مقال في "نيويورك تايمز": المسافة بين اللد ونابلس ابعد من ماسشوستس الامريكية

وتعج مساحة الثلاثين ميلا التي تفصل بين مدينتينا بسلسلة من الجدران، ونقاط تفتيش والمستوطنات والجنود، ما يجعل احتمال اللقاء على الجانب الاخر من الكرة الارضية اقوى منه في ارضنا. ولا يبدو ذلك اكثر واقعية منه عندما نكون في رحلة العودة الى الوطن من اقامتنا خارج واشنطن.

مقال في




نشرت صحيفة "نيويرك تايمز" مقالا ليوسف المنير، المدير التنفيذي لصندوق القدس، وهو من فلسطيني العام 1948 يحمل الجنسية الاسرائيلية، سافر الى الولايات المتحدة للحصول على شهادة جامعية، وخلال تلك الفترة التقى فلسطينية من الضفة الغربية، ووجد كل منهما في الاخر ضالته ودخلا القفص الذهبي. لكنه لم يكن ذهبيا بعد عودتهما الى فلسطين التاريخية، وفيما يلي ما يشرحه المنير عن حياته وعما يقال من ان الاسرائيليين، وهو اسرائيلي الجنسية، سواسية.:

"أنا فلسطيني ولدت في مدينة اللد في اسرائيل، وبناء عليه فانني مواطن اسرائيلي. اما زوجتي فليست كذلك، فهي فلسطينية من مدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة. وغم ان مدينتينا لا تبعدان عن بعضهما اكثر من 30 ميلا، فقد التقينا في مكان يبعد 6 آلاف ميل في ولاية ماسشوسيتس الاميركية، حيث كنا نتلقى العلم في جامعات متقاربة.

وتعج مساحة الثلاثين ميلا التي تفصل بين مدينتينا بسلسلة من الجدران، ونقاط تفتيش والمستوطنات والجنود، ما يجعل احتمال اللقاء على الجانب الاخر من الكرة الارضية اقوى منه في ارضنا. ولا يبدو ذلك اكثر واقعية منه عندما نكون في رحلة العودة الى الوطن من اقامتنا خارج واشنطن.

ان مطار تل ابيب الذي يطلق عليه اسم مطار بن غوريون الدولي يقع في ضواحي مدينة اللد، ولكن لان زوجتي تحمل هوية فلسطينية، فانها لا تستطيع السفر جوا الى هناك، وعليها ان تركب الطائرة الى العاصمة الاردنية عمان. واذا قمنا بترتيب رحلة سوية، وهو عمل يسعد به معظم الازواج، فان علينا ان نعد رحلة متعرجة طويلة تذكرنا بمدى عمق عدم المساواة بيننا من حيث القانون في كل ركن نهبط به.

حتى وان كنا نركب الطائرة معا الى عمان، فان علينا ان ننطلق عبر جسرين مختلفين يبعدان عن بعضهما ساعتين، وان نتحمل الانتظار والتحقيق المذل للعبور الى اسرائيل والضفة الغربية. القوانين تتآمر للتفريق بيننا.

واذا كان لنا ان نعيش في المنطقة، فان علي التخلي عن مكان اقامتي، على اساس ان القانون الاسرائيلي يحظر على زوجتي العيش معي في اسرائيل. والسبب في ذلك كما يقول رئيس وراء اسرائيل بنيامين نتنياهو هو منع "التدفق الديموغرافي". ويعتَبر الاطفال الفلسطينيون الجدد في اسرائيل بمثابة "تهديد ديموغرافي" في دولة تكافح باستمرار للاحتفاظ بغالبية يهودية فيها. (لكن الاسرائيليين والاسرائيليات الذين يتزوجون من اميركيات واميركيين او اجانب غير فلسطينيين لا يعاملون بهذه الطريقة). وفي الاسبوع الفائت احتفلت اسرائيل بالذكرى الـ64 لاستقلالها، وهي ايضا ذكرى النكبة التي حولت المواطنين الفلسطينيين الاصليين الى لاجئين. ففي العام 1948 ساعد قاد الكتيبة الاسرائيلي اسحق رابين على اخراج سكان اللد الفلسطينيين من مدينتهم. واجبِرَ حوالي 19 الفاً من سكان المدينة التي كان يقيم فيها 20 الف مواطن فلسطيني على مغادرتها. وكان اجدادي من بين الالف الذي تمسكوا ببقائهم في المدينة.

