هل إسرائيل بصدد إنشاء "شريط حدودي" عازل في الجولان السوري؟

وعن فرضية إقامة "شريط حدودي" بصيغته اللبنانية، علما أننا لا نجد تكرارا للتجربة اللبنانية في أي بلد عربي حدودي مع إسرائيل، وهي تجربة فريدة ترجمت بتعاون عسكري وأمني واقتصادي اعتمد على المجتمع المحلي وليس على أفراد ما بين عامي 1978 و2000. وكان تعاون إسرائيل مع أهل المنطقة الحدودية جنوب لبنان قد بدأ منذ عام 1976 ومع إنشاء "جيش لبنان الحر" -

هل إسرائيل بصدد إنشاء

 

 

مع عودة الكلام عن "فتح الجبهة الجنوبية نحو دمشق"، عاد التداول في قضية إنشاء "شريط حدودي" عازل في الجولان السوري على غرار ما كان قائما في لبنان لأكثر من عقدين من الزمن. فما هو واقع العلاقة بين إسرائيل وفصائل المعارضة المسلحة في الجولان السوري وهل فكرة إقامة "شريط حدودي" بصيغته اللبنانية أمر قابل للحياة في سوريا؟

منذ عدة أيام عاد الكلام وعادت التقارير حول ما يعرف بالجبهة الجنوبية في سوريا وإعادة فتحها تمهيدا لدخول العاصمة دمشق التي ما زالت مستعصية على فصائل المعارضة المسلحة. بموازاة ذلك عاد الكلام عن الجولان السوري، وعن فرضية إقامة "شريط حدودي" بصيغته اللبنانية، علما أننا لا نجد تكرارا للتجربة اللبنانية في أي بلد عربي حدودي مع إسرائيل، وهي تجربة فريدة ترجمت بتعاون عسكري وأمني واقتصادي اعتمد على المجتمع المحلي وليس على أفراد ما بين عامي 1978 و2000. وكان تعاون إسرائيل مع أهل المنطقة الحدودية جنوب لبنان قد بدأ منذ عام  1976 ومع إنشاء "جيش لبنان الحر" - الذي أصبح في ما بعد "جيش لبنان الجنوبي" - أي بعد سنة على بدء الحرب الأهلية اللبنانية. وأصبحت الحدود تعرف بـ "الجدار الطيب" بسبب استقبال إسرائيل لجرحى القتال الذي كان جاريا جنوب لبنان في وقته. هكذا بدأت الأمور جنوب لبنان.

أما اليوم فالكل يعلم أن إسرائيل ليست في موقف الحياد مما يجري في سوريا، بل هي تتحرك بما تمليه عليها مصالحها، ظرفية كانت أم إستراتيجية. ووجب تصنيف هذه المصالح كي يسهل تفسير وشرح التحركات والخطوات الإسرائيلية المتناقضة في ما يخص سوريا، ولتبيان مدى واقعية إنشاء "شريط حدودي" في الجولان.

رأيان من الجولان

تمكننا من الاتصال بأحد الناشطين المتواجدين في منطقة القنيطرة الجولانية. فأكد لنا أن "كل ما يتم التداول به عن تسهيلات عسكرية أو تغطية مدفعية وما إلى ذلك من أمور قيل أن الجانب الإسرائيلي يقوم بها لمساعدة الفصائل المسلحة [في مواجهة الجيش النظامي] عار عن الصحة ولا أساس له. لا بل نعيب على الجانب الإسرائيلي تساهله مع قوات النظام التي تصول وتجول برا وجوا في مناطق من المفروض أن تكون منزوعة السلاح. وقد رأينا بأعيننا أرتال الدبابات تمر بمحاذاة الشريط الفاصل، ناهيك عن القذائف التي تسقط في الجانب الإسرائيلي بشكل شبه يومي".

ثم تطرقنا إلى موضوع لم يعد خافيا على أحد، ألا وهو استقبال الجرحى السوريين في المستشفيات الإسرائيلية، فباح لنا مصدرنا ببعض تفاصيل هذا الأمر كونه تواصل مع عدد من هؤلاء الذين تلقوا العلاج في مستشفيات الدولة العبرية. فأكد لنا أن "الأمور باتت تجري بشكل منظم وهنالك منسق من جانب المعارضة المسلحة وهو تابع لتجمع ألوية الفرقان، ومنسقان من المجتمع المدني من منطقتي بئر عجم وجباتا حيث يقع المعبران الوحيدان نحو الأراضي الإسرائيلية. والتنسيق يتم حصرا مع الجيش الإسرائيلي وليس مع هيئات طبية أو ما شابه كما قيل". إلا أنه عاد وأكد أن "إسرائيل لا تستقبل أيا كان، فهي تدخل الحالات الحرجة لدى المقاتلين والحالات المتوسطة والحرجة لدى عامة الناس. ثم كل ذلك محكوم بمزاجية كبيرة ولا معايير محددة أو معتمدة ومتى ينتهي العلاج يعود السوريون كما ذهبوا ولا يعطيهم الإسرائيليون ولا حتى حبة دواء واحدة".


