"مصلحة مشتركة لإسرائيل وحماس"

-

تتبادل إسرائيل وحماس الضربات في حرب ضارية، لكن لكليهما هدفا مشتركا في الحرب:إجبار مصر على فتح حدودها مع غزة. لكنها، مصر، ما زالت "تعشق" الإحتلال الإسرائيلي.

هدفت عملية "الرصاص الصلب" بحسب حكومة إسرائيل "إلى خلق واقع أمني أفضل على حدود قطاع غزة" ولإجبار حكومة حماس، بواسطة تفعيل قوة عسكرية، لوقف إطلاق الصواريخ عليها.

ترى حماس في العملية العسكرية الإسرائيلية محاولة لضرب سلطتها في قطاع غزة ولتعزيز سلطة أبو مازن، وذلك في توقيت دقيق في الحلبة الفلسطينية. حيث أن ولايته ستنتهي كرئيس لفلسطين في التاسع من يناير، علما أن حماس كانت أعلنت أنها لن تعترف به رئيسا بعد هذا التاريخ. وبحسب القانون الفلسطيني وتفسير حماس، فإن من يحل مكانه هو نائب رئيس المجلس التشريعي عن الحركة، أحمد بحر.

لكن المفارقة الكبيرة هي أن لإسرائيل وحماس مصلحة استراتيجية مشتركة، وهي – تحويل المسؤولية على القطاع إلى مصر. ترغب حماس في أن تخرج من هذه الحرب بمكاسب سياسية ذات أهمية على شكل تقدّم في عملية الإعتراف الدولي بسلطتها في غزة وفكّ الحصار عنها، على رأس ذلك فتح معبر رفح لحركة حرّة إلى مصر. لكن أمل حماس، في أن تفي مصر بتعهدها في نهاية فترة التهدئة، بحسب تفسيرها، فتلغي التقييدات القائمة في معبر رفح، قد خاب، وذلك في تصريحات صريحة ورسمية، لا تنوي القاهرة بموجبها تغيير سياستها، لكي لا تعفي إسرائيل من صفة "الدولة المحتلة" لقطاع غزة.

وهنا في هذه الحالة، تسود سخرية سياسية. حيث أن مصر، التي أدارت صراعا على مدى عشرات السنين لأجل استقلال فلسطيني، ومن خلال تأييد الفدائيين والإرهاب أيضا، لم تشأ أن تمنح الإستقلال عندما حكمت غزة حتى العام 1967. كذلك الآن، عندما سنحت لها فرصة المساهمة في تحقيق الإستقلال الفلسطيني بعد فك الإرتباط من جانب إسرائيل، فقد بقيت "عاشقة" للإحتلال الإسرائيلي.

ليس صدفة تأكيد قياديي حماس، خالد مشعل وإسماعيل هنية، على الشرط الأساس لوقف النار في المواجهة الراهنة: فك "الحصار" عن قطاع غزة. هذا الشرط موجّه بالأساس إلى مصر، التي تتهمها قيادة حماس بـ "خيانة" الشعب الفلسطيني وبالتعاون مع إسرائيل.

تراعي إسرائيل، بعكس حماس، ألا تغضب مصر. فـ "السلام البارد" لكن ذو الأهمية الإستراتيجية مع مصر، يلزم إسرائيل على التصرف بحذر في علاقتها مع القاهرة. وهذا هو السبب الأساس لإحجام إسرائيل عن إطلاق تصريحات مفصّلة فيما يتعلق بمسؤولية مصر على قطاع غزة وللصمت إزاء الإدعاءات المصرية عن كون إسرائيل "سلطة محتلّة" في غزة.

ألعملية العسكرية في القطاع، التي شملت تفجير عشرات أنفاق التهريب على حدود رفح، تزيد الضغط على مصر، من الداخل وفي الحلبة العربية، من أجل فتح الحدود مع غزة وتحمل المسؤولية فعلا على القطاع. لن تقول إسرائيل الرسمية شيئا في هذا الشأن، لكن الأرجح ألا يمسحوا في القدس الدموع إذا ما انتهت عملية "الرصاص الصلب" إلى حدود مفتوحة بين غزة ومصر.

هنا تكمن إمكانية تغيير الواقع الأمني حول غزة أيضا – في البلدات الإسرائيلية – لفترة أخرى من الهدوء على الأقل، وربما تكون أطول من سابقتها.

حقّقت حرب غزة بشكل حاد واحدة من مفارقات النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. إسرائيل تهاجم أهدافا لحماس، وحماس تردّ بضرب بلدات إسرائيلية، لكن الهدف الحقيقي من هذه الهجومات هو مصر.


التعليقات