كيف الخروج أخيرا من غزة

كيف الخروج أخيرا من غزة
لنترك لبرهة، برغم صعوبة الأمر، الناحية الأخلاقية في تفجير أحياء سكنية. إذ يمكن تأجيل إجراء الحساب السياسي مع أحزاب الإئتلاف الحكومي الذين صوتوا بالإجماع مع قرار الهجوم، ومع المعارضة التي أيدتهم، إلى العاشر من شباط/ فبراير. لقد أثبت إيهود أولمرت وتسيبي ليفني وإيهود براك أنّهم ليسوا مسخرة لأحد. حتى حاييم أورون أثبت أن ميرتس ليست حزبا نباتيا. فماذا الآن؟ كم فلسطينيا وكم إسرائيليا يجب أن يموتوا كي يتوقف إطلاق النار ويوقعوا على التهدئة رقم 2؟
حذر الجنرال أوري ساغي في مقابلة مع صحيفة هآرتس في الأسبوع الأول لحرب لبنان الثانية من وهم الحسم الجوي، من مدرسة الطيار دان حالوتس. وقد تنبأ ساغي حينها بعثرة على شاكلة قانا في عملية "عناقيد الغضب" العام 1996.
وحذر من كان رئيس المخابرات العسكرية، في يوليو/تموز 2006، من أنه "بعد بضعة أيام سينسى العالم أن كل شيء بدأ بهجوم حزب الله واختطاف جنود إسرائيليين. وأن الذي سيبقى في الأذهان العامة هو أن إسرائيل تهاجم مواطنين في دولة جارتها". وبالفعل، فإن كارثة قانا 2006 جلبت ضغطا دوليا شديدا على إسرائيل ما عرقل سير الحرب أكثر.
إن الكثافة السكانية الكبيرة في قطاع غزة لا تتيح على مدى الوقت "عملية جراحية" وإصابات قليلة بين السكان. فالمناظر الصعبة من هناك ستنسي إطلاق القسامات، فيما ميزان الخسائر، ألذي يعمل لصالح الفلسطينيين، سيعيد إسرائيل إلى وظيفة جوليات. ألصور غير المراقبة التي تبثها "الجزيرة" إلى مئات ملايين البيوت العربية لا تبشر بالخير للرئيس حسني مبارك، الذي تصوّر قبل قليل بمعية ليفني. تكفي قانا واحدة في غزة كي تحتشد جماهير اللاجئين على بوابات رفح ويلغوا المعاهدة غير المكتوبة مع مصر ضدّ حماس. لتحويل الحمل إلى مصر تداعيات بعيدة المدى لا تخدم مصالح إسرائيل.
كان ساغي الوحيد من بين الجنرالات – المحللين الذي تحفّظ على اجتياح بري للبنان. واقترح بدل ذلك، السعي سريعا إلى "خروج دبلوماسي"، يكون مقرونا بتسويات بعيدة المدى، ومن المفضل مع سوريا. وساغي هو اليوم في طاقم المستشارين الكبار لدى رئيس الأركان، غابي أشكنازي، لكنه صامت لا يتكلم. لكن، كما هو معروف، فإنه في النقاشات السرية اقترح للمستوى السياسي الإحتفاظ بفكرة الإجتياح البري لقطاع غزة ونسيان مخطط لفني "إسقاط نظام حماس". إذا لم يستطع ردعهم، فسينتهي الأمر إلى مأساة.
كان بالإمكان التوقع، بأن يدرك أعضاء الحكومة الذين اكتووا بحرب لبنان، أن الطائرات وحتى الدبابات الإسرائيلية لا يمكنها أن تغيّر نظاما عربيا. الوسيلة الوحيدة لإخراج حماس من غزة هي إدخال جيش الدفاع إلى هناك، مع حكم عسكري وإدارة مدنية. ما يعني التنصّل من الإنفصال (عن غزة ). حيث أنه يجب على أحد ما أن يتحمل مسؤولية مصير مليون ونصف من بني البشر. هنالك شك في أن السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس ترغب في الإستيلاء على غزة ما سيصبغها بوصمة التعاون مع إسرائيل. وحتى لو أنها فعلت ذلك، فهنالك شك في قدرتها منع إطلاق القسامات على إسرائيل. في المقابل، فإن مكانة أبو مازن ستتعزّز إذا كان هو الوسيط للتوصل إلى التهدئة التالية.
ليس هذا فقط، حيث أن احتلال غزة دون تقليص الإحتلال الإسرائيلي في بقية المناطق وانفراج في العملية السياسية من المتوقع أن يمس بمكانة عباس المهزوزة وبجهوده ضعضعة مكانة حماس في الضفة الغربية. ليس غريبا أن الملك الأردني عبدالله يخشى انزلاق المنظمة إلى الناحية الأخرى للأردن. حيث أن الملك يبعث إشارات استغاثة إلى الولايات المتحدة، وقد تم تحديد لقاء له مع براك أوباما في فبراير/شباط. ربما يكون هنالك ربح هامشي من الحرب في الجنوب أن حكومة إسرائيل المنتهية ولايتها استطاعت أن تضع النزاع على طاولة البحث الدولي حتى قبل أن تطأ رجلا الرئيس الأمريكي القادم أعتاب البيت الأبيض.
بعد أن عرض السياسيون عضلاتهم، وأظهر المحللون طاقاتهم وأعاد شعب إسرائيل "الكرامة"، يجب البحث عن مخارج من غزة. ليس مداخل إليها بأي حال من الأحوال. لا يوجد مخرج من الورطة التي لا حاجة بها في الجنوب سوى بتجديد سريع لاتفاق التهدئة مع حماس والإلتزام ببنوده، بما فيها إلغاء الحصار على غزة. ربما يستفز التصعيد جهات خارجية مثل تركيا ومصر، للإسهام في تحقيق التهدئة.
وربما، وبدل أن "نحضن" عائلة شاليط، تشمل إسرائيل في الصفقة الجديدة الأسرى الفلسطينيين والجندي الأسير. فالشعب الإسرائيلي ذاته الذي يهلل للسياسيين الذين يلقون القنابل على المواطنين في غزة يريد أيضا أن يعيد هؤلاء غلعاد إلى البيت.



التعليقات