8 طائرات إسرائيلية ألقت 17 طنا من المتفجرات فوق دير الزور

"التقديرات الإسرائيلية بالتكتم على العملية يتيح للأسد المجال للإنكار والتنصل من الرد العسكري على قصف على دير دير الزور، قد تحققت".. * أولمرت يبلغ مصر والأردن وروسيا وتركيا بالهجوم بعد تنفيذه..

8 طائرات إسرائيلية ألقت 17 طنا من المتفجرات فوق دير الزور

نشرت المجلة الأمريكية "نيو يوركر"، اليوم الاثنين، تحقيقا موسعا حول قصف المنشأة السورية، التي اعتبرت على أنها مفاعل نووي سوري، من قبل إسرائيل في العام 2007، مشيرة إلى أنه تم استخدام 17 طنا من المتفجرات ألقتها 8 طائرات إسرائيلية حربية فوق دير الزور.

وعلم أن معد التقرير هو ديفيد مكوفسكي، وهو يهودي أمريكي عاش لسنوات في إسرائيل، وعمل مراسلا سياسيا لـ"هآرتس" و"جيروزاليم بوست"، ويعمل اليوم باحثا في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط. وبحسبه فقد استند في تحقيقه إلى محادثات مع 12 مسؤولا إسرائيليا، ومثلهم من كبار المسؤولين الأمريكيين، الذين كان لهم دور في اتخذ القرار بشن الهجوم.

وبحسب "نيو يوركر" فإن إسرائيل اشتبهت بأن سورية جددت العمل على برنامجها النووي في العام 2006، وتركزت المعلومات الاستخبارية الأولية على مبنى كبير أقيم في دير الزور. وفي السابع من آذار/مارس من العام 2007 اقتحم عملاء الموساد منزلا في فيينا كان يسكنه إبراهيم عثمان، وهو رئيس الوكالة السورية للطاقة الذرية، والذي كان يمكث في حينها هناك للمشاركة في اجتماع للوكالة الدولية للطاقة الذرية. وجاء أن عملاء الموساد، الذين لم يتركوا أي أثر خلفهم، تمكنوا من اقتحام حاسوب عثمان ونسخ نحو 36 صورة وصفت بأنها "تدين سورية".

وبحسب التحقيق فإن هذه الصور كان من داخل المبنى السري، الذي أطلق عليه "الكبر"، ويظهر في بعضها عمال من كورية الشمالية، الأمر الذي أكد مخاوف إسرائيل، وهو أن بيونغ يانغ تعمل على إقامة مفاعل بلوتونيوم لسورية على بعد 800 متر من نهر الفرات بالقرب من الحدود مع تركيا والعراق. ونقل التقرير عن خبراء الموساد الذين عاينوا صورا جوية والصور التي تمت سرقتها، تقديراتهم بأن الهدف من إقامة هذه المنشأة هو إنتاج قنبلة نووية.

وأضاف التحقيق أنه في الغداة اجتمع رئيس الموساد في حينه مئير دغان، ومسؤولون آخرون مع رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه إيهود أولمرت، وأكدوا على أنه على إسرائيل أن تعمل بسرعة، لأنه في حال أصبح مفاعل البلوتونيوم فعالا فإن قصفه سيؤدي إلى تلويث مياه الفرات بالأشعة.

وقالت "نيو يوركر" إن أولمرت سارع إلى عقد سلسلة مشاورات، بعضها جرت خلال اجتماعات بمنزله، مع كبار المسؤولين، بضمنهم شمعون بيرس وبنيامين نتانياهو وإيهود باراك، ووزير الأمن في حينه عمير بيرتس، ورئيس أركان الجيش غابي أشكنازي، ورئيس الموساد مئير دغان، ورئيس الاستخبارات العسكرية عاموس يدلين، ورئيس الشاباك يوفال ديسكين. ووقع جميع المشاركين على التزام بالحفاظ على السرية التامة.

