17/12/2020 - 23:27

مقابلة | بروفيسور فطوم يجيب على التساؤلات حول لقاحات كورونا

هل يجلب التطعيم ضد فيروس كورونا نتيجة إيجابية للناس أم لا، لماذا هذا التخوف من التطعيم، هل هو عدم ثقة الناس بسبب انعدام نتائج وتجربة واضحتين؟

مقابلة | بروفيسور فطوم يجيب على التساؤلات حول لقاحات كورونا

(أ ب)

هل يجلب التطعيم ضد فيروس كورونا نتيجة إيجابية للناس أم لا، لماذا هذا التخوف من التطعيم، هل هو عدم ثقة الناس بسبب انعدام نتائج وتجربة واضحتين؟ لماذا أصبحت مضاعفات لدى بعض الناس بنسبة معينة بعد التطعيم، وهل هذه الأمور تضع الناس في حَيْرَة من أمر التلقيح ضد فيروس كورونا؟

للإجابة عن هذه التساؤلات بشأن تطعيم "فايزر" الذي وافقت عليه هيئة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) مجددا وبدأ التطعيم به في بريطانيا ودول أخرى واعتمدته الحكومة الإسرائيلية في حملة التطعيم التي تبدأ مطلع الأسبوع المقبل، مع التحفظ والريبة وعلامات الاستفهام الكثيرة حول نجاعته، التقينا الباحث في علوم المناعة واللقاحات في شركة "بلو ويلو" وجامعة ميشيغان الأميركية، بروفيسور علي فطوم.

بروفيسور علي فطوم

وفي حديث لـ"عرب 48"، قال فطوم: "يجب تحديد معالم الموضوع ومعالم اللِّقاح، اللقاحات التي أُنتِجت لغاية الآن من شركة ‘فايزر’ وشركة ‘موديرنا’. هناك مشكلات كثيرة موجودة بالنسبة للناس حول ذلك. لنبدأ بتسلسل زمني للمرض والفيروس من ساعة حدوثه والاستنتاجات لغاية الآن".

وأوضح أنه "خلال الأشهر العشرة الماضية مررنا بمراحل عدّة مثل: التعرف على فيروس كورونا، كيف يتكاثر، كيف يصيب الناس بالعدوى، طريقة انتقال العدوى، إسقاطات الإصابة على الرئتين! ثم التكاثر والمصدر: من حيث العدوى، فداخل الأنف - الطريق الأساسي لتكاثره - يبقى الفيروس لمدة تتراوح بين 5 و7 أيام ليتكاثر، ويصل عدده لغاية مليون جزء في داخل الأنف، وعندها يتنفس المصاب، وهناك قطرات تدخل إلى داخل الرئتين بعد تكاثره في الأنف".

وأضاف أنه "تعرفنا إلى ذلك بعد مضي 3- 4 أشهر بعد انتشار العدوى ومع ارتفاع عدد الوفيات. أظهرت صور الأشعة لدى المصابين في الرئتين أن الرئتين مبرقعة في أماكن معينة، وهذا دليل على أن الإصابة حين تصل للرئتين بشكل قطرات".

وأوضح أن "هذا ساعدنا لنعرف بالضبط تركيبة الفيروس، فهو يشبه باقي الفيروسات من ناحية التركيب، عليه نتوء بروتينية، تدعى Spike Protein وهي مسؤولة عن اتصال الفيروس مع الخلية التي يصلها في الجسم".

وأشار إلى أن "الفيروسات لا تتكاثر لوحدها، بل هي بحاجة إلى أن تعيش في خلية الإنسان لتتكاثر، فالفيروس يدخل إلى مادة RNA الوراثية للخلية ويتحد معها، وتبدأ الخلية في الجسم بإنتاج جزيئات الفيروس نفسه".

وتابع أنه "لو أخذنا مجموعة من فيروس معين بكمية ووضعناه في أنبوب مخبري وَحْدَه لا يتغير الفيروس، ولكن إذا وضعناها مع خلايا أخرى فإن الفيروس يتكاثر. إذا الفيروس ليعدي يجب أن يدخل للخلية، ودخوله إليها عن طريق البروتين، فلو استطعنا أن نمنع أو نوقف هذا البروتين بأجسام مضادة ممكن أن نمنعه من الدخول إلى الخلايا وبالتالي، القضاء عليه".

