"السلطة والشهوات.."

-

المشكلة ليست سارة نتنياهو، بل زوجها بنيامين نتنياهو. هو ببساطة يحب الحياة الرغيدة، ولكنه لا يحب إدخال يده إلى جيبه. كثير من الصحافيين مر عليهم ذلك السيناريو حيث كان نتنياهو يدعوهم إلى المطعم، يستعرض آراءه وأفكاره وفي لحظة ما ينظر إلى الساعة ويقول بذهول: " تأخرت على المقابلة" ويقوم مغادرا دون أن يدفع، ويبقي ضيفه على الطاولة.

حينما ترأس الليكود ومن ثم الحكومة، تحول بخله إلى شهية لا حدود لها في الجري خلف الشهوات على حساب الجمهور، على حساب مؤيديه الأغنياء الذين استضافوه وأغدقوه بالهدايا. بعضهم كانوا يأتون إليه وبأيديهم علب كبيرة من سيجار "كوهايبا"- السيجار الكوبي الفاخر الذي أنتج خصيصا لكاسترو وثمنه باهظ جدا.

زوجة أحد رؤساء الحكومات، التي لن أذكرها هنا، والتي أحبت هي أيضا حياة الرغد، كشفت لي مرة أن أفضل ما في الحياة في المسكن الرسمي هو أن كل شيء على حساب الدولة، من الويسكي حتى الشمبانيا. إن ذلك بعيد جدا عن تلك الأيام والتي كانت فيها بولا بن غوريون ترسل شرطي الحراسة إلى الحانوت القريبة لشراء سمكة الرنجة من أجل زوجها.

حينما تلتقي معادلة "الدفع على حساب الآخرين" مع سياسي طماع، السماء هي الحد. في مسكن رئيس الوزراء البريطاني في شارع داونينغ 10 ثمة فصل تام بين مصروفات العائلة ومصروفات الضيافة الرسمية. فمفتاح خزانة المشروبات موجود مع عاملة المنزل. وإذا رغب رئيس الوزراء بتناول الشراب، يشرب من الويسكي الذي اشتراه بماله وليس من البار الرسمي.

في بداية عهد الدولة، وفي الفترة التي كان فيها قادة الأمة يلبسون بناطيل الخاكي القصيرة، كانت المتعة تنبع من القوة السياسية. بيغين وزوجته عليزا كانا يسافران من تل أبيب إلى القدس في الحافلات العمومية. وفي بداية ظهوره العلني بدا بيغين ببدلات بسيطة. إلعيزر ليفنا من "مباي" طرد من الحزب لأنه ابتاع منزلا في "كريات يوفال" كان بعين الحزب كـ "فيلا". وذلك "الخطأ" كلفه حياته السياسية.

بارل ريبطور من قدامى المباي والذي كان آخر من لبسوا بنطلون الخاكي، أوجد الاصطلاح الثاقب " غير مهم كم يكلف المهم أن يبدو بسيطا" .
ودافيد بن غوريون الذي لم يكن يحمل مالا في جيبه قرر ذات يوم أن يكون مثالا للتواضع وتنازل عن السيارة الأمريكية الرسمية وطلب بدلا منها سيارة بريطانية صغيرة ومتواضعة. وهذا الأمر ضاعف عمليا المصروفات حيث سافرت قبل وبعد سيارته سيارتان أمريكيتان يستقلهما الحراس.

يغآل آلون قائد "البلماخ" والذي كان يعتبر ممن لهم مستقبل واعد ، سكن في زياراته إلى نيويورك في فندق ياسم "آسكس-هاوس" والذي يبدو كنزل ريفي في صفد، إلا أنه كان عمليا من أغلى الفنادق في نيويورك، وبالذات الجناح الذي كان يقيم فيه.

ولدت فكرة منح الرؤساء السابقين مسكنا على حساب الدولة بالصدفة، حينما اتضح أن الرئيس الذ يانتهت ولايته، زلمان شازار، لا يملك منزلا خاصا. ومنذ ذلك الوقت منحت تلك المخصصات المالية لكافة الرؤساء الذين أتوا بعده بمن فيهم المتحرش الجنسي.
ذات مساء رأيت بالصدفة الرئيس السابق أفرايم كتسير الذي تنازل عن المخصصات الحكومية، يسير في جادة لاكسينغتون في نيويورك، يشتري من دكان صغير شطيرتين ويدخل مع الكيس الذي يحمله إلى فندق "ماتشوكماك"، والذي- سارة نتنياهو كانت سيغمى عليها إذا ما فكرت أنه يمكن الإقامة به.

مع مرور السنين تنامت شهية اتباع الشهوات لدى قادة الدولة وكبارها على طريقة "الشهية تأتي مع الأكل". وكدولة تعيش جزءا من حياتها على التسول، كانت العلاقة بين المال والسلطة مسألة وقت. فيما زادت الانتخابات التمهيدية في الأحزاب من شهية الأملاك الخاصة للسياسيين، ومن العلاقات الفاسدة والمفسدة المبنية على أساس أعطني أعطيك.

الادعاء أن المال جاء من الجاليات اليهودية في الخارج أو من أموال تبرعات كما جاء على لسان نتنياهو- ببساطة يثير الحنق. هذه أموال خصصت لإسرائيل، والتي نسبة الفقر فيها تتفاقم من سنة لأخرى. إلى أين تصل بلادة الإحساس لدى رئيس الليكود والذي معظم أعضاء حزبه يتقاضون في السنة ما دفعه في يوم واحد في لندن.

تبعية الشهوات لدى السياسيين والموظفين الكبار في الخدمات العامة وعلاقتهم مع أرباب المال هي طريق مفتوحة للفساد. ليس صدفة أنه يوجد موظفون حال إنهاء عملهم في الخدمات العامة يبدأون في إدارة مصالح بالملايين. الشراهة واتباع الشهوات اثنتان من الخطايا السبع التي تقربنا من قادة العالم الثالث.

التعليقات