وتابعت المجلة أنه تم عرض المعلومات والصور التي سرقت من حاسوب عثمان على كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، وعندها طلب الرئيس الأمريكي جورج بوش التحقق من الموضوع. وكانت تقديرات الخبراء الأمريكيين بأن الحديث عن مفاعل نووي أو مفاعل وهمي. وأشار التقرير إلى أن الإدارة الأمريكية لم تكن متحمسة لشن هجوم أمريكي، كما أن وزيرة الخارجية الأمريكية في حينه كونداليسا رايس فقدت الثقة بقدرة الجيش الإسرائيلي على تدمير "المفاعل" في أعقاب الحرب على لبنان في تموز/ يوليو 2006.

وبحسب مكوفسكي فإن رايس خشيت من أن الهجوم الإسرائيلي على سورية قد يؤدي إلى اندلاع حرب بين إسرائيل من جهة، وبين سورية وحزب الله من جهة أخرى، كما لم تشأ تعريض مؤتمر "أنابوليس" والمفاوضات الحساسة للدول العظمى مع كورية الشمالية للخطر.

وبعد 17 حزيران/يونيو من العام 2007، بعد اجتماع بوش مع كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية والاستخبارات، أبلغ إسرائيل بأن الولايات المتحدة لا تستطيع قصف المفاعل بدون إثبات وجود برنامج نووي عسكري سوري. كما أشارت المجلة إلى أن أولمرت حث بوش ووزير دفاع ديك تشيني على قيادة الهجوم على المنشأة السورية.

وقال التحقيق إن أولمرت حذر من فتح قناة دبلوماسية مع سورية حول المنشأة لتفكيكها استنادا لمعلومات استخبارية إسرائيلية، بادعاء أن ذلك يمنح الرئيس السوري الوقت لجعل المفاعل فعالا. ونقل عن المسؤول الأمريكي أليوت أبرامز قوله إن "شيئا لن يمنع الأسد من إقامة حضانة أطفال قرب المفاعل، أو نصب دفاعات جوية في المكان لإحباط الهجوم على المنشأة".

ويتابع التحقيق أن أولمرت خشي من تسريب معلومات من قبل المسؤولين الأمريكيين، كما أنه لم يطلب الضوء الأخضر من بوش لشن الهجوم، وفي الوقت نفسه فإن بوش لم يضع أمامه ضوءا أحمر، وهو ما اعتبره أولمرت على أنه ضوء أخضر، بحسب مصدر عسكري إسرائيلي.

إلى ذلك، يضيف التحقيق أن إسرائيل درست عدة خيارات عملانية؛ شن هجوم جوي واسع النظاق أطلق عليه "شكدي سمين"، أو شن هجوم على نطاق ضيق أطلق عليه "شكدي نحيف"، أو عملية بواسطة قوات كواندو برية. وكانت التقديرات السائدة في إسرائيل هي أنه في حال شن هجوم على نطاق ضيق فإن الأسد سيختار عدم الرد بشكل عسكري. وكانت تقديرات خبراء في علم النفس، استشارهم الجيش الإسرائيلي، تشير إلى أنه في حال لم تحشر إسرائيل الأسد في الزاوية بتصريح علني عن مسؤوليتها عن الهجوم فإن ذلك سيبقي أمام الرئيس السوري "حيزا للإنكار" يتيح له عدم القيام بأي شيء.

وأشار التحقيق إلى أن وزيرة الخارجية في حينه تسيبي ليفني، وممثلي الموساد والجيش أيدوا شن هجوم على نطاق ضيق. وفي حزيران/يونيو أرسل سرا طاقم خاص من "وحدات النخبة" الإسرائيلية إلى سورية، وجمع عينات من الأرض، والتقط صورا للمنشأة من بعد كيلومتر ونصف الكيلومتر.