مواجهة بين "ألوية الفرقان" والجيش السوري النظامي في القنيطرة


لدى تطرقنا إلى موضوع المعركة المرتقبة جنوبا وإمكانية إنشاء منطقة "شريط حدودي" عازلة في سياقها، يقول لنا مصدرنا أنه "حتى الساعة ليس هنالك خطوات ملموسة في هذا الاتجاه. لأنه في هذا الحال يجب تأهيل فرق مقاتلة وإنشاء غرف تنسيق عملانية لهذا الغرض وهذا أمر لم يتم، ولم يحصل أي تطور يوحي بهذا الأمر، فالأمور على حالها منذ عدة أشهر". استبعد مصدرنا قيام "شريط حدودي" في الوقت الراهن، إلا أنه لم ينف إمكانية حصول ذلك في المستقبل وقال لنا "هنالك أرضية شعبية قابلة للموضوع والنظرة إلى إسرائيل تغيرت جذريا لدى العامة ويكفي أن تفرض إسرائيل تطبيقاتفاقية فض الاشتباك [1973] كي تكسب ثقة عدد كبير من أبناء الجولان، لكن المنطقة تفتقر إلى شخصية قيادية كسعد حداد في لبنان، فضلا عن أن هكذا أمر سيؤدي حتما إلى تقاتل بين الفصائل".

بموازاة ذلك تواصلنا مع أحد المطلعين والمقربين من الفصائل المسلحة المعارضة العاملة في الجولان، فأكد لنا هذا الأخير ما ذكرناه أعلاه جملة وتفصيلا، مؤكدا هو الآخر أن "من يتلقى الدعم من الناحية الإسرائيلية هم الدروز دون سواهم وأن كل ما يشاع عن "شريط حدودي" وما إلى ذلك من دعم إسرائيلي للمعارضة المسلحة عار عن الصحة ". إلا أنه باح لنا أن "فصيل لواء الحرمين، العامل في ريف درعا الغربي، له هو الآخر منسق معتمد مع الجيش الإسرائيلي، مؤكدا أن هذا التنسيق يقتصر حصرا على استقبال الجرحى". بيد أنه أكد أن "جميع الفصائل العاملة في الجولان تسعى للمحافظة على الهدوء على الحدود وهي حريصة على عدم السماح بفتح الجبهة مع إسرائيل بأي شكل من الأشكال".

رأي إسرائيلي

تواصلت فرانس24 مع الدكتور مردخاي كيدار وهو محاضر في جامعة "بار إيلان" وكان قد خدم في المخابرات العسكرية الإسرائيلية "أمان" لأكثر من 25 سنة. وللصدف كان كيدار في الجانب الإسرائيلي من الجولان، وقال لنا أن "أصوات الضرب والقذائف لم تنقطع منذ ساعات، فالقتال يدور على مرمى حجر منا". ثم أكد لنا أن فكرة "شريط حدودي على الطراز اللبناني فكرة غير قابلة للحياة في سوريا، وهي مجرد عملية ضخ إعلامي لا أكثر. وذلك لعدة أسباب أبرزها عدم وجود أرضية شعبية متينة من الممكن أن تتضامن وتتعامل مع إسرائيل، أقله في المدى المنظور. فكلا النظام والفصائل الجهادية كجبهة النصرة وغيرها يكنون لنا العداء. فضلا عن أنه يوجد في سوريا اليوم أكثر من ألف فصيل مسلح والدولة السورية باتت متحللة وغير موجودة، وذلك يشكل مصدر خطر حقيقي وداهم لإسرائيل".


ومن العراقيل الأساسية لإعادة التجربة اللبنانية، بحسب كيدار، هي "الطريقة التي انسحبت بها إسرائيل من جنوب لبنان وتخليها عن حليفها "جيش لبنان الجنوبي"، فهذه الطريقة المشينة في التعامل مع الحلفاء اللبنانيين تقطع الطريق عن أي أمل في تكرار تلك التجربة الفريدة في سوريا"

أما بالنسبة لاستقبال الجرحى والمصابين من الجانب السوري يقول كيدار أن "الأمر لا يتعدى طابعه الإنساني وإن إسرائيل لا تسعى ولا تريد أن تصبح ملجأ لا للسوريين ولا لغيرهم فهي تريد الحفاظ على نسيجها وطابعها اليهودي في هذه الأيام الخطيرة والصعبة على صعيد المنطقة". ولدى سؤالنا عن حقيقة الدعم الذي يصل إلى الدروز قال كيدار أن "إسرائيل ستدافع عن المكون الدرزي مهما كلف الأمر، إلا أن من ذهبوا للقتال إلى جانب الأسد هم قلة قليلة من أبناء الجولان وهم لا يمثلون دروز إسرائيل كطائفة". ثم عاد وأكد كيدار أن "إسرائيل لن تتورع في الإقدام على أية خطوة للحفاظ على أمنها، وقد تسعى إلى خلق منطقة عازلة عسكريا إن اقتضى الأمر، لكن ذلك لا يعني بتاتا إنشاء أو حتى دعم أية قوة محلية في الجانب السوري من الجولان".

