"هارتس": تطبيق قانون "أملاك الغائبين" يستهدف تهويد أحياء القدس الشرقية

اعتبرت صحيفة "هارتس" قرار المستشار القضائي للحكومة الاسرائيلية، سحب قانون مايسمى ب"املاك الغائبين" على القدس الشرقية محاولة اخرى تضاف الى محاولات تهويد احياء المدينة الفلسطينية، من خلال مصادرة حقوق ملكية الفلسطينيين على املاكهم في المدينة، واحداث فصل اصطناعي بين القدس والضفة الغربية في المستوى السكاني خصوصا وتندرج في نطاق سلسلة اجراءات تبتغي تحقيق هذا الهدف بينها الجدار.


   اعتبرت صحيفة "هارتس" قرار المستشار القضائي للحكومة الاسرائيلية، سحب قانون مايسمى ب"املاك الغائبين" على القدس الشرقية محاولة اخرى تضاف الى محاولات تهويد احياء المدينة الفلسطينية، من خلال مصادرة حقوق ملكية الفلسطينيين على املاكهم في المدينة، واحداث فصل اصطناعي بين القدس والضفة الغربية في المستوى السكاني خصوصا وتندرج في نطاق سلسلة اجراءات تبتغي تحقيق هذا الهدف بينها الجدار.

"هارتس" اشارت في افتتاحيتها، اليوم الجمعة، ان القانون الإشكالي المذكور تم تطبيقه بعد عام 48 وأعد لتمكين اسرائيل من انتزاع أملاك الفلسطينين الذين عاشوا خارج حدود الدولة، غالبيتهم في مخيمات اللاجئين، وكانوا ممنوعين من الدخول الى اسرائيل. الا أن محاولة تطبيقه على اراضي 67 في أعقاب ضم اراضي محتلة للقدس، يحدث، وفق "هارتس"، في ظروف مختلفة تماما، اذ ان اصحاب الأملاك تحولوا الى غائبين رغم أنهم لم يتركوا اماكن سكناهم، ورغم انهم كانوا خارج المنطقة التي تم ضمها الى اسرائيل فقد كان بمقدورهم الوصول الى املاكهم.
المستشار القضائي الأسبق للحكومة يهودا شمغار أمر في حينه بعدم تطبيق القانون لأن تطبيقه يمثل خرقا لحق الملكية دون وجه حق.

وفي قرار قضائي صدر عام 2006 وصف القاضي بوعاز اوكون محاولة تطبيق القانون المذكور في القدس الشرقية "مناورة قضائية بعيدة عن الواقع" و"شكل من اشكال الحكم بدون محاكمة". رئيس المحكمة العليا في حينه شاؤول غرونيس، تساءل مرة، لماذا لا يتم تطبيق القانون على الأملاك التي تركها المستوطنون داخل اسرائيل- فهم أيضا يعيشون خارح حدود الدولة. كذلك المستشار القضائي ميني مزوز أمر بعدم سحب هذا القانون على القدس الشرقية، تقول "هارتس".

وتضيف،ان تطبيق القانون المذكور على اراض ضمتها اسرائيل بشكل أحادي الجانب، بعد السيطرة عليها في الحرب يتعارض مع القانون الدولي حتى لوكانت اسرائيل قد بسطت قوانينها على القدس الشرقية. 

وتختم "هارتس" كلمتها بالقول، انه وبعكس اسلافه الذين أكدوا على سلطة القانون وحقوق الانسان والمصلحة الجماهيرية يصدر المستشار الحالي للحكومة الاسرائيلية، يهودا فاينشطاين، "حكما بدون محاكمة"  ينتهك من خلاله الحقوق الفلسطينية خدمة للاستيطان اليهودي في القدس الشرقية، الذي يسعى الى السيطرة على املاك "الغائبين الحاضرين"، في حين يتوجب عليه وقف هذا الاجراء والسير على خطى اسلافه في عدم تطبيق هذا القانون على القدس الشرقية.

ممارسة القانون كأداة عقابية:

وكان المستشار القضائي للحكومة الاسرائيلية، يهودا فاينشطاين،  قد صادق على تفعيل قانون "املاك الغائبين" في القدس الشرقية، كأداة لمعاقبة الفلسطينيين من أصحاب السوابق الأمنية او المرتبطين بصلة مع جهات معادية!! واوضحت صحيفة هارتس التي اوردت النبأ، امس الاول الاربعاء،انها حصلت على نسخة من النظم الجديدة التي تبناها فاينشطاين، والتي تشمل معايير تتعلق بتحرير العقارات العائدة للاجئين الفلسطينيين. 

ويستدل من وثيقة فاينشطاين انه يمكن لاسرائيل مواصلة الاستيلاء على عقارات الفلسطينيين اذا كان يجاورها اليهود، حيث ورد في التوجيهات الجديدة حرفيا ان "مسألة تأثير تحرير العقارات بناء على موقعها في نسيج أحياء القدس، ستشكل معيارا أثناء النظر في الطلب، وانه يمكن رفض تحرير عقار معين تابع لفلسطيني بسبب جيرانه اليهود"!