واستطرد أن "الفيروس الذي دخل إلى الخلية، ممكن أن يكوّن مناعة خلوية، مناعة من الليمفوسيتات مختصة، ممكن أن تتعرف على الخلايا التي تحتوي على الفيروس وتلتهمها. هذا هو الأساس الذي بني عليه اللِّقاح، يجب أن يعطي الإنسان أجساما مضادة ومناعة خلوية، فإذا حصلت الإصابة في الرئتين وبدأت إسقاطات الإصابة، كالحمى وغيرها، فنحن نفقد السيطرة، حتى لا يعود المرض مرتبطا بوجود الفيروس نفسه، والأدوية التي تعطى عندها لا علاقة لها بالفيروس نفسه".

وأضاف بروفيسور فطوم أنه "يوجد حوالي 200 لِقاح، لغاية الآن، في طور التطوير وبضمنها فايزر، كلها على أساس استخدام "الحمض النووي الريبوزي المرسال" (messenger RNA) لبرمجة خلايا الشخص لإنتاج العديد من نسخ جزء من الفيروس، تطلق هذه النسخ إنذارات في جهاز المناعة، وتحفزه على الهجوم في حالة محاولة الفيروس الحقيقي للغزو، وتمنعه من التكاثر وحتى لا يؤدي لإصابة الرئتين ولا لإسقاطات المرض وتوابع المرض شديدة الْخَطَر ثمّ الموت".

"عرب 48": لماذا عدم الثقة باللقاح وكل هذه الإشكاليات لدى الناس بأخذه؟

بروفيسور فطوم: "التقنيات الجديدة التي أُدخِلت على لقاح كورونا مثل (mRNA) لم تكن تعتمد عليها اللقاحات سابقا، وهي الشيفرة الجينية التي تنتج البروتينات؛

وهناك حركة عالمية ضد أي تطعيم كان، هي ضد التطعيمات بشكل عام، فبدأت الخرافة تنتشر اعتمادا على نظرية المؤامرة؛

هذا لا يجعلنا نتطور من ناحية اكتشاف المصل، والناس البسيطة لا تميز الصواب من الخطأ، هؤلاء نظريتهم أن التطعيمات تُدخل قطعة معينة إلى داخل الجسم لكي تتجسس على الإنسان وتحركه، ومثل هذه النظريات منشرة في العالم، وهذا لا يقتصر على الغرب أو الشرق فقط".

"عرب 48": ما دور الباحثين من الناحية العلمية، وكيف سيوصلوا المعلومة الصحيحة والأساسية للناس؟

بروفيسور فطوم: "حتى نطوّر لقاحا معينا، إن كان يعتمد على الـmRNA أو بروتينا أو حاملا فيروسيا يجب أن يمر ذلك بسيرورة من 3 مراحل؛ مرحلة السلامة: نطعم 30-50 شخصا ونرى هل تشكلت عوارض جانبية وإذا ما استمرت هذه العوارض، ونرصد التطور في جهاز المناعة؛

في المرحلة الثانية نطعم 200 شخص، نجرب مقدار الجرعة التي تعطى هم، وما هي الجرعة القصوى الملائمة حتى ننتج المناعة المناسبة التي نطمح للوصول إليها؛

نطعم 3000 شخص أو أكثر، يعطى نصفهم اللقاحات، أما نصفهم الآخر فيعطى ماء أو مادة غير فعالة، وهذا يتم بشكل عشوائي، دون علم المشترك أو الطبيب بنوعية المادة (غير فعالة أو اللقاح الذي نعمل على اختباره)؛

هناك شيفرة معينة تكون بحوزة مجموعة من المختصين والمستقلين والأساتذة والأطباء الذي لا تجمعهم صلة بأي شركة أو حكومة، والشيفرة توضع في خزنة، وفي كل دراسة هناك مجموعة نسميها لجنة الأمان والسلامة، وهذه اللجنة إذا حدث أي خلل مع شخص في أثناء التجربة، لها الحق أن تدخل وتعرف عن طريق الشيفرة، ماذا أخذ هذا الشخص بالضبط لقاحا أم ماء؛

وإذا كانت هناك حالة مرضية صعبة نتيجة اللِّقاح، اللجنة تأخذ قرارا بإيقاف الدراسة، وتتصل بسلطات الرِّقابة في إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA)، وتخبرهم بالمشكلة التي وقعت للشخص المصاب، والأخيرة بالتالي تأخذ قرارا بإيقاف الدراسة؛

وهذا ما حدث في لِقاح ‘أسترازينيكا‘، إذ توفي المريض في البرازيل بعد إعطائه اللِّقاح، فأوقفوا الدراسة لأسبوعين، وحققوا، فتبين أن الشخص في التجربة كان قد أخذ الدواء غير الفعال وليس اللِّقاح الذي يتم اختباره، واستأنفت الشركة تجاربها من جديد؛