رأي من لبنان

في سياق بحثنا، تواصلنا مع الصحافي اللبناني فراس الشوفي، صاحب مقال "هدية «الثوار» لإسرائيل: «جدار طيب» في الجنوب السوري" في جريدة الأخبار. فأكد لنا أنه "على عكس ما تحاول الجماعات المسلحة في سوريا أن تروج له ، فإن دروز سوريا لم ولن يقبلوا الدعم من إسرائيل". بل وذكرنا بأن "كل درزي من الجولان المحتل يقرر أن ينتقل إلى سوريا إن كان للقتال أو لأسباب إجتماعية بحتة تمنعه السلطات الإسرائيلية من العودة إلى الجولان. حتى أن كل ما يقال عن تعاضد أو دعم يأتي من الداخل الإسرائيلي عار عن الصحة وهو لا يتعدى الترويج الإعلامي الذي يخدم تل أبيب وأعداء النظام السوري". من ناحية أخرى أكد لنا الشوفي أن "شريط حدودي بصيغته اللبنانية غير قابل للحياة في الوقت الراهن في سوريا، لكن إن تم تدخل عسكري إسرائيلي مباشر يصبح هذا الأمر واردا وسهل التطبيق"، مؤكدا أن "القوات الإسرائيلية تدخلت عدة مرات وإن بشكل موضعي لإخراج مقاتلي المعارضة من كمائن نصبها لهم أبناء المنطقة الدروز"، مذكرا أنه "لولا الموقف الموحد لدروز سوريا ووقوفهم إلى جانب النظام لكان الوضع مختلفا اليوم ولكانت الطريق الجنوبية نحو العاصمة السورية مفتوحة منذ زمن".

تفسير التناقض الإسرائيلي على الساحة السورية

للوهلة الأولى التناقض هو التوصيف الأنسب للموقف الإسرائيلي من الحرب السورية، لكن توجهات إسرائيل لا تحكمها العواطف، بل مصالح وأهداف ظرفية وإستراتيجية. فعندما يضرب الطيران الحربي الإسرائيلي في عمق الأراضي السورية، لا أحد يتعجب من استغلال الدولة العبرية لانهماك الآلة العسكرية السورية بالحرب المستعرة على طول البلاد وعرضها. فمن "الطبيعي" أن تستغل إسرائيل إستراتيجيا عدم قدرة النظام السوري على الرد، كي تضرب منظومته الصاروخية، والدفاعية تحديدا، وكي تمنع قدر الإمكان إيصال أسلحة نوعية إلى حزب الله اللبناني. لكنه بموازاة ذلك تسمح إسرائيل للجيش السوري النظامي بالتحرك بحرية تامة عدة وعديدا في الجولان وفي مناطق كان من المفروض أن تكون محظورة عليه تطبيقا لاتفاقية فض الاشتباك الأممية بين البلدين. إلا أن هذا السماح يتوافق مع مصالح إسرائيل الظرفية، إذ لا يوجد حتى الساعة وجهة أكيدة لتطور الأمور في سوريا وإسرائيل تطبق المثل القائل أن "عدوا معروفا" - نظام الأسد - أفضل من عدو مجهول" ألا وهو النظام الذي سيحل مكان النظام القائم.

أما في ما يخص استقبال إسرائيل لأعداد متزايدة من الجرحى السوريين، ومنهم مقاتلون في صفوف المعارضة المسلحة، في مستشفياتها، فيعتبر هذا كأول "خرق" في حدود مقفلة منذ عقود أمام السوريين. هذا إن لم ندخل في الحسبان تصريف المحصول الزراعي من مناطق الجولان التي تحتلها إسرائيل إلى سوريا الذي كان يتم برضا الدولتين. واستقبال هؤلاء يأتي إستراتيجيا لتلميع صورة إسرائيل في المنطقة وظرفيا في سياق محاولة لبناء علاقة جديدة مع أبناء الجولان السوري، ذلك لمجرد تأمين الحدود في ظل تحلل قبضة الدولة السورية، وهي خطوة قد تكون مثمرة أو قد لا تكون.

أخيرا يمكن القول إنه بات من الواضح أن تطاحن القوى المعادية لإسرائيل على الساحة السورية يخدم مصالحها الظرفية والإستراتيجية في آن، لذا فلا مصلحة لها في التدخل لمصلحة أي من الطرفين... أقله في الوقت الراهن.

فرانس 24
 

التعليقات