"ديمقراطية مهانة"..

-

لا يعرف مواطنو إسرائيل بعد من هو الفائز في الإنتخابات التي جرت الأسبوع الفائت، ولا من سيؤلّف الحكومة القادمة. لكن نتيجة واحدة للإنتخابات باتت واضحة: إن أفيغدور ليبرمان يحاول أن يملي كيف يكون طابع نظام الحكم في إسرائيل وتركيبته. هذا ما بدا من الطلبات التي عرضها على ليكود وكاديما كشرط لقبول مشاركة إسرائيل بيتنا في الإئتلاف الحكومي، وهذا ما بدا من ظهوره أمس في بيت رئيس الدولة والذي أوضح فيه رغبته بحكومة واسعة برئاسة بنيامين نتنياهو.


تسجّل الديمقراطية الإسرائيلية في كل يوم ذروة جديدة من المهانة. فالأحزاب الكبيرة التي لم تفلح في الحصول على ثقة واسعة من الجمهور، تطلب ودّ أحد السياسيين الذي أدار حملة انتخابية عنصرية ضد المواطنين العرب، بالإضافة إلى كونه متهما بمخالفات جنائية فظيعة، كما أنها تتيح له أن يحدّد من يقف على رأس الحكومة وكيف تكون تركيبتها.


يتبارى بنيامين نتنياهو وتسيبي ليفني على منح شرعية جماهيرية لحزب إسرائيل بيتنا ولحملة كراهيته، في مقابل أن يحظيا بتأييد ليبرمان السياسي. فقد وعد ليكود بـ "فحص إجراء إصلاحات أخرى على قانون المواطنة"، وذلك لتحقيق الشعار الإنتخابي لليبرمان " لا مواطنة بدون ولاء". وبرغم أن ليكود يضع تحفظا على موقفه بأن تتوافق هذه الإصلاحات في القانون مع " سياقات قانونية دولية وتشريعية"، إلا أنه يتفاخر بنفس الروح بأنه كان المبادر إلى سنّ قانون لسحب المواطنة بما يتلاءم مع مواقف ليبرمان. أما كاديما فقد اكتفى بالطلب من كل شاب " الخدمة العسكرية، القومية أو المدنية"، ولم يقترح تغيير قانون المواطنة، لكن ليفني تباهت بعلاقاتها القريبة إلى ليبرمان وبتعارفهما منذ سنين طويلة واعتبرته سياسيا شرعيا وشريكا مرحّبا فيه في ائتلاف مستقبلي بقيادتها.

من غير الممكن إعفاء مواقف ليفني ونتنياهو باعتبارها تعبيرا متّبعا في الكلبية السياسية، وكذلك عدم الإدعاء بأن ليبرمان شغل منصب وزير في حكومات أريئيل شارون وإيهود أولمرت ما يجعله شرعيا الآن أيضا. علما أن حملة ليبرمان الإنتخابية العنصرية في المعركة الإنتخابية الأخيرة وفظاعة التهم الجنائية ضده تخرجه من إطار الشراكة الشرعية لقيادة الدولة. غير أن المدّعيين الإثنين لرئاسة الحكومة يحاولان تجاهل هذا ويبديان ضعفا قياديا وإفلاسا مبدئيا. ففي نظر ليفني ونتنياهو فإن الـ 15 مقعدا لإسرائيل بيتنا هي أهم كثيرا من صورة إسرائيل الأخلاقية ومن تحقيق قيم المساواة المدوّنة في وثيقة الإستقلال.

ما زال الوقت ليس متأخرا كي نرعوي. فبالإمكان تشكيل ائتلاف حكومي بدون إسرائيل بيتنا، بحيث يعكس للمواطنين في إسرائيل وللمجتمعات الدولية رسالة واضحة، أن هذه (العنصرية) لا تمرّ عندنا. وأن حزب الكراهية، ومواقفه وزعيمه يجب أن يظلّوا خارج الحكومة. وأنه يجب كبح الليبرمانية الآن، وقبل أن تقوى أكثر.

على رئيس الدولة الآن واجب إيقاف المهانة والعمل على تشكيل حكومة بدون ليبرمان. وقد قال شمعون بيرس إنه سيأخذ بعين الإعتبار لدى اتخاذه القرار على من سيلقي مهمة تشكيل الحكومة "سياسة إسرائيل" أيضا. وهي فرصة لكبير السياسيين الإسرائيليين وحائز جائزة نوبل للسلام لأن يبدي شجاعة سياسية بأن يشترط تشكيل الحكومة القادمة بالمحافظة على صورة الديمقراطية الإسرائيلية أيضا.

التعليقات