وقالت "هآرتس" انه تم ايراد هذه النظم في اطار الرد الذي قدمه فاينشطاين الى المحكمة العليا قبل شهرين، حيث يحدد انه يمكن فرض قانون املاك الغائبين للسيطرة على عقارات فلسطينية في القدس الشرقية، وذلك خلافا لقرار مستشارين سابقين للحكومة، مئير شمغار في 1968 وميني مزوز في 2005، رفض تفعيل هذا القانون في القدس الشرقية.

حكومتا بيغن وشامير استوليتا بواسطتعلى الكثير من الاملاك في القدس الشرقية:

وكان مزوز قد بعث برسالة شديدة اللهجة الى وزير المالية في حينه، بنيامين نتنياهو، المسؤول عن تطبيق قانون املاك الغائبين، وطالبه بوقف تطبيق القانون في القدس محذرا من الابعاد الدولية لفرض القانون. جاء ذلك بعد ان قرر حزب الليكود خلال توليه للسلطة بين 1977 و1992، فرض القانون في القدس واستولى بموجبه على الكثير من املاك الفلسطينيين. وفي عام 2006، أمر قاضي المحكمة المركزية في القدس، بوعاز اوكون، بوقف تطبيق القانون في القدس الشرقية، فقدمت الحكومة التماسا الى العليا ضد قرار اوكون. وفي ايار الماضي وخلال مناقشتها للالتماس، طالبت المحكمة العليا المستشار القضائي للحكومة بتقديم وجهة نظره.

ويستدل من رد فاينشطاين انه يمكن للجنة الخاصة المكلفة النظر في طلبات تحرير العقارات، رفض تحرير عقار شخص اذا توفرت لدى جهاز الشاباك معلومات امنية سلبية بشأنه، او اذا كان على صلة بتنظيم معاد!

وقالت "هآرتس" ان بعض المحامين الذين يعملون في هذا المجال استهجنوا هذه التوجيهات التي اعتبروها أداة عقاب لا تتفق مع معايير القانون. وقال المحامي سامي إرشيد انه لم يسبق بتاتا طرح الموضوع الأمني كمعيار لتطبيق القانون، مضيفا: "لا اعتقد انه يوجد في الضفة الغربية أي فلسطيني لا تربطه علاقة بـ"تنظيم معاد" او توجد عائلة ليس لديها معتقلا امنيا او مطلوبا".

ويتضح، حسب منا نشر "هآرتس" ان توجيهات فاينشطاين كتبت بصورة ضبابية تتيح لسلطات الاحتلال السيطرة على املاك الغائبين حتى لحاجات امنية او حاجات لم يتم تحديدها بعد، وذلك خلافا لنظم مصادرة الأملاك للاحتياجات العامة، والتي تحدد ضرورة تعويض صاحب العقار.

حارس أملاك الغائبين يسيطر على البيت الفلسطيني ويسلمه للمستوطنين:

وقالت "هآرتس" ان المعيار الذي حدده فاينشطاين بشأن تحرير الاملاك حسب موضعها الجغرافي يثير الاستهجان، ايضا، وهو معيار كانت طرحته الدولة خلال النقاش الذي اجرته المحكمة في الموضوع، حيث تطالب الدولة بأخذ موقع البيت، سواء كان في حي عربي او يهودي، في الاعتبار. وتقول "هآرتس":  "في أغلب الحالات يتم بعد سيطرة حارس الاملاك على منزل فلسطيني تسليمه للمستوطنين، غالبا بأجرة رمزية، وعلى هذه الشاكلة تم انشاء جزء كبير من البؤر الاستيطانية في قلب الأحياء الفلسطينية في القدس، ويطرح الان السؤال حول مصير بيت يتواجد بمحاذاة مستوطنة يهودية، لكنه محاط بحي عربي"!

وقال المحامي داني زايدمان، الباحث في السياسة الاسرائيلية في القدس الشرقية ان هذا المعيار سيتيح توسيع المستوطنات في الأحياء الفلسطينية في القدس، مضيفا ان "الجهاز القضائي يبث رسالة الى سكان القدس الشرقية مفادها انه في كل ما يتعلق بحقوقكم فأنتم اقلية محتملة لكن حقوقكم معلقة. انتم تعتبرون مشبوهون وحضوركم، واملاككم وقدرتكم على التعبير ليست حقا لكم وانما منة نعطيها لكم".