وكانوا محظوظين بأن اصبحوا مشردين داخلياً وليسوا لاجئين. وبعد سنوات من ذلك تمكن جدي من اعادة شراء منزله – وكان ذلك من اقسى سخريات الزمن، ولكنه مصير افضل من ذلك الذي فرض على معظم جيرانه، الذين لم يسمح له قط باعادة ارساء حياتهم في مدينتهم الاصلية.

بعد ثلاثة عقود، في تشرين الاول (اكتوبر) 1979، ذكرت هذه الصحيفة ان اسرائيل حظرت على رابين ان يدون بالتفصل في مذكراته اعترافاته بـ"طرد سكان مدنيين من اللد والرملة، بلغ عددهم حوالي 50 ألفا". وسعى رابين الذين تولى منصب رئيس الوزراء في وقت لاحق، الى وصف الامر بانه "كان اساسيا لاخراج السكان من هناك".

بعد جيلين من وقوع النكبة، لا تزال اثار سياسة التمييز الاسرائيلية تتردد في البلاد. اذ لا تزال اسرائيل تسعى الى حماية صورتها بالادعاء بانها حصن للديمقراطية وتعامل مواطنيها الفلسطينيين معاملةً حسنة، في الوقت الذي تمارس فيه اسرائيل سياسات متعصبة تستهدف مواطنيها على وجه التحديد. وهناك تاريخ طويل يتناول سياسة التمييز الاسرائيلية. في خمسينات القرن الماضي سمحت قوانين جديدة للدولة بالسيطرة على اراضي الفلسطينيين باعتبار انهم "غائبون". ومن الطبيعي ان الدولة الاسرائيلية هي التي جعلتهم غائبين إما بمنع اللاجئين من العودة الى اسرائيل او بعدم السماح للمشتتين في الداخل من الوصول الى ارضهم. ومن سخريات القدر ان اطلقت اسرائيل على المجموعة الاخيرة لقب "الغائبون الحاضرون" – الذين يمكنهم مشاهدة اراضيهم من دون ان يتمكنوا من ان يطأوها باقدامهم بسبب القيود العسكرية التي تسببت في مصادرة الدولة لها على مرأى منهم. وظل المواطنون الفلسطينيون يخضعون للحكم العسكري حتى العام 1966.

ان اي يهودي من اي دولة يستطيع اليوم ان ينتقل الى اسرائيل، بينما لا يستطيع ذلك اللاجئ الفلسطيني وان كان صاحب حق شرعي في املاك له داخل اسرائيل. ورغم ان الفلسطينيين يشكلون حوالي 20 في المائة من سكان اسرائيل، فان ميزانية العام 2012 خصصت اقل من 7 في المائة للمواطنين الفلسطينيين. ومما يؤسف له بالنسبة الى الفلسطينيين ان الصهيونية تسعى وراء اقامة دولة بهدف تدعيم والمحافظة على غالبية يهودية، حتى وان كان ذلك على حساب مواطنيها من غير اليهود، وليس احتلال الضفة الغربية الا جزءا من ذلك. وما بقي اليوم بين نهر الاردن والبحر الابيض المتوسط هو اساسا دولة واحدة، تحت الحكم الاسرائيلي، حيث لا يحصل الفلسطينيون الا على حقوق محدودة بدرجات مختلفة: 1.5 مليون مواطن من الدرجة الثانية، وأربعة ملايين ليسوا مواطنين على الاطلاق. واذا لم يكن ذلك سياسة عنصرية، فايا كانت الا انها ليست ديمقراطية. وفشل القادة الاسرائيليين والاميركيين في ادراك كنه هذه الحقيقة غير الديمقراطية لا يجدي نفعا. وحتى إن امكن التوصل الى حل الدولتين، وهو ما يبدو خياليا في هذه المرحلة، فان تناقضا راسخا يظل قائما: فهناك اكثر من 35 قانونا في اسرائيل الديمقراطية ظاهريا، تقر التمييز ضد الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية.

وكل ما يقال عن القيم المشتركة بين اسرائيل والولايات المتحدة، فان الديمقراطية للاسف ليست احداها في الوقت الحالي، ولن تكون كذلك ما لم يعمد قادة اسرائيل الى الاعتراف بالفلسطينيين باعتبارهم مساوين ليس اسما وحسب، ولكن حسب القانون
 

التعليقات