"أين اختفى الردع؟"..

-

يفيق سكان سديروت، شاعر هنيغف، أشكلون وحتى يفنه بقلوب منغصة. هل سيسمعون اليوم صافرة الإنذار "أللون الأحمر". هل سينفجر صاروخ بجوار بيوتهم؟ هذا الخوف هو المقياس لمدى قوة الردع التي حققها جيش الدفاع الإسرائيلي في عملية "ألرصاص المصبوب". وقد كانت الفكرة من وراء هذه المعركة هي تحقيق قوة ردع كافية مقابل حماس تقودها إلى وقف إطلاق الصواريخ والعمليات العدائية الأخرى. فهل حققنا هذا؟

حاليا نحن بعيدون عن ذلك. لكن بالإمكان استخلاص العبر الأولية. تقاس قوة الردع بطول الوقت الذي يسود الهدوء فيه. هل يدوم وقف النار وهل ستبدي حماس مرونة أكثر لتحقيق تسوية ولإطلاق سراح الجندي شاليط؟

ما هو الردع؟ ألردع يعني إقناع حماس بأن الثمن لعملية عدوانية تقوم بها سيكون أكبر كثيرا من الفائدة التي ستجنيها منها. وبأن مصلحتها (حماس) تضطرها إلى الإمتناع عن القيام بعملية. يمكن تحقيق الردع بواسطة منع وإحباط هجمات حماس. ويمكن تحقيقه بصورة هجومية بواسطة عقاب شديد.

يجب على إسرائيل أن تقنع حماس بأن لديها القدرة المناسبة وكذلك الإستعداد والتصميم على استعمالها. لذلك يجب المحافظة على قوة الردع وتعزيزها وتأكيد القدرة والتصميم بواسطة عمليات ردّ فعل أو إحباط – عندما تعلو الشكوك بأنها (قوة الردع) قد ضعفت وفقدت تأثيرها على الخصم.

منظمة مع دولة

يكاد أن يكون تحقيق قوة ردع كاملة أمرا مستحيلا لأسباب لا مجال لتفصيلها. وعليه يتوجب علينا أن نتبنى اصطلاحا آخر – ردع محدود. التحدي في ردع الإرهاب ينبع من كون الجهاز اللوجستي لدى المنظمات الإرهابية والعصابات يختلف كثيرا عنه لدى العالم الحر. وتشير استمرارية العمليات الإرهابية في معظم سنوات الدولة إلى أننا لم نتوصل إلى إيجاد المفتاح السحري لردع المنظمات الإرهابية ردعا تاما.

ليس منطقيا إدخال جميع المنظمات الإرهابية تحت مظلة ردع واحدة. فما يميز منظمة حماس أنها منظمة لها دولة. أي أن لها مناطق ومساحات ومواطنين يخضعون لسلطتها. ولها حدود وعلاقات مع دول أخرى. وهي تطمح لاعتراف دولي بها إلخ. ويمكننا الإفتراض بأنه كلما كبرت المنظمة الإرهابية، وأسست بنى تحتية، وكلما خزنت الوسائل القتالية، والإعلام والهرم التنظيمي، كلما أصبحت حساسة أكثر للردع.

لا يعتمد الردع الحديث ضد الإرهاب على القوة العسكرية فقط إنما يستعمل مركّبات أخرى مثل الحصار الإقتصادي، التهديد بتصعيب حياة المواطنين الذين يؤيدون الإرهاب، تهديد حياة القادة ومفعّلي الإرهاب، وتهديد مصالحهم السياسية والإقتصادية. حقيقة إن الردع الحديث هو عملية مركّبة. لكن إسرائيل لم تقل رأيها حول بلورة استراتيجية قومية بعيدة المدى والتي تمزج جميع قدراتها لأجل منع وإحباط ومعاقبة – أو باختصار لأجل ردع الإرهاب. لم نفعل هذا قبل الحرب، ولذا فإن من الصعب إدراك ما إذا كانت الخطة العملياتية قد تمحورت في تجديد وتعزيز قوة الردع.


مسألة وقت

هل تم تحقيق الردع؟ عندما نفكر بمفاهيم الردع المحدود يجدر السؤال إلى أي مدى تم تحقيق الردع. لقد تقلص إطلاق الصواريخ بشكل كبير. من عشرات الصواريخ يوميا إلى عدد قليل فقط. ولكن، ومع التحفظات، يمكن القول إن مقياس إطلاق الصواريخ يشير إلى تعزيز ما في قوة الردع، لكن كم من الوقت سيستمر هذا؟

إزاء ذلك، ما زال قادة حماس متصلبين في طلباتهم وفي إدارة المفاوضات لتحقيقها. فهم يطلبون فتح جميع المعابر دون قيود ودون تحديد الزمن. وهم غير مستعدين لشمل تحرير شاليط في تسوية وقف النار إلا إذا تمت تلبية جميع طلباتهم السابقة لتحريره. إذا كانت هنالك ليونة في مواقفهم فهي ثانوية وليست ذات أهمية. ستستكمل المفاوضات بوساطة مصر قريبا، جيدة كانت أم سيئة، وعندها سنكون أكثر حكمة.

ألعلاقة ما بين نهاية التفاوض – للسلب أو للإيجاب – وبين مستوى الردع واضحة. إذا انتهت بالإيجاب سيتوقف إطلاق الصواريخ. أما في حالة حصول أزمة فإن عدد الصواريخ التي ستسقط على بلداتنا سيزيد. وتؤكد العلاقة ما بين المقياسين على أن الردع ليس عسكريا فقط. ولكي نحققه يجب العمل في قنوات أخرى. قياس تعزّز قوة الردع هو أمر يتطلب نظرة إلى عامل الزمن. وعليه، فإن الجواب على السؤال هو جزئي ومؤقت. فيما لا تبشر التطورات في وتيرة إطلاق الصواريخ وفي طابع المفاوضات خيرا.

التعليقات