"هارتس": الجيش الإسرائيلي يبني بنك الأهداف المحتملة لحرب لبنان القادمة

أن حزب الله، المدعوم من ايران، هو الخصم الاكثر كفاءة وقدرة مقابل "اسرائيل" في المنطقة. ومنذ الصدام المباشر الاخير بين الجانبين، خلال حرب لبنان الثانية في صيف 2006، اعاد الجانبان تجميع قواهما واجريا تحضيرات لاي صراع مطول في المستقبل.

نشرت صحيفة "هآرتس" في موقعها على الشبكة، اليوم السبت، تقريراً تناولت فيه تصميم الجيش الاسرائيلي ، في اعقاب التوترات الاخيرة على حدود "اسرائيل" الشمالية وارسال حزب الله طائرة من دون طيار الى داخل "اسرائيل"، على تطبيق الدروس التي استخلصها من حرب لبنان الثانية وان يحدد اهدافه بوضوح اكثر.

الطائرة من دون طيار، الايرانية الصنع،التي اطلقها حزب الله من جنوب لبنان والتي توغلت في المجال الجوي الاسرائيلي، السبت الماضي، كانت وفق "هارتس" تذكيراً بالميزان المعقد لقوة الردع بين الجانبين. وتأكيدا اضافيا أن  حزب الله، المدعوم من ايران، هو الخصم الاكثر كفاءة وقدرة مقابل "اسرائيل" في المنطقة. ومنذ الصدام المباشر الاخير بين الجانبين، خلال حرب لبنان الثانية في صيف 2006، اعاد الجانبان تجميع قواهما واجريا تحضيرات لاي صراع مطول في المستقبل.

المؤسسة الأمنية الاسرائيلية ما زالت تبقي استنتاجاتها من التحقيق في امر الطائرة من دون طيار طي الكتمان. ويبدو ان هذه الطائرة من دون طيار لم تكن سلاحاً "انتحاريا"، مثل طائرات "ابابيل" الايرانية الثلاث من دون طيار التي اطلقتها "المنظمة الشيعية" على "اسرائيل" خلال الحرب قبل ست سنوات، حسب قول الصحيفة. فقد كانت اهداف هذه الطائرة من دون دون طيار مختلفة: تصوير اهداف في "اسرائيل"، واستكشاف نظام الدفاع الجوي الاسرائيلي، وتعزيز مصداقية حزب الله فيما يتعلق بقدرة الردع الى اقصى ما يمكن.

فكثيراً ماالمح زعيم حزب الله حسن نصر الله في خطاباته الى استخدام صواريخ دقيقة التصويب والى قدرة منظمته على ضرب بنية اسرائيل التحتية المدنية، وبالاشارة ايضا الى خطة الحزب (الاقل مصداقية) المتمثلة باحتلال بلدات وقرى في الجليل. وبالنسبة الى نصر الله فقد اظهرت اطلاق الطائرة من دون طيار قدرة حزب الله العملانية ، وسببت قدراً من الارتباك داخل اسرائيل

ومضت الصحيفة تقول، انه في الوضع الحاضر لا يستطيع حزب الله استخدام اسلحته الثقيلة – خصوصا الصواريخ المتوسطة والطويلة المدى، ذلك ان استخدام مثل هذه الصواريخ ضد اسرائيل من شأنه ان يجر المنطقة الى حرب يفضل حزب الله ان يتجنبها في الوقت الحاضر.

ومن ناحيتها، تبذل المؤسسة الامنية الاسرائيلية جهداً مستمراً للحفاظ على تفوقها في مجال الردع في ما يتعلق بحزب الله (يفضل المسؤولون الاسرائيليون قدر ما يمكن ان يلعبوا ما يسمى ورقة الردع بدلاً من اللجوء الى هجمات). وبالتزامن يتخذ المسؤولون ايضاً خطوات في الحلبة الدولية لكسب شرعية لاي اجراءات عسكرية مستقبلية قد تدعو الحاجة لاتخاذها.

