"الفجوة بين المواقف وبين التصرفات"

-

كتب عوزي بنزيمان في صحيفة "هآرتس" أن وزراء معربدين طالبوا وزير الأمن باغتيال حسن نصر الله فورا، وكأنما عملية كهذه مرتبطة فقط برغبته.. إيهود أولمرت وإيهود باراك أكدا على قدرة حكومتهم في الضغط على سكان قطاع غزة وعلى قيادة القطاع لدفعها إلى رفع العلم الأبيض، وكأنما إسرائيل لا تتأثر من ردود الفعل في العالم: فما يسمى "استطلاع الوطنية"، الذي أعد استعدادا لعقد مؤتمر هرتسليا، أظهر جاهزية عالية عن المعدل في "الدفاع عن الوطن" لدى سكان الشمال وسكان المنطقة المحاذية لقطاع غزة، في حين أنه على أرض الواقع فإن القدرة على تحمل صليات الكاتيوشا والقسام لا تشير إلى طاقة تحمل عالية.

ويضيف أن الفجوة بين المواقف المصرح بها وبين الأداء الفعلي ينطبق على كافة شرائح المجتمع: ففي نهاية الحرب الأخيرة على لبنان تباهى رئيس الحكومة بأنه يتحرك بحرية في عواصم العالم، في حين أن زعيم حزب الله يضطر إلى الاختباء في بلاده، إلا أنه في الأسبوع الماضي أثبت نصر الله أنه قادر على الظهور أمام الملأ. وخلال الحرب أعلن رئيس الحكومة أنه يتحمل المسؤولية العليا عن مجرى الحرب ونتائجها، ويعلن اليوم أنه لا ينوي قبول الحكم على الإخفاقات. وأكد أولمرت وباراك، يوم أمس الأول، على تصميمهما على مواصلة التضييق على سكان قطاع غزة ردا على إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون على البلدات اليهودية المجاورة، وفي المساء أصدرا أمرا بتخفيف الحصار وإدخال السولار والوقود والأدوية.

ويتابع أنه يمكن الافتراض أن رئيس الحكومة ووزير الأمن قد توقعا منذ البداية أن إغلاق بوابات المعابر أمام البضائع الحيوية للقطاع سوف تثير الضغط الدولي باتجهاهم، وبالرغم من ذلك لم يرتدعا عن إثارة الإنطباع بأنهما مصممان على مواصلة ذلك إلى حين تتوقف حماس عن إطلاق الصواريخ، ولكن وبعد 12 ساعة فقط، تجددت الإمدادات إلى المنطقة المحاصرة. وحتى لو أخذ بالحسبان أن الظروف التي نشأت تعزز صحة اتخاذ القرار، كأنما ذلك محاولة لتحقيق هدوء فعلي بناء على بادرة حسن نية إسرائيلية أحادية الجانب، فإن ذلك لا يستوي مع الموقف المعلن الذي عرض توجها هجوميا أكثر.

"العنجهية الكلامية" الإسرائيلية ليس من سمات السياسيين فقط، وبهذا المعنى فهم يمثلون الجمهور كله. فـ75% من سكان الشمال وسكان البلدات المحيطة بقطاع غزة يصرحون بأنهم على استعداد للدفاع عن "الوطن"، في حين يقول 21% أنه على استعداد لذلك إلى حد معين، مقابل 69% من سكان المركز الذين يصرحون بأنهم على أتم الاستعداد، و 23% على استعداد إلى حد معين.

ويضيف أنه من الممكن تفسير جاهزية التضحية لدى سكان الأطراف بسبب تطور التضامن القوي خاصة كنتيجة للخطر الأمني الذي يعيشونه، ومن الممكن النظر إليها كرد فعل لإنكار الخوف (الذي تجلى في الهروب الجماعي)، ومن الممكن تصنيفها ضمن الصفة الإسرائيلية العامة: التظاهر..

ويضيف أن احتمال أن يكون هذا التفسير صحيحا لنتائج "استطلاع الوطنية" يتعزز عندما يذكر أن مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية، الذي نشره المعهد الإسرائيلي للديمقراطية قبل نصف سنة، قد تم التعبير عنه بواسطة الجاهزية المعلنة العالية للتجند خلال الحرب، مقابل جاهزية منخفضة لدفع ضرائب أكثر من أجل زيادة ميزانية الأمن. وخلافا للمواقف المعلنة، فإن الواقع يؤكد أن التهرب من الخدمة العسكرية في ارتفاع، ومن الوحدات القتالية بشكل خاص، كما أن الارتداع عن التضحية يتجلى في مطالبة الجمهور المدني للجيش بالامتناع عن عمليات تعرض حياة الجنود للخطر.

ويتابع أنه عندما تطلق إسرائيل قمرا صناعيا متطورا للتجسس إلى الفضاء، كما تطلق صاروخا بالستيا متطورا، فإنها تعطي لهذه الأحداث أن تتحدث من تلقاء ذاتها؛ فهي تشعر بمحدودية قوتها، وهذا الإحباط يدفعها إلى غاية العربدة. فالمجتمع بأسره، وبقيادته، يقع في تناقض بين مواقفه المعلنة وبين تصرفاته على أرض الواقع. وإحدى النتائج الخطيرة لهذا الوضع هي العروض العبثية والتقارير الكاذبة. وبحسبه فإن "هذه كانت ثقافة الأنظمة والمجتمعات العربية، وأنه من المقلق إلى أي مدى قد انتشرت هذه الأعراض لدينا"..

التعليقات