"الهروب من الواقع"..

-

ربما يكون الأمر مدعاة للاستغراب أن يفترض الكاتب الإسرائيلي يسرائيل برئيل فرضيات خاطئة، ولكن الأكثر مدعاة للاستغراب هو استغرابه من النتائج التي تلائم الواقع ولا تلائم الفرضيات التي يفترضها.

وبينما يقر الكاتب بفشل إسرائيل في الحرب على لبنان وعلى ما أسماه بـ"الإرهاب الفلسطيني"، فمن خلال استعراض عابر لآخر كتب الكاتب الإسرائيلي دافيد غروسمان، كتب برئيل في صحيفة "هآرتس" ما مفاده أن إسرائيل قد حققت نصرا ساحقا في حرب تشرين 1973، ويبدي استغرابه من الحالة النفسية المحبطة في إسرائيل مقابل احتفال المصريين والسوريين بنتائج الحرب. وهو في ذلك يلقي باللائمة على عدد من الكتاب الإسرائيليين الذين يصفهم بأنه ينقصهم الفهم التاريخي والقدرة على المقارنة والإحساس بالنسبية.

ومع حلول الذكرى الـ 35 لحرب 1973، الأسبوع القادم، يكتب أن إسرائيل قد فوجئت في هذه الحرب في الشمال والجنوب، وتعرض السكان إلى خطر وجودي انتهت بعد 16 يوما بـ"انتصار عسكري كبير" على حد قوله.

إلا أنه وبالرغم من "الانتصار" الذي يدعيه، والذي يصفه بأنه "ربما الأكبر في تاريخ إسرائيل"، فإن الوضع النفسي منذ ذلك الحين وحتى اليوم يحمل الاستغراب والتشكك: ففي بعض الأوساط في الجمهور وبسبب علامات الاستفهام تتآكل شرعية المشروع الصهيوني، وبشأن قدرته على إقامة دولة يهودية. وهذه الشكوك تؤثر على القابضين على مقود السلطة وقيادة الجيش. وهم يظهرون التردد وعدم الثقة بالنفس في كل ممارسة سلطوية، ولذلك فليس صدفة أننا خسرنا في الحرب على لبنان وفي الحرب على الإرهاب الفلسطيني" على حد تعبيره.

ويتابع أنه "كان يفترض أن يكون السوريون والمصريون في حالة من الإحباط والضياع كنتيجة للحرب عام 1973، إلا أنه في نهاية أكتوبر من ذلك العام تبين أن هناك شيئا غريبا يحصل لم يسبق له مثيل في تاريخ الحروب، فالشعب المنتصر أصيب بصدمة الحرب ودخل في حالة عصبية منذ ذلك الحين وحتى اليوم، في حين أن الشعوب المهزومة تحتفل منذ ذلك الحين وحتى اليوم بانتصار أكتوبر".

ويواصل برئيل استغرابه من آثار الحرب حيث يكتب أنه "منذ الحرب يرافقنا في كل عشية لـ"يوم الغفران" عملية جلد الذات. وتصبح المعارك البطولية إخفاقات أمام النقاد، في حين يقود الكتاب الذين ينقصهم الفهم التاريخي والقدرة على المقارنة والإحساس بالنسبية حملات متواصلة يعرض فيها النصر هزيمة. في حين أن القائدة (الإشارة إلى غولدا مئير) التي تبين أنها شجاعة في أشد اللحظات قسوة ومرارة تصبح الشخصية الأكثر مهانة في تاريخ الدولة في الوقت الذي كان فيه وزير الأمن يتنبأ بدمار الهيكل الثالث (الإشارة إلى موشي ديان)".

ويأتي نقاش برئيل في إطار عرضه لآخر إصدارات دافيد غروسمان "امرأة تهرب من نذر الشر"، والذي بحسبه يلعب الدور الرجولي المركزي فيها مريض مصاب بصدمة الحرب، في حين تمثل بطلة القصة الأم الإسرائيلية الحالية التي تتهرب من إمكانية مواجهة الأخبار المريعة.

ويضيف برئيل أن الكاتب غروسمان يدفع القارئ من خلال القصة إلى التماثل مع البطلة الهاربة، على اعتبار أن هذا هو المصير المتوقع للإسرائيليين هنا، وأنه من الأفضل الهروب منه بدلا من مواجهته.

التعليقات