الاعداد الدبلوماسي لحرب ممكنة امر ضروري: وفرضية العمل الكامنة هي ان جولة الصراع المقبلة ستبدأ في ظل ظروف غير ملائمة، من وجهة نظر اسرائيل. سيستغل حزب الله مزاياه التكتيكية، وسيستخدم مقاتلوه السكان المدنيين في جنوب لبنان "دروعاً بشرية" بينما يطلقون صواريخهم على مراكز السكان في "اسرائيل"، حسب تقرير "هارتس" يقول ان هذه هي الخلفية للتصريحات الاسرائيلية بين فترة واخرى المتراوحة بين "نظرية الضاحية" التي عبر عنها قائد الجبهة الشمالية في الجيش الاسرائيلي آنذاك غادي آيزينكوت في 2008، والتهديدات الاخيرة التي عبر عنها كبار ضباط الجيش الاسرائيلي بشأن كيف ستكون محتويات "تقرير غولدستون – عن عملية الرصاص المسكوب في غزة – لعبة اطفال" مقارنةً بما سيحصل في في الحرب االمقبلة في لبنان.

تحليل التفاصيل

سمح الجيش الاسرائيلي لـ"هآرتس" بلمحة غير معتادة لطرق التحضير للحرب، على اساس "بنك" اهداف محتملة في لبنان. كانت تلك لمحة، وليست نظرة شاملة، وهي تنبع من احاديث مع مصادر استخباراتية، ومع مستشاريين قانونيين للجيش وما شابه ذلك، كما يفيد التقرير.

كان عدم توافر قائمة اهداف محتملة شاملة احد اكبر أخطاء حرب 2006. ففي اليوم الرابع، كانت القيادة الشمالية قد شنت هجمات على كل الاهداف الـ83 التي صنفت عن طريق مسؤولي الاستخبارات قبل القتال. ويلمح "س"، وهو عقيد في الجيش الاسرائيلي قاد الى وقت قريب فرقة المدفعية في القيادة الشمالية، الى ان عدد الاهداف التي تدرجها القيادة حالياً يعد بالآلاف.

وقال الكولونيل "س" ان "الاولوية في عملياتنا ستكون لاي شيء يستخدم كقاعدة لاطلاق الصواريخ على "اسرائيل" وعلى السكان المدنيين وعلى الاهداف العسكرية. وبالتالي سنركز اهتمامنا على البنية التحتية للمنظمات "الارهابية"، وبعدئذ على الجيش اللبناني، اذا دعت الحاجة الى ذلك في حال تدخله في القتال.

وتشرح الكولونيل ميريت في الجيش الاسرائيلي التي ترأس قسم الاهداف في فصيل الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية ان قسمها يتلقى معلومات من مختلف وكالات الاستخبارات في الجيش الاسرائيلي من المواقع الفوتوغرافية ومن المصادر الانسانية.

وقالت: "في نهاية الامر، نقوم بترتيب أجزاء المعلومات المتناثرة العديدة لتحديد نقاط الاستهداف بدقة، والاماكن التي يخفي فيها العدو قدراته. وقد يشمل هذا مخازن الذخيرة للصواريخ او المقار الرئيسة للضباط. وعليك ان تقوم بتحليل التفصيلات مثل ارضية احد المباني حيث مجمع المقر الرئيسي، والاتجاه الذي يجب عليك ان توجه النيران صوبه. ولا يمكن تحقيق النجاح في العمليات الا عن طريق الدقة المتناهية خلال القصف وتقليل الخسائر بين المدنيين. وتضيف، تصلنا المعلومات على شكل مادة خام، ولا بد من معالجتها. كما ان علينا ان نجري تقييما لمصدر المعلومات ومدى مصداقيته، وان نجمع مختلف جزيئات المعلومات حتى يمكن تحديد ما اذا كان الموقع يصح ان يكون هدفا مفيدا.

وتضيف ميريت قائلة ل "هارتس"، ان "استخبارات الجيش تعمل على مستوى عال اليوم نحو تنسيق استخبارات العمليات. ولا ينتهي عمل اي يوم بالنسبة الي من دون المشاركة في عملية المعالجة هذه – واحداها مخصصة لتقرير اهداف جديدة. ويقرر رئيس استخبارات الجيش الإسرائيلي قواعد تحديد الأهداف، غير ان الجنود هم الذين يتعاملون مع البيانات الخام ويصنفونها ويعملون على تأكيدها بالنسبة الى الاهداف المحتملة.

