فصل المقال: الحراك الأمريكي في المنطقة وفرص السلم والحرب

-

فصل المقال: الحراك الأمريكي في  المنطقة وفرص السلم والحرب
تشهد منطقة الشرق الوسط في الأسبوع الأخير تحركات مكثفة لمسؤولين أمريكيين بهدف تحقيق تقدم في مسارات التسوية بين سوريا وفلسطين ولبنان واسرائيل.

فبالاضافة الى جولات ميتشل المكوكية بين تل أبيب ورام الله ودمشق والقاهرة، قام وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس بجولة مشابهة شملت ايضًا الاردن والعراق ومصر والبحرين، وفيما اتسمت زيارة ميتشل بطابعها السياسي، غلب الطابع الأمني على زيارة روبرت غيتس وجيمس جونز مستشار الأمن القومي الأمريكي.

وتفيد المصادر الصحفية أن ميتشل حقق تقدمًا في إقناع الأطراف لمواصلة المفاوضات من أجل التوصل الى حلٍ شامل في مدة أقصاها سنة ونصف.

وكان ميتشيل قد طالب الفلسطينيين بمزيد من اليقظة الأمنية والتضييق على من وصفهم بـ"المجموعات الإرهابية" بهدف تطمين إسرائيل، فيما طالب إسرائيل بمواصلة التسهيلات التي باشرتها مؤخرًا على حركة الفلسطينيين في الضفة الغربية.

من جهة أخرى طالب ميتشيل الدول العربية بالمسارعة لاتخاذ إجراءات تطمينية لإسرائيل والقيام بمبادرات جديدة لتسريع التطبيع معها، وذلك مقابل ان تتوقف إسرائيل عن بناء المستوطنات الجديدة.

وكان نتانياهو وعد ميتشيل بالتوقف عن توسيع المستوطنات لمدة ثلاثة أشهر، والاستمرار فقط في عمليات البناء القائمة والتي تشير التقارير الإسرائيلية إلى أنها تصل الى 2500 وحدة سكنية قيد الإنشاء.

على صعيدٍ آخر صرّح روبرت غيتس في أعقاب لقائه مع باراك وزير الحرب الاسرائيلي، أن الادارة الأمريكية ستعمل على تشديد العقوبات المفروضة على إيران اذا لم تستجب للمطالب الأمريكية بوقف مشروعها النووي، وأضاف غيتس ان المفاوضات مع ايران محدودة بسقف زمني هو نهاية شهر ايلول القادم، أي موعد انعقاد الاجتماع السنوي لهيئة الأمم المتحدة.

وكان ايهود براك قد أعلن في اللقاء المذكور ان اسرائيل ستدافع عن نفسها حتى لو لم تحصل على مساعدات من أحد، وهدد براك بتدمير البرنامج النووي الايراني اذا لم تستطع الولايات المتحدة وقفه بالطرق السلمية والمفاوضات.

وعلى صعيد ذي صلة واصلت اسرائيل هذا الأسبوع تحريضها ضد حزب الله متهمة إياه بخرق الاتفاقات الدولية وتصعيد حدة التوتر على الحدود الشمالية، وذلك من خلال الفعاليات والمظاهرات التي قام بها ناشطون لبنانيون في مزارع شبعا واختراق ما يسمى بـ"الحدود الدولية". هذا بالاضافة الى تصريحات السيد حسن نصر الله بشأن تدمير أي قوة من الجيش الاسرائيلي تطأ أرضًا لبنانية، وأن الضاحية الجنوبية مقابل تل أبيب وليس بيروت مقابل تل أبيب كما في المرة السابقة.

من جانب آخر تفيد التقارير الواردة من دمشق أن أجواء إيجابية سادت لقاء ميتشيل مع الرئيس السوري بشار الأسد.

وكانت دمشق قد وافقت قبل أيام من هذه الزيارة على إعادة إحياء الوساطة التركية بينها وبين إسرائيل والتي كانت قد توقفت اثناء العدوان على غزة في بداية العام الحالي.
وفي تطور لاحق صرّح سفير سوريا في واشنطن، أن الولايات المتحدة قررت رفع العقوبات عن دمشق في معظم المجالات الحيوية.

وأضاف السفير السوري ان إدارة الرئيس أوباما ماضية في رفع العقوبات الى حين تفريغ قانون العقوبات من مضمونه.

