دراسة: شارون خطط لاجتياح بيروت مسبقًا لتنصيب سلطة"مريحة" لإسرائيل

لدافع للحرب لم يكن طرد منظمة التحرير الفلسطينية من الأراضي اللبنانية فحسب، وإنما لتنصيب سلطة "مريحة" لإسرائيل في لبنان وأن خطة اجتياح بيروت أعدت مسبقًا، وأن التخطيط للاجتياح استغرق أكثر من عام، خلافًا للرواية الإسرائيلية المتبعة

دراسة: شارون خطط لاجتياح بيروت مسبقًا لتنصيب سلطة

شارون وبشير الجميّل، مطلع أيلول (سبتمبر) ١٩٨٢

تناول المحلل الأمني في صحيفة "هآرتس"، أمير أورن، اليوم، دراسة أعدها قبل نحو ثلاثة عقود باحثان في الجيش الإسرائيلي حول خلفية ودوافع الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام ١٩٨٢، والتي توضح بأن الدافع للحرب لم يكن طرد منظمة التحرير الفلسطينية من الأراضي اللبنانية فحسب، إنما ايضا تنصيب سلطة "مريحة" لإسرائيل في لبنان، ويؤكد بأن خطة اجتياح بيروت أعدت مسبقًا، وأن التخطيط للاجتياح استغرق أكثر من عام، خلافًا للرواية الإسرائيلية الدارجة، التي تزعم أن التخطيط كان لعملية محدودة بهدف إبعاد النيران الفلسطينية عن الحدود الشمالية.

وتبيّن الدراسة أن رئيس الحكومة آنذاك، مناحيم بيغين، ووزير الأمن آريئيل شارون، ورئيس هيئة الأركان في الجيش رفائيل إيتان، كانوا شركاء في وضع خطة الاجتياح.

وقال أورن إن الدراسة ستنشر قريبًا بمرور عشرين عامًا على مقتل أحد مؤلفيها وهو العقيد مئير مانتس، الذي قتل في العام ١٩٩٣ في عملية عسكرية في قطاع غزة. وكتب أورن أن الدراسة التي أعدها مانتس وضابط المخابرات إيتان كالمر، هي على ما يبدو الخطوة الأجرأ في الجيش الإسرائيلي لكشف الخديعة التي أعدها الثلاثي، بيغين وشارون ورافول، ولهذا السبب أخفى الجيش الإسرائيلي الدراسة لسنوات طويلة عن الباحثين والمواطنين على الرغم من أهميتها التاريخية، الأمر الذي يسهم في استمرار صناعة "الوعي  المضلل أو الكاذب"، كما كتب، ويؤكد أن الجيش يمنع نشر دراسات داخلية عن حرب لبنان الأولى خشية المواجهة مع المستوى السياسي ومع عائلة شارون، كما يمتنع عن مطالبتها بارجاع المستندات العسكرية التي تتعلق بحرب لبنان الأولى والتي لا تزال بحوزتها.

وكتب أورن أن الدراسة تستعرض في مقدمتها التدخل الإسرائيلي في لبنان وجاء فيها أن  "مساعدة المسيحيين في شمال لبنان وجنوبها ازدادت مع وصول الليكود إلى السلطة في إسرائيل، خصوصًا بعد استقالة وزير الأمن العيزر فايتسمان،  اي في الفترة التي كان شارون وإيتان في  مركز صناعة القرار إلى جانب بيغين (الذي تولى وزارة الأمن من صيف ١٩٨٠ حتى صيف ١٩٨١، وكان خلف قرار ضم الجولان) كانا ".

ففي أيلول (سبتمبر) من العام ١٩٧٩، أي بعد عام ونصف من عملية الليطاني، لخص وزير الأمن آنذاك فيتسمان أهداف الحرب المقبلة وحددها: "تدمير قوة المخربين في جنوب لبنان ومنطقة الساحل"، وأما الهدف الثانوي فكان "الطموح إلى الربط بين الجيوب المسيحية في منطقة جونيه في الشمال مع المنطقة الجنوبية على امتداد الساحل، ومحاولة تشكيل حكومة مريحة لإسرائيل".

وقال أورن إن أهداف الحرب المقبلة التي وضعها فيتسمان كانت واضحة: التخلص من منظمة التحري وابعادها من الجنوب، دون الاشارة أو ذكر لتواجد الجيش السوري في لبنان أو محاولة المواجهة معه، وهو ما يختلف كلياً عما نفذه شارون وسعى إليه.

وفي اعقاب توجيهات فايتسمان أعد الجيش خطة عسكرية حملت اسم "أبناء الذوات" لاحتلال جنوب لبنان. ويقول أورن إنه من المثير معرفة ما اذا كان الحاسوب قد اختار اسم العملية صدفة، أو إنه يرمز إلى العلاقات الوثيقة التي ربطت إسرائيل ببشير الجميل وداني شمعون.

