في الخارج ويبثّ صورة "كنت سأفعل هذا بشكل أفضل"، فإن كل أمر هو ذو حساسية وقابلية أكثر للإشتعال.

يمكن الإفتراض بأن هذه الحالة ستستمر حتى الإنتخابات على الأقل. حيث يتذكّر نتانياهو وبراك جيدا وابل الكاتيوشا لحزب الله، الذي سقط على الشمال عشية انتخابات العام 1999. لا تملك حماس القوة والرغبة في خطوة كهذه، لكنها ستفعل الأمر ذاته بشكل مصغّر. وستتحطم الرغبة الإسرائيلية لمعاقبتها (حماس) حتى ترعوي، على سور الوجع الذي خلقته (عملية) "الرصاص المصبوب": بافتراض أننا لن نقوم غدا لاحتلال غزة، ماذا يمكننا بعد أن نفعل بالفلسطينيين ما لم نفعله بعد؟

التعليقات