11/05/2016 - 23:13

العزلة .. خطر اجتماعي يهدد الشباب

توضح د. أمل جنيدي، أخصائية الطب النفسي، أن أول سبب من أسباب العزلة الاجتماعية في مرحلة البلوغ، أن الفرد يصبح أكثر انهماكا في المشاعر والأفكار المتعلقة بشخصيته الفردية، والتي يجد صعوبة في مناقشتها مع أصدقائه عندما يكتمل تطور جزء الأنا بها،

العزلة .. خطر اجتماعي يهدد الشباب

غيب بعض الشباب في مرحلة المراهقة غيابا شبه تام عن التواصل مع المجتمع، بما يشير إلى العزلة الاجتماعية التي غالبا ما تكون لا إرادية، وتمثل مشكلة معقدة لأنها تتخذ أشكالا متعددة، قد تكون مفروضة ذاتيا نتيجة حدث قوي تأصل في الفرد المنعزل، وأصاب مشاعره بالإحباط والقلق، وعدم القدرة على الملاءمة مع الغير، أو ناتجة عن دائرة مستمرة وتاريخية من العزلة منذ الطفولة، هنا تصبح دامية، ومهما بذل الفرد من جهد للاندماج في المجتمع لا يستطيع التخلص منها، وتؤدي جميعها إلى البقاء في المنزل عدة أيام أو أسابيع، وعدم الرغبة في التواصل مع الآخرين، بما في ذلك الأسرة وأقرب المحيطين من الأصدقاء، وإن كانت هناك محاولات للخروج منها من قبل الشخص المنعزل تكون موجزة وسطحية، وينتج عنها بعض التأثيرات مثل نشوب خلافات مستمرة مع الأصدقاء الذين يتعامل معهم من وقت لآخر، أو مشكلات في التفاعل مع أفراد الأسرة، فضلا عن تسببها في ظهور أفكار وسلوكيات سلبية داخل هذا الشخص.

وتوضح د. أمل جنيدي، أخصائية الطب النفسي، أن أول سبب من أسباب العزلة الاجتماعية في مرحلة البلوغ، أن الفرد يصبح أكثر انهماكا في المشاعر والأفكار المتعلقة بشخصيته الفردية، والتي يجد صعوبة في مناقشتها مع أصدقائه عندما يكتمل تطور جزء الأنا بها، وقد ينتج ذلك عن سيطرة مشاعر الخجل أو الذنب والشعور بالاغتراب وسط المحيطين، فضلا عن مساهمة التكنولوجيا الحديثة في زيادة درجة العزلة، لأنها خلقت خيارات متنوعة للقيام بالأنشطة الاجتماعية بدون التفاعل الجسدي في الواقع، وتلبي رغبات الأشخاص الذين يفضلون البقاء في المنزل، وتعاونهم على استبدال الأصدقاء الحقيقيين بآخرين افتراضيين.

وتضيف: “العزلة الاجتماعية ترتبط أيضا بالإعاقة العقلية، فالأشخاص الذين يعانون من ضعف في التعلم يكون لديهم مشكلة في التفاعل الاجتماعي، وهذه النتيجة غير مقصودة تدفع الفرد إلى رفض التعامل والتجاوب مع الآخرين، بالإضافة إلى أن عيش الأفراد بمفردهم يزيد من معدلات العزلة الاجتماعية، وينتج عن هذا أيضا اللجوء إلى شرب المواد الكحولية وتعاطي المخدرات مما يزيد من حالات الوفيات، فقد أثبتت الدراسات العلمية أن نسبة الوفيات تزداد بين الأشخاص المنعزلين الذين يلجؤون إلى المواد الكحولية”.

وتشير إلى أن الحزن أحد الأسباب القوية للعزلة الاجتماعية، فعندما يفقد الفرد شخصا مقربا إليه يتسبب ذلك في مواجهة صعوبات في التفاعلات الاجتماعية، فضلا عن الرغبة في تجنب الشعور بالانزعاج الناتج عن التواجد المستمر مع الناس، ويحدث ذلك عندما يكون الآخرون عدوانيين أو غير مرحين، حينها يفضل الشخص المنعزل الوحدة لتجنب المشاكل، وكذلك الشعور بالفشل في إحدى المراحل التعليمية وعدم مساندة الأهل لهم، لتخطي هذه الأزمة يجعله أكثر ميلا إلى العزلة وعدم التعامل مع الآخرين.