ولفت التقرير إلى أنه في هذه الأثناء تم استبدال وزير الأمن عمير بيرتس بإيهود باراك. وبحسب مكوفسكي فإن باراك طلب التريث من أجل إتاحة المجال للجيش للاستعداد للرد السوري. ومن جهته فإن أولمرت اشتبه بأن باراك ينوي تأخير الهجوم إلى حين صدور تقرير فينوغراد النهائي خلال شهرين، على أمل أن يؤدي إلى استقالة أولمرت، وعندها يقوم باراك الهجوم. وفي الأسابيع التي تلت عقدت عدة اجتماعات للمجلس الوزاري المصغر، بحسب تصريح أحد الوزراء لـ"نيو يوركر".

وفي الأول من أيلول/ سبتمبر أبلغ يورام طوربوفيتش رئيس طاقم الموظفين في حكومة أولمرت البيت الأبيض بأن إسرائيل استكملت استعداداتها لشن الهجوم. كما أطلع الموساد نظيره البريطاني، أم آي 6، على تفاصيل القضية بدون الإفصاح عن معلومات عن الهجوم المرتقب. وفي الخامس من الشهر نفسه عقد اجتماع للمجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر، وصوت جميع الوزراء مع شن الهجوم، ما عدا الوزير آفي ديختر الذي امتنع عن التصويت. وتم تخويل أولمرت وباراك وليفني باتخاذ قرار بشأن موعد وطبيعة الهجوم. وعقد ثلاثتهم اجتماعا في اليوم نفسه في غرفة جانبية، وفي حينه نصح أشكنازي بشن الهجوم في الليلة ذاتها، وعلى نطاق ضيق، وهو ما تمت الموافقة عليه.

وقرابة منتصف الليل توجهت 4 طائرات "أف 16" و4 طائرات "أف 15" إلى الهدف من قواعد سلاح الجو الإسرائيلي. وبحسب مكوفسكي فإن إحدى هذه القواعد كانت "رمات دافيد" في الشمال. وحلقت الطائرات شمالا على طول ساحل البحر المتوسط، وبعد ذلك توجهت شرقا على طول الحدود بين سورية وتركيا. وقامت الطائرات بتفعيل وسائل حرب ألكترونية عرقلت عمل أنظمة الدفاعات الجوية السورية. وفي هذه الأثناء كان أولمرت وباراك يتابعان التطورات من الـ"كرياه" في تل أبيب.

ويضيف التحقيق أنه في الساعة 12:40 -  12:53 أبلغت الطائرات أنه تم إلقاء 17 طنا من التفجرات على المنشأة في صحراء شمال شرق سورية، وأنه تم تدمير المنشأة بدون أن تقع خسائر إسرائيلية. وبحسب مسؤول إسرائيلي فإن 35 شخصا عملوا في المنشأة قد قتلوا في القصف.

ويتابع التحقيق أنه بعد دقائق معدودة أبلغ أولمرت الرئيس الأمريكي بأن "شيئا ما كان موجود لم يعد كذلك، وتم ذلك بنجاح كبير". ويضيف التقرير أن سورية في الغداة اكتفت بنشر بيان كاذب، بموجبه فإن الدفاعات الجوية صدت هجمات إسرائيلية، وأن الطائرات المهاجمة فرت من المكان بعد أن ألقت ذخيرتها في الصحراء. وبالنتيجة فإن التحليل النفسي قد أصاب "الأسد أحس بالأمان في حيز الإنكار، وامتنع عن الرد العسكري على القصف".

كما أشار التقرير إلى أنه في الأسابيع التالية قامت إسرائيل بإطلاع مصر والأردن على الهجوم، وطلبت منهما التزام الصمت. كما توجه أولمرت إلى موسكو وأبلغ المسؤولين الروس، ولاحقا أبلغ رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان في لقائه معه في لندن.

وفي حين أشارت "هآرتس"، التي تناولت التقرير، إلى أن المسؤولين الأمريكيين، وبضمنهم بوش في مذكراته، بدأوا بالتحدث عن العملية الهجومية، فإن إسرائيل الرسمية لا تزال تلتزم الصمت.


 

التعليقات