"لا لهدم البيوت"..

-

يؤكد حادث الدهس الذي وقع يوم أمس في القدس على أن مستوى التوتر ومنسوب الغضب لدى فلسطينيي القدس الشرقية والضفة الغربية لم يهبطا. ولقد قرر رئيس بلدية القدس، نير بركات، أن يصب وقودا على النار الملتهبة عندما أعلن عن نيته هدم نحو 88 بيتا في المنطقة المعروفة كحي البستان إلى جوار قرية سلوان، شرق سور المدينة القديمة. وهو القرار الذي أدى بالسلطة الفلسطينية إلى إعلان الإضراب التجاري في الضفة الغربية.

تدعي البلدية أن هذه البيوت لم تحصل على تصاريح بناء، وعليه فإن بناءها والسكن فيها ليسا قانونيين. لكن هذا الإدعاء ليس جديدا، فقد حاولت البلدية في الماضي هدم هذه البيوت، لكنها تراجعت عن ذلك في أعقاب ضغط عالمي. غير أن البلدية، على ما يبدو، تريد الآن أن تستغل الفترة الإنتقالية حتى تشكيل الحكومة الجديدة لأجل أن تحقق غايتها سريعا.

يبدو الإدعاء بخصوص عدم قانونية البناء في حي البستان أنه قويّ. لكن عندما لا تعطي البلدية تراخيص بناء بسبب انعدام الخطة الأب (الشاملة)، أو أنها تمنع بناء بيوت جديدة لأسباب سياسية، فإنها تدفع المواطنين الفلسطينيين، أصحاب الأرض منذ عشرات السنين، إلى مخالفة القانون.

ويبدو أن البلدية أيضا تدرك أن هدم البيوت هو خطوة متطرفة وخطيرة حيث أن البلدية ذاتها قد اقترحت على الأهالي إعطاءهم أرضا بديلة، وهو الإقتراح الذي رفضه أصحاب الأرض. وعليه فمن المستغرب أن تقترح البلدية على هؤلاء، إذا كانوا مخالفين حقا للقانون، أرضا بديلة.

من الصعب أن لا نثور إزاء السبب السياسي المرفوض الذي يتغلف بحجة القانونية، لكن الأدهى من ذلك هو الغباء السياسي فيما يتعلق بهدم البيوت. ويكفي سماع توبيخ وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، التي أوضحت أن "هدم البيوت يتعارض مع التزامات خارطة الطريق"، كي ندرك، أن بلدية القدس تجر إسرائيل إلى مواجهة مع الإدارة الأمريكية الجديدة.

ليست هذه المرة الأولى التي يثير فيها هدم بيوت في القدس الشرقية احتجاجات عالمية على إسرائيل، وكان ممكنا تجنب توبيخ كلينتون لو أن الحكومة أوضحت مسبقا أنها تعارض هدم البيوت. علما أنها الحكومة ذاتها التي حظيت بسمعة أنها تمتنع عن هدم البيوت غير القانونية، في المستوطنات غير القانونية على سبيل المثال.

ألقدس هي مدينة مختلفة ليست كباقي المدن، ولا تستطيع بلدية القدس أن تتظاهر بأنها ببساطة تعمل وفق القانون. فالواقع المركب والقابل للإنفجار في المدينة يحتم ضرورة تذويب التوترات وليس تصعيدها، وذلك لكي نتيح حياة طبيعية لمواطني القدس الشرقية، حتى لو أن ذلك يجمد الخطة لإقامة متنزه أو بناء جماهيري آخر.

يجب على حكومة إسرائيل الحالية، برغم أن أيامها باتت معدودة، أن توضح لبلدية القدس، أنه حتى لو كان بيدها صلاحية هدم البيوت – فإنها لا تملك صلاحية أن تلقي بإسرائيل إلى نزاع دولي وإلى تعقيد علاقاتها الخارجية.

التعليقات