"المواليد مشوّهو الخِلقة" في الفلوجة

"أصبح لكل عائلة من باب التقريب مولودها المشوه الخلقة في الفلوجة. وترفض السلطات العراقية الالتفات إلى هذا الموضوع الذي لا يتوفر عنه أي إحصاء رسمي"

هل استعمل الجيش الأمريكي الأسلحة النووية في العراق؟".
 إنه السؤال الذي طرح من طرف إذاعة "France Info" يوم الجمعة 10 حزيران/ يونيو. وبمشاركة مجلة "Paris-Match"، توجهت مراسلة الإذاعة "  Angélique Férat" في المنطقة إلى الفلوجة المدينة التي تقع على بعد يقارب خمسين كيلومترا من بغداد.
 
في نيسان/ أبريل، ثم في أيلول/ سبتمبر من سنة 2004، اقتُحمت المدينة التي تعد حصنا للانتفاضة، وتم هدمها جزئيا من قبل القوات الأمريكية. ومنذ ذلك الحين، شهدت المدينة عددا مرتفعا جدا من الأطفال المشوهين أثناء الولادة، وإلى حد، حسب الصحفية: "أصبح لكل عائلة من باب التقريب مولودها المشوه الخلقة في الفلوجة. وترفض السلطات العراقية الالتفات إلى هذا الموضوع الذي لا يتوفر عنه أي إحصاء رسمي.
 
ليست الصحفية الفرنسية هي السباقة للاهتمام بحال الأطفال في الفلوجة. فمنذ شهر أيار/مايو 2008، تخوفت القناة التلفزيونية البريطانية "Sky News" من نسبة التشوهات الخَلْقية في الفلوجة. ولقد تحدث مسؤول منظمة وطنية "ONG" ذات طابع محلي عن مائتي (200) حالة من التشوهات جاء أغلبها بعد قنبلة المدينة.
 
وواصلت اليومية البريطانية "The Guardian" المَهِمَّة في تشرين الثاني/نوفمبر2009 بمقالتين، ملف مستندات وتحقيق تلفزيوني. فالجريدة التي أُنبئت من طرف طبيبة أخصائية في طب الأطفال في مشفى الفلوجة، وقفت على سبع وثلاثين (37) حالة من المواليد المشوهين في زمن يربو عن ثلاثة أسابيع. وفضلا عن ذلك، فإن أُمًّا شملها الاستفسار، صرحت أن لا أحد من أبنائها الثلاثة، الذين تقع أعمارهم بين ثلاث وست سنوات، قادر على المشي. ولا يستطيعون تناول غذائهم بصورة مستقلة.
 
بالنسبة لأطباء المشفى، إنه الاستغلاق في الفهم!. وتجنبا للوقوع في الخطأ، يرفضون إقامة علاقة مباشرة بالمعارك التي كانت المدينة مسرحا لها في سنة 2004. وفي تقديرهم، هناك عوامل عديدة يمكن أن تفسر هذه التشوهات: تلوث الهواء، الإشعاعات، الملوثات الكيميائية، الأدوية المستعملة في فترة الحمل، سوء التغذية وقلق الأم.
 
وفي شهر آذارِ/مارس 2010، جاء دور صحافي من "BBC" ليكون في عين المكان "عندما تكونون هناك، فإن التجليات تبدو مريعة"، بحسب شهادته وشرحه لمشاهدة صورة مولود بثلاثة رؤوس.
 
"في الظروف العادية، فإن احتمال مثل هذه الظواهر معدوم"
         
استقطبت هذه التحقيقات المختلفة أنظار باحثين علميين. وكان "Chistopher Busby " مدير وكالة المعاينة البيئية "Green Audit" هو الأشهر لإبلاغه عن استعمال اليورانيوم المنضب. فقد حلّ بالمكان، وأعدّ بمعية "Malak Hamdan" و"  Entesar Ariabi" فحصا بمقابلة مواطنين على أساس استبيان.
 
ونشرت النتائج في تموز/ يوليو 2001 في "الجريدة العالمية للبيئة والبحث في الصحة العامة". وفي الفترة 2006 ـ 2009، ارتفعت نسبة الوفيات في الفلوجة إلى ثمانين (80) في الألف، في حين أنها في دول الجوار كمصر والأردن تتحدد في النسبتين 19.8 في الألف و17 في الألف على الترتيب.
 
أنجزت دراسة جديدة في شهر ديسمبر 2010 من قبل فريق آخر من الباحثين، وظهرت في نفس الدورية. وكانت النتائج مفحمة: ففي الفلوجة، كان حظ كل مولود جديد يزيد بإحدى عشرة مرة للإصابة بتشوهات مقارنة بباقي العالم. "ومن المهم الإدراك أن نسبة مثل هذه الظواهر تكون معدومة في الظروف العادية"، حسب تفسير" Mozhgan Savabieasfahani" أحد معدي التقرير.
 
وفي شهر أيار/ مايو 2010، كانت نسبة خمس عشرة (15) في المائة من بين 547 طفل مولود يبدون تشوهات بليغة. في حين أن نسبة  إحدى عشرة (11) في المائة ولدوا خدائج (قبل ثلاثين أسبوعا من الحمل).
 
ولأول مرة، تشير هذه الخلاصات بوضوح إلى أن احتمال الإصابة بالأضرار الوراثية مقترن بالسلاح المستعمل من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، وخصوصا اليورانيوم الأقل إشعاعا من اليورانيوم الطبيعي.
 
واليورانيوم المنضب هو معدن ثقيل وشديد الكثافة، ويستعمل في صناعة رؤوس القذائف وتحسين قدرتها على الخرم "الثقب". وككل المعادن الثقيلة، فإنه يمثل خطرا تسمميا إذا تسرب إلى المعدة أو نفذت شظاياه تحت الجلد. وقانونيا، تم التصريح باستعماله العسكري، ولكن لم يسبق أن أقيمت علاقة لذلك مع أطفال الفلوجة.
 
"يورانيوم مخصب؟ غير معقول"
 
في دراسة أخيرة ستظهر لاحقا في المجلة العلمية البريطانية "The Lancet"، ذهب "Chistopher Busby" إلى أبعد حدّ: فقد حلل هذا البريطاني عينات من التربة، الشعر، الهواء والماء. وأكد وجود آثار من اليورانيوم المخصب.( إن استعمال اليورانيوم المخصب في ميادين المعارك أين يوجد جنودكم الحقيقيون أمر غير معقول). ذلك ما قاله في اندهاش "Jean-Dominique Merchet" صحافي متخصص في القضايا العسكرية ومؤلف دفتر" سر الدفاع" "Secret défense".
 
على خلاف اليورانيوم المنضب، فإن اليورانيوم المخصب مشع. وتسمح استعمالاته بإعطاء دفع حركي للغواصات وناقلات الطائرات والقذائف النووية.
 
ويذكّر الصحافي نفسه، أيضا، بأن في الوقت الذي كان فيه الرئيس صدام حسين في السلطة، استغل حالة الأطفال الصغار المشوهين، "واصطحب الصحفيين لزيارة مآوي الأيتام أين يشكو الأطفال من التشوهات"، حسب ما يتذكر.
 
في انتظار نشر المقال من طرف مجلة "The Lancet" مع إثباتات عند الاقتضاء، فإن "Jean-Dominique Merchet " يدعو إلى الحذر.
 
(نشر في "لوموند" الفرنسية)

التعليقات