وفي أيار (مايو)، أي قبل الانتخابات التي أبقت بيغين رئيساً للحكومة ونصبت شارون وزيراً للأمن، أجريت في هيئة الأركان مناورة حرب وهمية تعاملت مع ٣ خطط عسكرية لـ"تدمير القوات السورية والمخربين" في مناطق مختلفة في لبنان، وذلك "بهدف خلق شروط ملائمة لتسوية سياسية جديدة داخل لبنان، من شأنها تحسين الوضع الأمني لإسرائيل"، أو "بهدف اتاحة حرية الحركة في الأجواء اللبنانية وتوسيع الحزام الأمني ليصل إلى بلدات الشمال (اللبناني)".

وأوضح أورن أن بعد وضع أهداف جديدة للأهداف التي وضعها فيستمان، بلورت خطة جديدة حملت اسم "الأرز"، وهي بمثابة الوريث الشرعي لخطة "أبناء الذوات"، حسب أورن.

وتشير الدراسة إلى أن في العامين السابقين للحرب "لم يجر أي نقاش على مستوى وزير الأمن والحكومة حول أهداف الحرب أو العملية، حتى في حال حدوثها". وأضافت الدارسة أن "هيئة الأركان وقسم العمليات استغلوا هذا الفراع لتوسيع أهداف الحرب وقلب سلم الأولويات".

وتوضح الدراسة أن مع تولي شارون وزارة الأمن تم إبعاد قائد الجبهة الشمالية، افيغدور (يانوش) بن غال، من منصبه بعد أربعة أعوام من توليه المنصب، وتم اعداد خطة جديدة تعرض لأول مرة حملت عنوان "الصنوبر" على أنها نسخة مطورة من خطة "الأرز".

وقد حدد شارون أهداف الخطة الجديدة في ٣٠ تشرين أول (أكتوبر) من العام ١٩٨١، وهي "القضاء على الإرهابيين، قواتهم وقواعدهم العسكرية والسياسية". وتوضح الدراسة أن شارون كان يدرك ما لم يدركه أعضاء الحكومة، بأن الهجوم على القوات الفلسطينية بالمدفعية لا يكفي وليس ناجعاً طالما أن مقرات القيادة العسكرية بقيت "محصنة" من الاستهداف، لذا وضع في أوليات أهدافه ضرب المراكز القيادية.

ويشير أورن إلى أن ذلك كان قبل طموح شارون بطرد ياسر عرفات ورفاقه إلى دولة أخرى، في اطار "الترتيبات الجديدة في الشرق الأوسط" (اسقاط النظام الهاشمي في الأردن واقامة دولة فلسطينية هناك).

وتبيّن الدراسة أن شارون قال أمام هيئة الأركان إن "المقصود منذ البداية أن الهدف يشمل بيروت، وانه سيتم تخطيط العملية بشكل متدحرج، لأسباب من بينها التخوف من رد أميركي، ولذلك لن يتم اشراك كامل القوات في الهجوم منذ البداية، ولكن يجب عدم الاكتفاء بمخططات جزئية تلبي جزء من الأهداف فقط، رغم أنه من المحتمل أن يتم تنفيذ جزء منها فقط. يجب وضع خطة تتجاوب مع كل الأهداف – علاقات سريعة مع المسيحيين، خلق تهديد يجعل السوريين ينسحبون، وخلق وضع يمنع تمكن المخربين من الانسحاب دون أن تتم معالجتهم بشكل جوهري".

وتضيف الدراسة: "مع دخول وزير الأمن الجديد إلى منصبه، هبت رياح جديدة انعكست على أهداف الحرب أيضًا، حيث أعيد طرح القضاء على الارهابيين على رأس سلم الأولويات، ولأول مرة أضيفت بيروت إلى أهداف الحرب، وحدد وزير الأمن تغيير السلطة في لبنان كهدف لا يخضع لأي شروط. ومن هنا فإن دخول شارون الى منصبه أدى إلى توضيح أهداف الحرب للقيادة العسكرية، وهو ما لم يتم منذ أيلول (سبتمبر) 1979. ومن جانب آخر، أعطى شرعية لتوسيع أهداف الحرب عن تلك التي حددها فايتسمان وعملت القيادة العسكرية بموجبها".