وبعد ان يؤكد ضباط الاستخبارات ان المواقع المعنية تمثل هدفا مفيدا وعدائيا، ترسل المعلومات الى القيادة الشمالية او الى سلاح الجو الإسرائيلي، باعتبارهما المسؤولين عن تحويل المعلومات الاستخباراتية الى خطط مؤكدة

ويقول الكولونيل "س" انه "يجب الا يختلط الأمر على اي شخص في هذا الشأن. اذ ان من الصعب للغاية عندما يرقى عمل الاستخبارات الى مستوى نوعية عالية، مراقبة منظمة ارهابية تعمل جاهدة على كسر الروتين المعروف. فالإستخبارات لا تملك صورة كاملة لما يحدث في حزب الله.

التقرير يشير الى أنه بعد حرب العام 2006، نقل حزب الله معظم مصادره من المراكز المختلفة في الميدان – التي يطلق عليها الجيش الاسرائيلي اسم "الاحتياطي الطبيعي" - الى قرى مزدحمة نسبيا ومواقع حضرية في لبنان. ويقول "س" ان "95 في المائة من أهداف حزب الله توجد في مناطق مدنية وتعمل على استخدام المدنيين "دروعا بشرية". وهذه ليست اهدافا عسكرية – انها مقار رئيسة وترسانات، تقع داخل مبان تستخدم ايضا مساكن للمدنيين.

القصف الدقيق

عندما يوازن قادة الجيش الاسرائيلي عمليات القصف، فان عليهم ان يضعوا توازنا بين قيمة عملية مهاجمة هدف مقابل الاضرار الاستتباعية التي ينتظر ان تحدث نتنيجة ذلك.

ويجري استدعاء خبراء الدفع الذاتي البلاستي والهندسة لاجراء عملية تقييم، مثلا ما اذا كانت مهاجمة مخزن للأسحة في الطابق الارضي لمبنى سكني سيسبب انهيار المبنى. وفي حالة الحرب، فان اسرائيل ستعمل على اصدار توجيهات (مثلما فعلت في الماضي) للسكان المدنيين في الجنوب اللبناني لكي يتوجهوا الى المناطق الشمالية من البلاد.

ويشدد "س"، في حديثه للصحيفة، بلغة هادئة يستخدمها الجيش لوصف النتائج والأخطار التي يتعرض لها السكان المدنيون نتيجة الخطط العسكرية الهجومية، يشدد ان "الاولوية ستعطى للدقة والقصف المؤثر الذي يسبب اقل الاضرار بالنسبة الى المدنيين".

وقال: "سنقوم بتحديث أساليب نقل السكان اللبنانيين الى الشمال على عجل، لتقليل الإصابات. كما اننا سنلقي منشورات ونتولى السيطرة على الاذاعات. ومع ذلك ستلحق اضرار كبيرة للاسف بالسكان الذين لا علاقة لهم بالقتال

سيحمي الجيش الطرق المؤدية الى بيروت والتي سيستخدمها سكان الجنوب اثناء فرارهم الى الشمال. "وسنبذل جهودا للتاكد من ان الذين يتوجهون الى الشمال على هذه الطرق لن يصابوا باذى.

التقرير يذكر أنه في الليلة الاولى لحرب العام 2006، بعد اختطاف الاحتياطيين في الجيش الإسرائيلي، سمحت حكومة إيهود أولمرت بالقيام بهجمات على مساكن المتشددين في حزب لله حيث كان يجري تخزين صواريخ متوسطة المدى. ووجه الجيش الإسرائيلي تحذيرات بان من المحتمل ان يؤدي القصف الى مقتل المئات من المدنيين. غير أن لجنة حكومية من سبعة مسؤولين وافقت على القصف بعد ان حصلت على تقرير للنائب العام بأن مهاجمة المساكن تقع ضمن إطار القانون الدولي. ("تلك عائلات تنام بينما الصواريخ المحلية في غرف الجلوس في مساكنهم"، حسب قول وزير الدفاع انذاك عمير بيريتز). ويشير التقرير الى انه ونتج عن القصف الاسرائيي تدمير عشرات من الصواريخ وبطارياتها، وقتل العشرات، وليس-المئات- من الاشخاص في الهجوم.