ويقول د. عبدالحميد رزق، أخصائي الطب النفسي: العزلة الاجتماعية تصيب مراهقا من بين كل عشرين، وبالرغم من ذلك، فإن البحوث العلمية أثبتت أن النتائج الحقيقية تشير إلى أن حوالي 33 بالمئة من كل سبع إلى ثمانية مراهقين، و22 بالمئة من كل تسع أو عشرة مراهقين يصابون بالعزلة الاجتماعية نتيجة شعورهم بالاكتئاب، وترتفع هذه النسبة بين المراهقات، مما يفسر خطأ التشخيص الرسمي السابق في العيادات والمستشفيات النفسية.

ويرى أن الخطورة عند إصابة المراهقين بالعزلة تكمن في عدم قدرتهم على التعبير عن الحالة التي يصابون بها مستخدمين الأسلوب الشفهي أو الشكوى الاعتيادية التي يستخدمها من هم أكبر، لا سيما أنها تتطور بشكل عفوي يتناسب مع أزمة المراهقة، حيث تشكل عارضا من أعراضها، مما يجعل الفرد المنعزل يشعر بحساسية مفرطة لقلة خبرته في الحياة، فضلا عن أنه كثيرا ما يلجأ إلى سلوكيات وتصرفات تدمر ذاته مثل الرغبة في التخلص من حياته بالانتحار، لأن الفرد في هذه السن يصبح مستعدا لممارسة السلوكيات العدوانية تجاه النفس نتيجة هذا الشعور المدمر، لذا يجب خضوعه لجلسات العلاج النفسي بمساعدة الأهل له.

ويوضح أن فقدان التوازن الجسمي والنفسي والعاطفي أحد نتائج العزلة الاجتماعية، والتي تتكون تدريجيا جراء ارتكاب خطأ جسيم يعتقد معه الفرد المنعزل ألا أمل في غفرانه، أو الدخول في تجربة عاطفية فاشلة، مما يؤدي به بجانب ذلك إلى التشاؤم وفقدان الاهتمام بالذات وعدم القدرة على بذل أي مجهود، وكذلك اضطراب في نمط النوم لدى الفرد المنعزل وإصابته بالبرود الجنسي لفقدانه الشعور بالواقع ورفض فرضياته مثل الدراسة والعمل والزواج والإنجاب.

ويضيف د. كمال الجمل، الخبير النفسي، قائلا: إشعار المراهق بالأمن والطمأنينة أهم الطرق لمعالجة العزلة الاجتماعية، فضلا عن ضرورة خلق جو من الألفة مع الأشخاص الذين يعيشون معه سواء داخل الأسرة أو خارجها، مما يدفعه إلى الإفصاح عما بداخله من مشاكل أو مخاوف، ومساعدته على حلها، وهذا لن يكون إلا إذا شعر بالقبول والتقدير.

ويشير إلى أهمية عدم إجبار المراهق على القيام بأعمال تفوق طاقته وعدم تحمله فوق قدراته، باعتبارها إحدى طرق العلاج، لأن هذه الممارسات تجعله يشعر بالعجز الذي يدفعه إلى الاستكانة والعزلة عن الأسرة والأصدقاء، لذا ينبغي تنمية قدراته العقلية والجسدية قبل تكليفه بأي عمل يفوق عمره الزمني، بالإضافة إلى تشجيعه على تكوين صداقات مع أقرانه، وتنمية مواهبه الخاصة، لأن إتقانها سيكون سببا في ظهوره وخروجه من بوتقته، فهي تساعده على توكيد الذات وزيادة ثقته بنفسه.

ويؤكد على أن التربية الاستقلالية أحد سبل معالجة العزلة الاجتماعية، لأنه يكون دائم الاعتماد على والديه وعاجزا عن إدارة أموره بنفسه، ومن ثم يصبح غير ناضج انفعاليا، ومطيعا لكل أوامر والديه، وهذا يؤدي به إلى سجنه في قالب الطاعة، وبالتالي يكون فردا خجولا فاقدا للثقة، كما أن إشراك الفرد المنعزل في الأنشطة والأعمال الجماعية، يسهم في معالجة عزلته عن الآخرين، مثل تكليفه بزيارة الأطفال اليتامى أو شراء متطلبات المنزل، واشتراكه في اتحاد طلاب المدرسة أو الجامعة، لأن ذلك يتيح له التعامل مع الآخرين، ومن ثم ينكسر الحاجز بينه وبينهم شيئا فشيئا.

اقرأ/ي أيضًا| استخدام الخلايا الجذعية لعلاج مرضى السكري

التعليقات