لكل لقاح هناك عوارض جانبية أساسية ومقبولة، تتراوح بين بسيطة ومعتدلة، وتحصل في موضع الحقن مثل الكتف، يحصل ورم وألم وحرارة، وهذا يزول خلال 3 أيام، ولكن إذا استمر لمدة أطول من 3 أيام يعدّ حالة صعبة؛

الفحص يتم بالأساس من قِبَل أناس مختصين، هم يحققون في حالة الشخص الذي عانى من انتكاسة خلال التجارب، فسلامة الناس أهم من كل شيء في كل الحالات؛

في المرحلة الثالثة، وللوصول إلى فعالية أو نجاعة قصوى، يجب أن يكون في المجموعة ما بين 150-160 حالة إصابة بين كل المشاركين الذين أخذوا اللِّقاح أو بديل اللِّقاح (المادة غير الفعالة)، نتابعهم حتى نصل إلى 100 حالة، ومن هنا نستطيع أن نعرف النجاعة حسب إحصائية نسبة إلى عدد المفحوصين. هذا عمومًا وفي الأمراض العادية، فالمدة المطلوبة لاستخلاص النتائج للدراسة تستغرق حوالي عامين؛

ولكن في جائحة مثل كورونا فعامل الوقت هو أساسي لمنع انتشار الفيروس ولدرجة خطورته، فالشركات الغنية قالت لن ننتظر، نريد إجراء التجربة في سنة وليس أكثر، فهؤلاء أخذوا عددا أكبر من المطعمين للمرحلة الثالثة بلغ 9000 شخص، 4500 أخذوا المصل و4500 آخرين أخذوا المادة غير الفعالة. في شركة فايزر كان عدد الأشخاص المفحوصين 44 ألف شخص هم متطوعون بالأساس، بينما في شركة موديرنا وصل العدد إلى 34 ألف شخص. الفحوصات بدأت في شهر آب/ أغسطس 2020 وخلال 3 أشهر استخلصوا النتائج الكافية للدراسة والبحث، والوصول إلى نسبة النجاعة للقاح، وهي نسبة خفض الإصابات في فرقة اللقاح".

"عرب 48": ماذا عن شركتكم وأبحاثكم حول الفيروس؟

بروفيسور فطوم: "الفعالية للمصل وصلت إلى نسبة 95% وهذا غير معقول، بالنسبة لنجاعة الفيروس، ولكن اليوم نحن نقول إن اللقاحات التي تعطى عن طريق العضلة لا تمنع تكاثر الفيروس في داخل الأنف، وبوجوده بالأنف سيصل الرئتين مؤكدا، فلو تطعمنا باللقاح وكنا محصنين، لكننا نحمل الفيروس في منطقة الأنف فسوف ننقل الفيروس للآخرين الذين لم يحصلوا على لقاح، فقررنا في الشركة إعطاء اللِّقاح عن طريق الأنف وهذا سيعطينا مناعة موضعية في الأنف والجهاز التنفسي العلوي، ومناعة داخلية وهي الخلوية والأجسام المضادة، والمناعة الموضعية هي وجود أجسام مضادة في الأنف بالإضافة لوجود خلايا ذاكرة محلية؛

في هذه الحالة، إذا جاء الفيروس للأنف ويريد التكاثر بالأنف فالمناعة الموضعية ستمنعه، ما يشكل خط دفاع أول وخط دفاع ثان، الأول في جهاز التنفس العلوي، والثاني داخل الرئتين. لا يمكن القضاء على الفيروس إلا بالقضاء عليه في مكان وجوده. نعدّ أنفسنا الجيل الثاني في الحملة لأن الجامعة لا تنافس شركتي فايزر وموديرنا وغيرهما، ودورنا بأننا سنجيب عن أسئلة لم يجب عليها من قبل حول المناعة والفيروس".

"عرب 48": لماذا لا ترى FDA هذا التكامل بالرؤية العلمية؟

بروفيسور فطوم: "هناك عدة مشكلات لا زالت موجودة ويجب أن تجيب عنها شركة فايزر أمام FDA، فهناك سلامة جيدة ونجاعة ممتازة للقاح، لغاية الآن، ولكن يوجد أسئلة كثيرة يجب فحصها خلال سنتين والإجابة عنها من قبل الشركة، وبالأساس تتعلق بالمناعة ومدتها والتطعيمات المحفزة لها بعد ذلك. كل الدراسة كانت بين جيل 12 أو 16 ولغاية 85 عاما، فماذا مع الأولاد الأصغر سنا، لا نستطيع إعطاءهم اللقاح إلا بعد دراسة".

