"ألرصاص والضائقة"

-

إنتهت عملية "الرصاص المصبوب" قبل شهرين بتطاوس قادة إسرائيل: لقد أصابت حماس ضربة قاصمة، ستردعها عن إطلاق الصواريخ، وإذا ما استمرت في محاولاتها تهريب السلاح إلى غزة، فإن المجتمع الدولي كله، من واشنطن وحتى القاهرة، سيتجند لضبط أدوات الحرب في الطريق وقبل وصولها. وقد تم عرض الثمن الذي دفعه المواطنون المدنيون في غزة، المئات من القتلى (إضافة إلى مئات المسلحين الذين انتموا إلى حماس وإلى منظمات تحارب إسرائيل)، على أنه نتيجة مؤسفة لكنها ضرورية لسياسة اعتماد إطلاق النار لحماية جنود جيش الدفاع الإسرائيلي.

ألآن، وإزاء الخيبة المتصاعدة من تبخّر الإنجازات المعلنة للعملية، فقد جاءت موجة ثانية من شهادات وكشوفات من داخل البيت، من أفواه الجنود الذين كانوا هناك، ورأوا الأحداث بل إنهم يحكون أحيانا عن أنفسهم. ويأتي عاموس هارئيل اليوم وغدا في "هآرتس" بتقرير يهزّ البدن عن نقاش أجراه الشهر الفائت خريجو الكلية ما قبل التجنّد للجيش في أورانيم، والذين شاركوا في القتال بغزة كمقاتلين وكضباط صغار. إنها صيغة حالية لـ "نقاش المقاتلين"، والتي تم نشرها في أعقاب حرب الأيام الستة والتي أبرزت التخبط النفسي لدى الجيل الذي اندفع إلى القتال من ساحة الإيمان بالحق، لكنه وجد نفسه ينساق في المعركة وبعدها أيضا إلى تصرفات تخالف القيم التي تفاخر بها. وتعكس شهادات جيل أحفاد المشاركين في ذاك النقاش، والحادّة في مصداقيتها، أن الوضع يثير قلقا حتى أكثر من العام 1967.

يحكي الجنود عن قتل مواطنين أبرياء لا ذنب لهم، وعن دمار عبثي، وعن طرد عائلات من بيوت استولى عليها الجيش مؤقتا، وعن لامبالاة فيما يتعلق بحياة الإنسان وعن ميل إلى البوهيمية. لم يأت هذا التصرف الفضائحي من سياسة القيادة العليا، لكنه نما على خلفية القطيعة بين المستويات من قادة الوحدات وما فوق وبين ما يحصل في الوحدات، وفي الأقسام وفي البيوت التي استولى عليها الجنود في انتظار استمرار المعارك، بعد أن تراجعت عناصر حماس واختفت في المنطقة المدنية كثيفة السكان. فعندما لم يبق أحد يقاتله الجنود، فقد حاربوا كل من تواجد.

لا تكفي التحقيقات الداخلية لجيش الدفاع، والتي تجري على نار هادئة. إنه الجيش ذاته الذي يتشبّع أكثر وأكثر بالتطرّف الديني، من مدرسة الحاخامية العسكرية. من المفضل أن يتم التحقيق في هذه الظاهرة بأدوات خارجية واستئصالها، كي لا تفكّك العفونة جيش الدفاع والمجتمع الإسرائيلي.

التعليقات