انطلاق عدوان "الرصاص المصبوب": السرية والخدعة

.

انطلاق عدوان
تخطيطات طويلة، جمع معلومات مفصّل، نقاشات سرية وخدعة إعلامية- كل هذه العمليات وقفت من وراء حملة "الرصاص المصبوب" للاعتداء على أهداف حماس في قطاع غزة، والذي بدأ أمس السبت. وأكّدت المصادر الأمنية أن وزير الدفاع إيهود براك أمر الجيش بتحضير هذه العملية منذ سنة أشهر في فترة الإعداد للتهدئة في قطاع غزة.

ادعى براك في حينه أنه رغم أن التهدئة ستسمح لحماس أن تنظّم نفسها فإنها ستعطي الزمن الكافي لإسرائيل لتنظّم نفسها عسكريًا. وّجه براك عملية جمع واسعة للمعلومات الاستخباراتية، والذي حدّدت خلاله كل البنى التحتية الأمنية لحركة حماس وباقي الفصائل في القطاع: القواعد العسكرية الثابتة، مخازن السلاح، المعسكرات التدريبية، بيوت المسؤولين وأهداف أخرى عديدة.

في الوقت ذاته، سرّعت إسرائيل عملية حماية البلدات في محيط قطاع غزة بمتابعة نائب وزير الدفاع متان فلنائي، فبعد نقاش حاد مع وزارة المالية، وافقت الحكومة على ميزانية إضافية بقيمة 600 مليون شيكل لحماية البلدات. كما حضّر الطاقم القومي الإعلامي ووزارة الخارجية الإسرائيلية كلّ وسائل الإعلام الإسرائيلية من أجل ضمان استجابة إعلامية سريعة مع الأحداث، وتمّ تجهيز تدريب طوارئ لكل الناطقين الرسميين في الوزارات والأجهزة الأمنية.

تحوّلت الحملة العسكرية التي كانت جاهزة منذ أشهر ك"برنامج جرور" إلى برنامج عملاني تنفيذي جوهري قبل شهر، في أعقاب التوتر الذي نتج بعد حملة هدم الأنفاق في القطاع.
قرّرت إسرائيل، بعد إطلاق عشرات الصواريخ في 14.11، أن تحضر الحملة للموافقة الحكومية النهائية. وفي يوم الخميس الماضي 18.12، التقى رئيس الوزراء إيهود أولمرت ووزير الدفاع في "الكرياه"، وصادقوا نهائيًا على برنامج الحملة، ولكنهم قرروا الانتظار لمعرفة إذا كانت حماس ستوقف إطلاق الصواريخ قبل إحضار الحملة لمصادقة المطبخ السياسي الأمني، وبعدها تمّ إبلاغ وزيرة الخارجية تسيبي ليفني بالمستجدات.

في ذلك المساء لمّح مكتب رئيس الحكومة حول هذا القرار من خلال التصريح "إذا استمر إطلاق الصواريخ ستكون المواجهة مع حماس حتمية"، وفي نهاية الأسبوع ذاتها استمر إطلاق الصواريخ على قطاع غزة وهاجم عدد من الوزراء أولمرت وبراك على عدم الفعل الإسرائيلي، فأجابهم براك في اجتماع الحكومة في 21.12 متهمًا الوزراء بأن نقدهم قد يضرّ بقدرة إسرائيل أن تنجح في حملتها "مع هذه الثرثرة لا يمكننا أن نقوم بحرب الأيام الستة أو أنطيبة"، قال ملمّحًا لطابع العملية العسكرية.

اجتمع المطبخ السياسي الأمني، يوم الأربعاء الماضي، وقد بدأ مكتب رئيس الحكومة قبل هذه الاجتماع بيوم بإرسال رسائل مضللة للإعلام وأعلنت أن النقاش سيتمحور حول الجهاد العالمي. وفقط في هذه الصباح أبلغ الوزراء بأن النقاش سيتمحور حول غزة، لكن في البيان الذي نشر في نهاية النقاش كتب سطر واحد فقط عن غزة مقابل صفحة كاملة حول إخراج 35 منظمة إسلامية عن القانون.

ناقش الاجتماع لمدة خمس ساعات تقريبًا الوضع في غزة وعرضت كل البرامج الحملانية التنفيذية "كان النقاش تفصيليًا جدًا"، يقول أحد الوزراء "كان واضحًا للجميع لأي فترة نحن مقبلون ولأي أحداث يمكن أن تتطور الأمر، لا يستطيع أي شخص أن يقول أنه لم يعلم على أي قرار صوّت، واضح أن استنتاجات لجنة فينوجراد ذوّتت جيدّا ولا أحد يريد أن يعود لحرب لبنان الثانية"، صوّت كل الوزراء بالإجماع على الحملة، ووّكلوا رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزيرة الخارجية لاختيار موعد تنفيذ القرار النهائي حول موعد تنفيذ الحملة.

استمرت الاستعدادات للحملة في مكتب وزير الدفاع، وعقد رئيس الوزراء جلسات عمل مع القيادات الأمنية، في المقابل زارت ليفني القاهرة لتمرير رسالة إلى القاهرة لتمرير رسالة لمصر أن إسرائيل قررت القيام بحملة عسكرية في غزة. في المقابل استمرت جهود التضليل عندما أعلن وزير الدفاع علنًا فتح المعابر والسماح لدخول المساعدات لغزة وعندما أعلن مكتب رئيس الحكومة للإعلام أن أولمرت سيعقد ثلاثة اجتماعات يوم الأحد قبل بداية الحملة.

"أخلت حماس مقارها بعد اجتماع الطاقم السياسي الأمني، لكن بعد سماع تأجيل الاجتماعات ليوم الأحد أعاد الجميع" صرّح مصدر أمني إسرائيلي. في يوم الجمعة صباحًا عقد براك اجتماعات أخيرة مع قائد هيئة أركان الجيش ورئيس الشاباك وبعدها بساعات اجتمع مع أولمرت وليفني وأعطوا حينها "الضوء الأخضر" النهائي للحملة. مساء السبت وصباح الأحد أبلغ أيضًا زعيم العارضة بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان وحاييم أورون (ميرتس) والرئيس الإسرائيلي بيرتس ورئيسة الكنيست داليا إيتسيك.

التعليقات