وتفيد مصادر امريكية رفيعة المستوى أن إدارة أوباما تعمل على إجراء تقدم في جميع مسارات التسوية حتى التوصل إلى حل شامل بين كل البلدان العربية وإسرائيل، وفي هذا السياق كان أوباما أجرى اتصالات مع عشر دول عربية طالبها بالتقدم على مسار التطبيع مع إسرائيل في إطار إبداء حسن النوايا.

من اللافت أنه إلى جانب التحرك السياسي النشط للمسؤولين الأمريكيين في منطقة الشرق الأوسط هناك تحرك أمني نشط أيضًا يقوم به وزير الدفاع ومستشار الأمن القومي الأمريكيان، وذلك انسجامًا مع تصريحات أوباما المتتابعة بشأن حل سياسي شامل مقابل معالجة الملف النووي الإيراني، مع التلويح بعدم استبعاد الخيار العسكري إذا لم ترضخ إيران للشروط الأمريكية.

ويرى المراقبون أن محاولات التدخل الأمريكي في أزمة الانتخابات الإيرانية لم تستطع تحقيق اية انجازات تُذكر من شأنها التأثير على السياسة الخارجية الايرانية باتجاه وقف المشروع النووي الايراني.

من جهتها ردت ايران على التهديدات الاسرائيلية التي أطلقها باراك هذا الأسبوع بأنّ الصواريخ الإيرانية باستطاعتها إصابة الأهداف الإسرائيلية بدقة متناهية بما في ذلك المنشآت النووية الاسرائيلية ذاتها.

وتفيد مصادر صحفية أن زيارة غيتس المفاجئة للعراق يوم الثلاثاء الماضي، تأتي في إطار الترتيبات الأمنية الشاملة لمنطقة الخليج بما في ذلك تلك المتعلقة بالملف الايراني.

رسائل أوباما إلى الحكام العرب بشأن اتخاذ خطوات عملية للتطبيع مع إسرائيل هي إعلان رسمي بأنّ مرحلة التطبيع الرسمي بين النظام العربي وإسرائيل قد بدأت بالفعل، وأنها ستأخذ منذ اللحظة طابعًا علنيًا، قد تتفاوت حدته بين دولة وأخرى، إلا أنّ ما لا شك فيه هو ذاك التهافت العربي الكبير والمتواتر على التطبيع مع إسرائيل إرضاءً لرغبة السيد الأمريكي.

ويعرف الحكام العرب أن التطبيع ليس ثمنًا يدفعونه مقابل تنازل إسرائيل عن احتلالها للأراضي العربية، لا بل أنه أصبح يشكّل هدفًا بالنسبة لهم من أجل الحفاظ على مصالحهم ومصالح أنظمتهم المهترئة التي تتناقض بالطبع مع مصالح شعوبهم.

المؤسف أنّ الحالة العربية الرديئة هذه، المتسمة باللهاث وراء سراب الحلول الأمريكية، لا يستثنى منها أي نظام عربي، حتى تلك الأنظمة الداعمة للمقاومة والحاضنة لها.
والخطير في الأمر أنّ المبادرة العربية التي شكلّت حتى الآن حدًا أدنى للتفاوض والمناورة السياسية يتم بشكلٍ علني التراجع عنها وفقًا للمطلب الأمريكي.

كل ذلك يحصل في ظل مؤامرة شرسة على الجمهورية الاسلامية في إيران، قد لا تنحصر حدودها في فرض مزيدٍ من العقوبات السياسية والاقتصادية، بل من المرجّح ان تتطور الى ضربة عسكرية حتى قبل نهاية العام الحالي.

هذا المخطط الأمريكي الإمبريالي الشمولي لمنطقة الشرق الأوسط تشوبه حسابات خاطئة أساسية هي عدم أخذها بالاعتبار موقف شعوب المنطقة وردود فعلها، وهذه الحسابات الخاطئة لطالما كانت سببًا رئيسيًا في فشل المخططات الاستعمارية أو عرقلتها على الأقل، حيث في هذا الزمن الرديء والنفق المعتم هناك أكثر من بصيص أمل، هناك ثقافة المقاومة التي ترسخت في إفشال العدوان الإسرائيلي على غزة وقبله على لبنان، حيث تحل الذكرى السنوية الثالثة هذه الأيام لأهم نصر تاريخي تحققه جهة عربية على إسرائيل. وكما يبدو أنّ هذا المشروع المقاوِم لن توقفه المؤامرات مهما تصاعدت وتيرتها.

التعليقات