ازدواجية معايير الإسلاميين المصريين في التعامل مع أزمة الفيلم المسيء

ردة الفعل هذه دفعت تلك التيارات والجماعات إلى التنصل سريعا من دعواتها للخروج في مظاهرات وقامت بشجب الهجمات على المقرات الدبلوماسية الغربية ونفت أي علاقة لها بالمتظاهرين الغاضبين. ما يلفت الأنظار في هذه الأحداث هو التناقض بين ردة فعل هذه الجماعات على أزمة اليوم مقارنة بردود فعلها على أزمة الرسوم الكاريكاتيرية العام 2005.

ازدواجية معايير الإسلاميين المصريين في التعامل مع أزمة الفيلم المسيء

 

في العام 2005 اهتز العالم الإسلامي وثار غضبه من نشر صحيفة دانمركية لرسوم كاريكاتيرية تظهر النبي محمد إرهابيا وداعيا لتحطيم الغرب وواعدا أتباعه عند موتهم في سبيل دينهم بالحور عين في جنان الخلد. وقتها اجتاحت بلاد العرب والمسلمين المظاهرات الاحتجاجية والدعوات التي أطلقها شيوخ وأئمة الحركات الدينية بضرورة مقاطعة الغرب والدانمرك اقتصاديا. الاحتجاجات شابها غضب مصحوب بعنف، واستغلتها قوى وتيارات الإسلام السياسي لمهاجمة الغرب وانتقاد حرياته التي تسمح بتشويه صورة الإسلام.

واليوم تندلع أزمة مشابهة أثارها نشر فيلم أمريكي يتهم رسول الإسلام بأفظع الاتهامات، وانتشرت الإشاعات بأن من يقف وراءه مجموعة من أقباط المهجر المصريين في الولايات المتحدة وهو ما أجج الغضب وأوشك على تدمير العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في مصر.

المظاهرات الغاضبة التي خرجت للاحتجاج على الفيلم دعت إليها جماعات إسلامية كالسلفيين والإخوان المسلمون وأدى العنف المصاحب لها لمقتل عدد من المتظاهرين في تونس واليمن والسودان عند محاولتهم اقتحام سفارات الولايات المتحدة في بلدانهم. ردة الفعل هذه دفعت تلك التيارات والجماعات إلى التنصل سريعا من دعواتها للخروج في مظاهرات وقامت بشجب الهجمات على المقرات الدبلوماسية الغربية ونفت أي علاقة لها بالمتظاهرين الغاضبين. ما يلفت الأنظار في هذه الأحداث هو التناقض بين ردة فعل هذه الجماعات على أزمة اليوم مقارنة بردود فعلها على أزمة الرسوم الكاريكاتيرية العام 2005.

 
بالعودة قليلا إلى الوراء للنظر في ردود الإخوان المسلمون عام 2005، عندما لم يكونوا في السلطة، نجد الآتي:

- تقدم البرلمانيون الإخوان في مصر بطلبات عاجلة لسحب السفير المصري من كوبنهاغن وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدانمرك.

- محاصرة الدانمرك اقتصاديا بمقاطعة بضائعها.

- اعتبار الإساءات للرسول أمرا مجاوزا لحرية التعبير.

- عتبار أزمة الرسوم الكاريكاتيرية قضية إسلامية تعلو فوق القضايا الوطنية الأخرى وتفوقها أهمية.

أما اليوم وبعد أن وصل الإخوان المسلمون إلى حكم مصر، نجد أن طريقة معالجتهم للقضية اختلفت جذريا، فبعد أن دعوا لمظاهرات احتجاجية حاشدة يوم الجمعة 14 سبتمبر/أيلول الجاري عادوا وسحبوا دعواتهم بعد اتصال هاتفي بين الرئيس الإسلامي محمد مرسي والرئيس الأمريكي أوباما الذي حمل الحكومة المصرية مسؤولية أمن والحفاظ على سلامة البعثات الدبلوماسية الأمريكية وكذا سلامة أفرادها.

وأصدر حزب "الحرية والعدالة"، الذراع السياسية للإخوان المسلمون في مصر، بيانا يدعو فيه المصريين إلى ضبط النفس والالتزام بالتظاهر السلمي والحفاظ على صورة الإسلام كدين يدعو للسلم، وشجب الاعتداءات على السفارات الأجنبية.

وبدأت التعليقات والتصريحات المهدئة تترى من قيادات الجماعة مقللة من أهمية الفيلم وتفصل بوضوح بين مسؤولية الحكومة الأمريكية والشعب الأمريكي وبين رعونة بعض الأفراد الذين يسيئون استغلال حرية التعبير. وأعربت بعض الشخصيات القيادية بالجماعة عن حزنها وألمها لأعمال الشغب والهجمات على القنصلية الأمريكية ببنغازي والتي راح ضحيتها السفير الأمريكي بليبيا.

موقع "إخوان ويب" نشر تغريدات باللغة الإنكليزية على موقع تويتر موجهة إلى خيرت الشاطر القيادي بالجماعة والنائب السابق لمرشد الإخوان، تحمل هذا المضمون، لكن رد السفارة الأمريكية بالقاهرة على هذه التغريدات حمل قدرا كبيرا من التهكم:

نشكركم على هذه المشاعر، ولكن نرجو لفت انتباهكم إلى ما ينشره موقعكم باللغة العربية، فنحن نستطيع قراءة العربية أيضا.

تكرر الأمر ذاته مع المتحدث الرسمي باسم حزب "النور" السلفي، نادر بكار، الذي نشر عددا من التغريدات يعلن تفهم حزبه لعدم مسؤولية الحكومة الأمريكية أو الشعب الأمريكي عن الفيلم المسيء، فجاءه الرد من روبرت ماكي الصحافي في "نيويورك تايمز" قاطعا:

إذا كان الأمر كذلك فلماذا اشتركتم في المظاهرات أمام السفارة الأمريكية؟

ازدواجية المعايير هذه أصبحت مادة للسخرية والتهكم على مواقع التواصل الاجتماعي المصرية، فيس بوك وتويتر، وتواصلت اتهامات الناشطين السياسيين للحزبين الإسلاميين بأنهما يستغلان الأحداث الدينية لمصلحتهما وأنهما يدعوان لتعبئة الجماهير عندما يريدان بغض النظر عن نبل القضية التي يدافعان عنها. وثارت تساؤلاتهم عن توقيت افتعال هذه الضجة والمغزى من ورائها خاصة أن من بادر بنشر مقاطع من هذا الفيلم المسيء قناة دينية إسلامية مصرية.

حسين عمارة / فرانس 24

 

 

 

التعليقات