"تحكيم بشأن بحيرة طبرية الآن"..

كانت نتائج جميع المحادثات والاتصالات والرسائل والثرثرة بين إسرائيل وسورية صفرا. لقد توالى ستة رؤساء حكومة في إسرائيل منذ مؤتمر مدريد، الذي فتح المسار السوري. وقد وصل المعتدلون يتسحاك رابين وايهود براك وايهود اولمرت، كما المتشددين يتسحاك شمير وبنيامين نتنياهو واريئيل شارون إلى الطريق المسدود ذاته. ما زالت إسرائيل مسيطرة على هضبة الجولان، ويحترم الطرفان بدقة اتفاق فصل القوات من العام 1974 ويحافظان على هدوء الحدود، حتى عندما يتحاربان على جبهات أخرى. ( يعتبر نتنياهو من المتشددين الرافضين برغم أنه أجرى مفاوضات حول انسحاب من الجولان، لأن محادثاته مع حافظ الأسد كانت سريّة، وتم إخفاؤها عن الجمهور، وكشف النقاب عنها بعد سقوطه عن سدّة الحكم. وإذ كان نتنياهو رئيسا للحكومة، فقد عكست تصريحاته المعلنة معارضة لمباحثات حول تسوية سلام مع سورية).

عندما نزيل القرصات والغمزات والتصريحات التي يمكن تأويلها إلى وجهين، يتكشّف الحاجز ذاته الذي لا يمكن عبوره . إسرائيل ترفض الانسحاب إلى شاطئ بحيرة طبرية، وترفض سورية لقاء مباشرا بين القادة. ويوحي كل طرف أنه إذا ما تنازل الطرف الآخر، فإن التسوية مضمونة. لكن الإسرائيليين كما السوريين يرتدعون عن أن يكونوا الأوائل. حيث تحبّذ القيادتان في سورية وإسرائيل استمرار حالة الحرب على ما قد يبدو تنازلات تمس بالكرامة الوطنية. ويخشى كل طرف، أنه إذا تنازل فإن الطرف الآخر سيخدعه. حتى الزعماء الذين نادوا إلى تسوية مع سورية على اعتبار أنها مصلحة إسرائيلية، كإيهود أولمرت، لم يملكوا أن يتحرّروا من هذا الشرك.

من جهة إسرائيل، فإن الإصرار على التمسّك بقطاع ضيّق على شاطئ البحيرة هو ليس لأسباب أمنية، إنما رمزية. ليس ممكنا الدفاع بالقوة عن مساحة عرضها عشرة أو مئات الأمتار. لكن إسرائيل تزعم أن سورية تحاول أن تثبّت احتلالها لأرض لم تكن أبدا تحت سيطرتها لكنها استولت عليها قبل حرب "الأيام الستة". وتعترف إسرائيل، كسابقة ملزمة، بالحدود الدولية فقط والتي كانت قائمة في العام 1923 بين بريطانيا وفرنسا اللتين حكمتا سورية وأرض إسرائيل.

بحسب التوجّه الإسرائيلي، ليس هنالك أي حق لسورية على الأرض التي احتلتها غربي الحدود الدولية، ولا حق لها، بالتأكيد، على الشاطئ الشمالي الشرقي للبحيرة، الذي كان تحت السيادة الإسرائيلية.

يضع الحقوقيون السوريون ادّعاء مضادّا. وهم يؤسسون على قرارات الأمم المتحدة التي شكّلت أساسا للعملية السلمية ولا تتطرّق إلى الحدود الماضية، إنما للوضع الذي كان قائما قبل حرب "الأيام الستة". أعيدوا ما أخذتم، يقول السوريون.

من المحقّ؟ وأية أسبقية تلزم أكثر – الحدود الدولية المعترف بها لدى القوى الدولية الغابرة، أم قرارات مجلس الأمن؟ إن الوسيلة للخروج من الطريق المسدود هي بالتوجه إلى تحكيم دولي، للبت في مكان مرور الحدّ. لقد تمترس كل طرف حتى اليوم على مواقفه، ولم يتم بحث جدّي في إمكانية التوجّه إلى طرف ثالث. لكن، وبسبب الثمن السياسي المتمثّل بالتنازل – فإن من الصعب تصديق أن أيا من الطرفين سيتمكن من إقناع الآخر.

إنه الوقت لتجريب طريق آخر، وبدل إضاعة الوقت على السجالات العقيمة مع سورية، فإن بإمكان إسرائيل أن تقترح التحكيم. حيث سيستمر البحث سنوات يمكن خلالها التقدم في بنود أخرى للاتفاقية و "لفحص مصداقية السوريين". ستبدو إسرائيل كدولة تحترم القانون الدولي، وستحقّق نقاطا مهمة إعلاميا. فيما سيعرض رفض سوري بذريعة "التمسّك بالحقوق" بشار الأسد على أنه رافض للسلام فيما إسرائيل على حق.

هنالك سابقة ناجحة للتحكيم حصلت في عملية السلام بين مصر وإسرائيل، التي حوّل فيها الطرفان قضية طابا إلى حسم دولي. وكان القرار لصالح إسرائيل: مقابل التنازل عن طابا، التي لم تكن يوما إسرائيلية، حصلت إسرائيل على زيادة في المساحة في مركز النقب كما حسّنت الحدّ البحري قرب إيلات، والأهم، أن الخلاف على "النقطة الأخيرة للحدود" لم تعرقل توقيع الاتفاق وتنفيذه.

بعد 17 عاما من المباحثات الفارغة، حان الوقت لمحاولة اعتماد توجّه مختلف في المسار السوري والبحث عن مخرج للخلاف على مناطق النفوذ. حيث أن الأمل بالنجاح متعلق بإرادات الطرفين السياسية لتحقيق التسوية.

التعليقات