وتظهر الدراسة أنه خلال مناقشة تنفيذ المخططات الحربية لدى رئيس هيئة الأركان، تم استبدال تدريج الأهداف، حيث أصبح الهدف الثالث بالنسبة لايتان، هو الهدف الأول بالنسبة لشارون، والعكس بالعكس، وباستثناء ذلك تمسك إيتان بتوجيهات وزير الأمن. وتواصل بين الرابع من كانون الأول (ديسمبر) 1981 وحتى السادس من حزيران (يونيو) 1982 العمل على صياغة خطط الهجوم على لبنان في اطار سلسلة من الاستعدادات، بدء من ضم هضبة الجولان إلى إسرائيل وما تبع ذلك. وفي اطار المصادقة على مخططات ألوية القيادة الشمالية "36" و"91"، قال شارون موضحًا الهدف الرئيسي الذي يحتم اجتياح بيروت وأن "هدف التدمير الجسدي ينطوي على أبعاد تتجاوز تحقيق الهدوء لشمال الجليل، إلى امكانية الحوار مع الجمهور الفلسطيني في المناطق الفلسطينية التي نسيطر عليها، والذين لا يمكن التوصل إلى حوار معهم طالما كانوا يخضعون إلى تهديد تنظيمات المخربين. وطالما كانت قيادات منظمة التحرير الفلسطينية و10 -20 ألف محارب من قواتها موجودين في لبنان، لن نتمكن من التوصل إلى حوار واتفاق مع عرب يهودا والسامرة (الضفة)، على اقامة نوع من خطة الحكم الذاتي".

وعرضت خطة "الصنوبر" أمام الحكومة لأول مرة في 20 كانون الأول (ديسمبر) 1981. وجاء في الدراسة: "من المناسب الالتفات إلى نقطتين اساسيتين: الأولى، أن شارون لا يؤكد ولا يبرز الإشكالية المعروفة له وللقائد العام، بشأن محاربة الارهابيين في المناطق الخاضعة للسيطرة السورية، والثانية اأنه يرى علاقة بين كل الأهداف، بحيث أن تحقيق الهدف الثالث (انسحاب القوات السورية) سيتيح تحقيق الهدف الرابع (تشكيل حكومة تعيش بسلام مع إسرائيل)، الأمر الذي يحتم خلق تواصل جغرافي مع قوات بشير الجميل في الشمال".

ويوضح أورن أن شارون انفرد عمليًا بمسؤولية العلاقات بين الجيش والحكومة، وبما أن القيادة العسكرية كانت متحمسة للحرب، فإنه لم تكن هناك اي قناة رسمية يمكنها تحذير الوزراء من أن بيغن وشارون وإيتان يحيكون من وراء ظهورهم أهدافًا سرية ويوسعون خطة تم الادعاء بأنها محدودة. وفي الرابع من أيار (مايو) 1982، قبل ٣٢ عاماً، قال شارون خلال محادثة مع الضباط في الشمال: "يجب محاولة فحص إمكانية خلق واقع سياسي آخر في لبنان، ما دام الجيش سيتواجد في بيروت".

وأضاف: "الخروج إلى الحرب ليس هدفًا اسرائيليًا، ولكن ما دامت ستخرج، يجب فحص هذه الإمكانية". وأوضح أن الجيش الذي سيصل إلى بيروت لطرد القوات السورية منها خلال ٤ أيام، سيضطر إلى البقاء فيها لتحقيق هذا الهدف لفترة تتراوح بين ثلاثة وستة شهور على الأقل".

وكتب أورن: "لقد أخطأ شارون، فالجيش بقي في لبنان، خارج بيروت، وليس في المدينة، ليس لنصف سنة وإنما لمدة ١٨ عاما". وتابع: "شارون كان يختار الجمهور الذي يكشف أمامه نواياه الخفية، فهو لم يقل ذلك للوزراء وأعضاء الحكومة المسؤولة عن الجيش، وإنما فقط للضباط العسكريين الذين تتحتم معرفتهم بأفكاره الكاملة كي يتسنى لهم تنفيذ الأوامر والتوجيهات.

ويروي أورن أن خلافًا نشب بين بيغن وشارون وإيتان في ١٣ أيار (مايو)، حيث أصر إيتان على فهم أهداف الحرب بشكل مغاير لما فهمه شارون وبيغن. وقال "إن الأهداف لم تتغير كأمر ملزم للجنرالات، وإنما تغيرت الصياغة فقط، وقال: "كي نخفي نوايانا، النوايا التي تكمن في خطة "الصنوبر"، علينا أن ننشر بأن هدف العملية هو إبعاد نيران المدفعية عن بلداتنا".

وقال أورن إنه تم إخفاء النوايا الحقيقية للحرب عن الوزراء والجنود والمواطنين، اولئك الذين تم تجنيدهم للخدمة الاحتياطية، واولئك الذين طلب منهم دعم الحكومة والجيش خلال الحرب. وتقرير مينتس وكالمر الذي تم التستر عليه، ولم يتم كشفه إلا بعد أن خرج من تحت سيطرة الجيش، يعتبر نصبا صامتا لمئات قتلى الجيش في لبنان، والذين قتل الكثيرين منهم بنيران جيش بيغن وشارون ورفول، وكذلك نصبا لضابط شجاع واحد، أحد كاتبي التقرير، الذي قتل في غزة بعد ثلاثة شهور من توقيع عرفات ورابين على اتفاق "غزة أولا".

 

 

التعليقات