"عرب 48": في أي حالات ممنوع أخذ اللِّقاح؟

بروفيسور فطوم: "للأشخاص الذين يتلقون علاجا كيماويا أو إشعاعيا لأن مناعتهم تكون منخفضة. وكذلك النساء الحوامل، لا إجابة حول التطعيم لهن، لغاية الآن، فالشركة ستجري دراسة تتعلق بالنساء الحوامل بحذر أكبر ومراقبة دقيقة؛

الذين لديهم حساسية من دواء معين، وحصل لديهم ما يسمى بـ"آن فلاكتيك شوك" anaphylactic؛ فيجب تلقي التطعيم بحضور الطبيب، وبإذن طبي خاص.

يُشار إلى أن صدمة الحساسية تؤدي إلى انخفاض مفاجئ في ضغط الدم وممكن أن تؤدي للموت.

أشياء كثيرة يجب أن تفحص، ولكن هذا كله لا يمنع أننا نرى أمامنا بعد مرور 10 أشهر لقاحات أساسها العلمي صحيح وصائب 100% وسلامتها ممتازة مقارنة بأي شيء آخر. لا يوجد تخوف ولدينا فعالية كبيرة ممكن أن تحفظ أرواح أناس كثيرين؛

مهم أن نوصل هذه الرسالة، لأن كل الأسئلة حول وفاة شخص نتيجة التطعيم ادعاءات مغلوطة، وستُفسد المسار العلمي والنتائج الإيجابية التي تؤثر على الإنسان البسيط".

"عرب 48": هل يحتاج المتعافون إلى تلقي التطعيم؟

بروفيسور فطوم: "يستطيعون تلقى اللقاح. هناك أناس كان لديهم أجساما مضادة وأخذوا اللقاح، ولم تكن مشكلة، ونحن ندرك الآن أن من أصيب بالفيروس من قبل هو محصن، فأصبح لدينا في العالم 60 مليون حالة، 4 حالات منهم أصيبوا بالفيروس مرة ثانية، هذا نتيجة لمشاكل مناعية لدى هؤلاء الأشخاص أو أنهم لم يشفوا من الفيروس في المرة الأولى، ولكن بالمجمل هذا يؤكد أن الإصابة والتشافي من الفيروس هي أفضل وسيلة للتحصين، فالفيروس لا يتغير، ولو كان متغيرا فالمناعة التي حصلنا عليها لا تنفع في السنة القادمة".

"عرب 48": لماذا تعطى جرعتان من اللقاح؟

بروفيسور فطوم: "نحن بحاجة لتكوين مناعة قوية، التطعيم الأول يعطينا الإشارة الأولى، نجاعته بنسبة 52% للجرعة الأولى، ولكن بعد مرور 3 أسابيع، الجرعة الثانية تأتي لتحفيز وزيادة المناعة لتصل إلى 95%. من بين 200 لقاح التي تُبحث الآن، لا يوجد لقاح عن طريق الأنف مثلما تعمل شركتنا، من أجل تكوين مناعة موضعية".

"عرب 48": أين ترى منتجكم هذا مستقبلا؟

بروفيسور فطوم: "نقترب من أن ندخل لمجموعة الفحص الأولى، وهذا مرتبط بالأساس بالتمويل، لأن المجموعة التي كانت مسؤولة عن تمويل اللقاحات كانت مع الأسف تريد لقاحا يتم تطويره سريعا".

"عرب 48": هل الدول الغنية تستطيع أن تحصل على التطعيم فقط؟

بروفيسور فطوم: "هناك التزام أخلاقي من الشركات أن 20% من إنتاجها سيذهب إلى الدول الفقيرة، ومنظمة الصحة العالمية هي المسؤولة عن توزيعها للأماكن المختلفة".

"عرب 48": ما مسار الفيروس اليوم، وهل ستتلقى باللقاح؟

بروفيسور فطوم: "إذا نظرنا إلى تفاصيل المعطيات فإنه لغاية الآن لا يوجد مؤشر أحمر يمنعنا من تلقي التطعيم. هذا مرض قاتل، نسبة الحالات الخطرة الاستثنائية تدفعنا إلى تلقي التطعيم مع وجود نسبة خطورة هي ضئيلة جدا، ومقارنة مع الفائدة، الخطورة تكاد تؤول للصفر؛

في تطعيم الإنفلونزا العادية، إذا أخذنا التطعيم ممكن أن نصاب بالإنفلونزا، ولكن بشكل أخف ولمدة أقصر، لا يمكن أن نقول لا تأخذوا اللِّقاح لأنكم ستصابون فالإصابة هي أخف بكثير. توصلنا إلى ذلك بناء على النتائج التي خلصت إليها الدراسات، ويجب المتابعة العلمية لذلك ولا سيما من قبل الأطباء والباحثين. والمنافسة بين اللقاحات والشركات يجب ألا تكون على أساس سياسي إنما بحثي صرف".

التعليقات