"مخطط تبادل مناطق في المثلث لا يحقق أهدافه"..

-

لا يزال الحديث عما يسمى "الخطر الديمغرافي" الذي يشكله الفلسطينيون في الداخل يحتل مكانة بارزة في مركز الحديث الإسرائيلي، والذي لا ينفصل عن الحديث عن "يهودية الدولة". ولا يزال الحديث عن إمكانيات "تقليص" عدد الفلسطينيين في داخل "الدولة العبرية" في مركز الاهتمام، خاصة بعد أن تبين أن هناك من يعمل ويقترح ويضع مخططات من أجل ذلك، بشتى الطرق، سواء عن طريق "تبادل مناطق" أو ترانسفير قسري أو ترانسفير بالترغيب، وغيره.

وفي هذا الإطار كتب دوفي شفارتس، في صحيفة "هآرتس" يوم أمس، متناولاً إمكانية "تبادل مناطق"، الفكرة القديمة المتجددة، والتي كشف مؤخراً عن مسؤولين في "كديما"، ومقربين من رئيس الحكومة، على رأسهم عضو الكنيست عتنئيل شنلر، الذي يعمل على وضع مخطط لإجراء عملية تبادل مناطق في المثلث من أجل التخلص من أكبر عدد ممكن من العرب، وفي الوقت نفسها من أجل شرعنة ضم الكتل الاستيطانية المقامة على الأراضي الفلسطينية. وفي السياق نفسه كان قد كتب غلعاد شارون (نجل رئيس الحكومة أرئيل شارون) متناولاً الإمكانية ذاتها.

بيد أنه من اللافت أن الكاتب، ورغم أنه يعارض هذا المخطط، فإنه يسوق أسباباً عدة لذلك، ويبدو أنه لا مجال في رفضه للحديث عن شرعنة النهب، من خلال ضم الأراضي الفلسطينية التي أقيمت عليها الكتل الاستيطانية، مقابل البلدات العربية.

ويسوق الكاتب عدة أسباب لمعارضته للمخطط المذكور، تتركز أساساً في أنه لا يحقق الهدف المعلن عنه، علاوة على أنه يفتح المجال للحديث عن وضعية مشابهة تتصل بالجليل والنقب، وأن المخطط يضطر إسرائيل إلى تغيير حدودها في منطقة الخاصرة، في المركز وإخلاء مستوطنات يهودية في قريبة من الخط الأخضر في المثلث.

وبحسبه فإن طرح فكرة نقل بلدات عربية من منطقة المثلث إلى الدولة الفلسطينية، مرة أخرى، لا يأتي بسبب تطورات في الاتصالات للتوصل إلى تسوية سلمية مع السلطة الفلسطينية، وإنما بسبب احتياجات السياسة الإسرائيلية الداخلية. ويتابع أن الاقتراح غير عملي من جميع الزوايا، ولا يستطيع تحقيق الهدف المعلن لمؤيدي إجراء تغيير ديمغرافي ملموس، حتى لو كان هذا الهدف مشروعاً، وقانونياً ومقبولاً.

ويضيف أنه من الناحية الجغرافية فإن الحديث هو عن تغيير ملموس في خارطة إسرائيل، مقابل تغيير ديمغرافي هامشي. ففي إسرائيل يعيش 1,425,000 عربي (بما في ذلك القدس)، ويشكلون ما نسبته 20% من السكان. والمرشحون للنقل إلى الدولة الفلسطينية يصل عددهم إلى 230 ألف عربي يعيشون في ما يقارب 20 بلدة قريبة من الخط الأخضر، في المنطقة الممتدة من كفر قاسم إلى وادي عارة. ولو أخذنا بالحسبان كل السكان العرب في المنطقة فإن الحديث هو عن 16% من العرب في إسرائيل، و 3.2% من السكان. ومن أجل تنفيذ ذلك يجب إخلاء المستوطنات اليهودية في المناطق ذاتها، وتغيير خط الحدود في منطقة المركز، بحيث يقترب من المدن الكبيرة؛ الخضيرة ونتانيا ورعنانا وكفار سابا وروش هعاين.

وفي النهاية، فإن الغالبية الساحقة من السكان العرب في إسرائيل، وهم أكثر من مليون عربي، سيظلون في داخل حدود إسرائيل.

كما يشير على أن الدولة الفلسطينية، من الزاوية السياسية، لا تبدو في الأفق، علاوة على أن نقل بلدات عربية إلى الدولة الفلسطينية لم يتم الموافقة عليها من الجانب الفلسطيني، ولا يبدو أنه سيحصل مثل هذا الأمر في المستقبل. وسواء كان الأمر على أساس "تبادل مناطق" أو "تصحيح تاريخي ديمغرافي"، فمن الواضح أنه لا يمكن نقل مناطق وسكان إلى سيادة لا ترغب بهم.

وفي هذه الظروف، التي يعارض فيها السكان العرب في المناطق المذكورة والدولة المفترض أن يتم النقل إليها، فإن المجتمع الدولي لن يؤيد هذه العملية القسرية. وعلاوة على ذلك، فمن ناحية المصلحة السياسية لإسرائيل فإن موافقتها على تغيير خط الحدود إلى داخل أرضها على أساس ديمغرافي يشكل سابقة تضع علامة سؤال على مناطق أخرى في البلاد مثل الجليل والنقب.

ويتابع، انطلاقاً من قناعته بـ"سيادة قانون إسرائيلي عادل والتزام إسرائيلي بالمواثيق الدولية" أن "القانون الإسرائيلي لا يتيح سحب المواطنة بالقوة في هذه الظروف. وتغيير الحدود الذي يخرج البلدات العربية من مساحة الدولة يلزم بعرض اقتراح على السكان العرب يتضمن إمكانية الانتقال إلى مناطق سكن أخرى في داخل إسرائيل والمحافظة على مواطنتهم الإسرائيلية، الأمر الذي يتناقض مع أهداف الاقتراحات من أساسها. كما أن إجراء تغيير تشريعي في الكنيست من أجل إتاحة هذه الإمكانية، تبادل مناطق، سيتم إلغاؤه من قبل المحكمة العليا، لكون هذا التشريع يتناقض مع قوانين أساس والقانون الدولي والمواثيق الدولية التي وقعت عليها إسرائيل".

وفي نهاية المقال يفطن الكاتب إلى أبعاد عملية النقل على المستوى الاجتماعي القيمي. فالدولة التي تسحب مواطنة مواطنيها بسبب قوميتهم لن تكون الدولة التي تدعي الديمقراطية وعدم التمييز بين المواطنين بحسب القومية.

التعليقات