عدالة: تطبيق القانون في القدس الشرقيّة مناقض للقانون الإسرائيلي والدولي:

يشار الى ان المحكمة العليا ستعقد جلسة في العاشر من أيلول المقبل للبت في تطبيق قانون أملاك الغائبين على عقارات سكّان الضفة الغربيّة الكائنة في القدس الشرقيّة. ومع اقتراب موعد الجلسة، قدّم مركز عدالة طلبًا للانضمام للجلسة بصفته صديقًا للمحكمة، وذلك من أجل تقديم وجهة نظر في القضيّة، وقد قدّمت المحاميّة سهاد بشارة من مركز عدالة مستندًا قضائيًا يفصّل موقف عدالة القانونيّ، حيث يرى بأن وجهة نظر المستشار القضائي فاينشطاين تمس بالوضع القائم منذ عشرات السنوات، وهو الوضع الذي أيده المستشارون القضائيون منذ احتلال القدس في العام 1967، والذي يقول بأن القانون لا ينطبق على أملاك سكّان الضفة الغربيّة الواقعة في القدس الشرقيّة.

وجاء في ورقة "عدالة" ان الإعلان بأن سكّان الضفة هم بمكانة "غائبين" لم ينتج عن أي تغيير في مكانتهم القضائيّة، بل نتج عن قرار من طرف واحد اتخذته دولة إسرائيل، حين قررت ضم القدس المحتلة إلى أراضيها بما يتناقض مع القانون الدولي الإنساني، وأن تطبق القانون الإسرائيلي على هذه المنطقة، في هذا الوضع، يُعتبر قرار إعلان سكّان الضفة الغربيّة كغائبين مستهجن للغاية، بحيث أنهم سيكونون غائبين رغم أنهم لم يتركوا بيوتهم. المستشار القضائي السابق للحكومة، ميني مزوز، أيّد وجهة النظر هذه؛ وأوضّح في وجهة نظره القانونيّة بأن "غياب مالكي عقارات القدس الشرقيّة من سكّان الضفة الغربيّة هو غياب تقنيّ الطابع، فهم تحوّلوا إلى غائبين عن طريق قرار أحادي الجانب اتخذته دولة إسرائيل." ويضيف مزوز في وجهة نظره القانونيّة بأن "الحديث يدور عن "غائبين حاضرين" سُلب حقهم على أملاكهم على أثر الصياغة التقنيّة الجارفة للقانون.

لقد تم سن قانون أملاك الغائبين بهدف واضح ومعرّف وفي سياق سياسي-قضائي محدد، ولذلك لا يمكن تطويره بما يتلاءم مع الواقع الجيوسياسي المتغيّر. الموقف الرسمي الذي أعلنته دولة إسرائيل على أثر سنه هو بأن القانون هو قانون طوارئ ناتج مباشرةً عن حالة الحرب، والدولة واعية لكونه قانونًا استثنائيًا، وأنها لا تنوي مصادرة الأملاك إلى الأبد. عليه، فإن تفسير القانون يجب أن يكون تفسيرًا مرتبطًا دائمًا بسياق سنّه، وهو السياق التاريخي لنكبة 1948، ولا يمكن تحويله إلى قانون مثل أي قانون آخر في قوانين الأملاك.

كذلك، يتناقض تطبيق قانون أملاك الغائبين على عقارات القدس الشرقيّة مع تعليمات القانون الدولي. فالقانون المطبّق على سكّان الضفة الغربيّة هو القانون الدولة الإنساني، والذي يجبر القوى المُحتلّة بألا تمس بأملاك المدنيين دون حاجة أمنيّة ملحّة. بالإضافة إلى هذا، فان القانون الدولي يتعامل مع القدس كمنطقة محتلّة ويرفض الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية عليها، كما يظهر من خلال قرار المحكمة الدوليّة بشأن جدار الفصل العنصري. عليه، فإن مصادرة الأملاك الشخصيّة لسكان الضفة القائمة في شرقي القدس، تشكّل مسًا خطيرًا بالواجبات الملقاة على إسرائيل كقوة مُحتلّة.

وأضافت المحاميّة سهاد بشارة في وجهة النظر التي قدّمها مركز عدالة للمحكمة العليا بأن "قرار إسرائيل تطبيق قانون أملاك الغائبين على المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربيّة، يقضي بأن يتم تطبيق القانون على العقارات في إسرائيل التي يملكها المستوطنون في الضفة الغربيّة. وشددت وجهة النظر القانونيّة على أن القانون لا يتطرّق إلى المكانة القانونيّة للمالك باعتباره مواطنًا، بل يتطرق إلى مكان سكنه. وذلك مختلف بالنسبة لسكان الضفة الغربية الفلسطينيين وسكان الضفة الغربية المستوطنين، في المستوطنات غير القانونيّة، وذلك يشكّل انتهاكًا خطيرًا لمبادئ منع التمييز التي تضمنها الوثيقة الدولية لوقف كافة أشكال التمييز العنصري وتنطبق وتُعتبر ملزمة أيضًا في المناطق المحتلة.
 

التعليقات