"هروب أولمرت وليفني إلى خارطة الطريق.."

-



كتب عوزي بنزيمان أن الشاعر حاييم غوري اعتاد القول في السنوات الأخيرة أن اليمين على حق في رؤيته المتشائمة للفلسطينيين تجاه إسرائيل، في حين أن اليسار على حق في إدراكه لكون الإحتلال هو العامل الحاسم في تغذية العداء. وتوفر نتائج الحرب الثانية على لبنان لإسرائيل فرصة لاختيار طريق جديد من أجل التغلب على هذا التناقض، إلا أنه كما يبدو فإنها سوف تفوت هذه الفرصة.

وبحسب بنزيمان، فإن غوري يقول في الواقع أن إسرائيل عالقة في الفخ: عداء الفلسطينيين يؤكد على المخاوف الوجودية التي يشتق منها تعامل الدولة معهم، وفي الوقت نفسه فإن تمسك إسرائيل بـ"المناطق"، والذي يبرر باحتياجات أمنية، هو الجمرة الأولى التي تغذ نار الكراهية تجاه إسرائيل. وهذه هي السنة الأربعون التي تتلمس فيها إسرائيل طريقها، وهي تحاول القفز عن هذا التناقض بواسطة سياسة عملية تتيح لها، كما يبدو، التملص من عملية الحسم. وقد أدى ذلك إلى وقوع إسرائيل في ورطة أخلاقية وسياسية وأمنية تضع علامة سؤال على قدرتها على البقاء.

ويضيف أن أساس "كديما" يعتبر أحد التجليات الواضحة لذلك. فقد تشكل هذا الحزب بعد أن توصل قادته إلى النتيجة بأنه يجب إحداث تحول في علاقة إسرائيل والفلسطينيين، وسلم الأولويات القومية، واللذين بموجبهما أدارت إسرائيل شؤونها منذ حرب 1967. وقد علل أرئيل شارون استقالته من الليكود بالحاجة إلى " عرض أمل جديد على الدولة، ويأسه من قدرة الليكود على الوقوف أمام التحديات التي تواجهه، ورغبته في التوصل إلى تسوية سياسية، وبالنتيجة السلام". أما إيهود أولمرت فقد كان واضحاً ودقيقاً أكثر:" فقد جعل من النسب الديمغرافية بين إسرائيل والفلسطينيين تهديداً وجودياً، واشتق منها خطة التجميع، التي تستند أساساً إلى الانفصال من الجزء الأكبر من الضفة الغربية، ورغب في ترسيم الحدود الدائمة لإسرائيل، ووضع في مركز برنامج كديما مجابهة الفجوات الإجتماعية، بتعهده بتحويل ميزانيات تطوير للنقب والجليل والقدس، بدلاً من الضفة الغربية".

وبرأي بنزيمان فإن حرب لبنان الثانية أعادت "شريط التسجيل إلى الوراء"، فقادة كديما يتحدثون في الشهر الأخير مثل قادة الليكود قبل 10-15 عاماً. ردود فعلهم على التطورات في العالم العربي، الإشارة هنا إلى تجديد طرح مبادرة السلام العربية، ونجاح محمود عباس في تشكيل حكومة وحدة وطنية، وخطته للبدء بالحوار مع إسرائيل، كل ذلك يذكر بردود فعل يتسحاك شامير وبنيامين نتانياهو: الرفض التلقائي المباشر، ومناورات رفض وجهود عاجلة لتجنيد الولايات المتحدة من أجل تمييع الخطوات العربية.

ويتابع أن أولمرت الذي وضع خطة الطريق في الأدراج قبل الإنتخابات سارع إلى سحبها الآن من أجل تحييد المبادرات العربية الجديدة، كما سارعت تسيبي ليفني إلى التذكير بالشروط السابقة التي كانت قد وضعتها إسرائيل من أجل التأكيد على عدم قبول المبادرات.

"وحتى إذا كان لحكومة أولمرت بعض "النتوءات" الرسمية التي يمكنها التمسك بها في جهودها من أجل إحباط العملية التي يجري الإعداد لها في السلطة الفلسطينية والدول العربية، فإن عليها أن تدرك أنها تبث تخبطاً إزاء إمكانية حصول أي تغيير في الوضع القائم. فأولمرت وليفني يبدوان كأنما يطلبان الدخول إلى "ملجأ" احتماءاً من مبادرات سياسية تأتي لإخراج المنطقة من المستنقع الذي تغرق فيه. وهذا رد فعل لا يغتفر من قبل من سارع إلى إعلان الحرب بعد مباحثات استغرقت أقل من نصف يوم"!

وبحسبه، فقد وضعت حرب لبنان علامة سؤال على الفهم الأمني الذي يعتمد على مناطق وجدار فصل. وأكدت على حاجة إسرائيل المصيرية من أجل التوصل إلى تسوية مع جيرانها، وعلى رأسهم الفلسطينيون. وتدلل الحرب على مدى الخراب الذي أحدثه الإحتلال في المجتمع الإسرائيلي، ومدى التدهور في الجيش.

ويخلص بنزيمان إلى النتيجة بأن المغزى المهم للحرب هو الحسم في التناقض الذي يشير إليه غوري، وليس التستر عليه بسياسة "الترقيع".

التعليقات