واذا اشتعلت جولة قتال في المستقبل، فان المدعي العام والمحامي العسكري سيلعبان ادوارا جديدة موسعة. وهذا التغيير هو نتيجة تقرير غولدستون للعام 2009. وتقول الميجور روني يوستمان، محامية القيادة العسكرية في المناطق الشمالية، ان مكتبها يخول مقدما مهمة الاهداف المحددة.

واضافت ان "الغرض هو ان تكون جميع القرارات متسقة مع القانون الدولي. فعندما يقيم العدو داخل مركز مدني، فان الأمر يخلق مصاعب حقيقية. ونحن نعمل وفق اتفاقيات جنيف المتعلقة بالتمييز في الاستهداف، التي تنص على امكان مهاجمة هدف يستخدم لاغراض عسكرية.

فالمبنى الذين تحفظ فيه الأسلحة او الذي يستخدم كمقر عسكري للطورئ، يمثل هدفا عسكريا مسموحا به. ويتحمل الجيش الاسرائيلي مسؤولية تحذير السكان المدنيين قبل الهجوم، وتجميع معلومات ذات نوعية عالية للتأكد من دقة القصف. ويشرح الكولونيل "س" ان الهدف الذي يمكن ان يتسم بصفات معينة خلال الأوقات العادية قد يتغير في أوقات الحرب. "عندما تندلع الحرب على عجل، تجري الاشياء متزامنة، وتتغير الحقائق على الأرض، ومن غير الواضح ما اذا سنكون قادرين على تجديد المعلومات الإستخباراتية في الوقت الذي تتعرض فيه الجبهة الداخلية للهجوم.

واضاف الكولونيل "س" ان "لدينا القدرة الكافية لالحاق خسائر كبيرة بحزب الله. ونقوم بالتدريب (على القتال)، واعتقد ان عمليات المستقبل ستكون افضل من حرب 2006. سنكون اكثر وضوحا واكثر تصميما على القتال.

التفرير ينوه الى تصاعد التوتر هذه الأيام في الإستخبارات العسكرية في قيادة الشمال، بسبب القلق من تداعيات عدم الاستقرار في سوريا، وبسبب ما يبدو أنه تحرك لا يمكن التنبؤ به داخل قيادة حزب الله. وينقل عن أحد كبار ضباط قيادة الشمال، ان نصر الله "يعاني من ضغوط بسبب الوضع في سوريا، وبسبب الوضع الداخلي اللبناني والمطالبة بنزع أسلحته. ف"المذبحة" التي يتعرض لها "السنة" في سوريا ، كما يقول التقرير، تقلق بال "السنة" اللبنانيين، وتزيد من انتقاد مشاركة حزب الله لـ(الرئيس بشار) الأسد. فقد انقضت سنوات شهد فيها لبنان استقرارا نسبيا نتيجة سيطرة حزب الله، أما الان فان ميزان القوى في لبنان قد تغير – فمنافسو حزب لله اصبحوا اكثر قوة، وقد يؤدي ذلك بالفعل الى عدم الاستقرار. وفي الوقت ذاته، فان قدرة الردع الاسرائيلية اضحت ضعيفة في جزء منها مقابل حزب الله، وهذا الضعف يمكن ال؛حساس به في المحاولات الهجومية لحزب الله على اهداف خارج حدوده، كما يقول تقرير "هارتس".

ويورد التقرير على لسان ضباط الاستخبارات قولهم، ان نصر الله "يجازف أكثر مما كان يفعله في الماضي. فهو يخطط للقيام بافعال ضدنا لا توصف بانها استفزاز يسبب الحرب". ومع ذلك فان ضابطا في الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية يشدد على ان استراتيجية كل من اسرائيل وحزب الله تلتقيان في بعض النقاط الرئيسة. وفي النهاية توصل الجانبان الى قناعة في نهاية صراع العام 2006 في لبنان، بأن من الأفضل، في الوقت الحاضر، تحاشي جولة جديدة من الحرب على أساس ان التكلفة ستكون مرتفعة جدا.

 

التعليقات