23/12/2020 - 11:50

رحلة للبحث عن الفيروسات الناشئة في أعماق الكهوف الأفريقية

يتقدم ستة رجال صعودًا بشقّ الأنفس نحو أحد الكهوف في غابة الغابون، وهم يرتدون بدلات صفراء، وغطوا أنفسهم من الرأس إلى أخمص القدمين، في مهمة تتمثل في البحث عن مصدر الفيروسات الناشئة.

رحلة للبحث عن الفيروسات الناشئة في أعماق الكهوف الأفريقية

توضيحية (pixabay)

يتقدم ستة رجال صعودًا بشقّ الأنفس نحو أحد الكهوف في غابة الغابون، وهم يرتدون بدلات صفراء، وغطوا أنفسهم من الرأس إلى أخمص القدمين، في مهمة تتمثل في البحث عن مصدر الفيروسات الناشئة.

إنهم باحثون من مركز فرانسفيل المتعدد التخصص للبحوث الطبية، يقصدون كهف زادييه، في شمال شرق الغابون، بهدف دراسة الخفافيش، التي يشتبه في كونها أصل معظم الأوبئة المنقولة إلى البشر في السنوات الأخيرة: من سارس عام 2003 إلى فيروس كورونا عام 2012 ، ثم إيبولا وصولًا إلى سارس-كوفيد -2، سبب جائحة كوفيد-19 التي تشل العالم اليوم.

يشق الباحثون طريقهم وسط الدبال واللحاء وأوراق النبتات التي تنضح برائحة الغابة البكر التي يوفّر مناخها الاستوائي الحار والرطب وحيواناتها الخصبة بيئة مواتية لانتشار الفيروسات، في هذا البلد الصغير في وسط أفريقيا.

شيئًا فشيئًا، تتلاشى رائحة الأرض الرطبة وتحلّ محلّها رائحة براز الخفافيش. وهذه الرائحة الخفيفة في البداية، تتحول خانقة عند الاقتراب من الموقع المقصود، ويصبح الهواء غير قابل للتنفس، فيما يحوم النحل وفراشات حول وجوه صائدي الفيروسات.

تحت بزّات الباحثين، الحرارة خانقة. العرق يتصبب على نظاراتهم. وفجأة، يظهر مدخل الكهف. يهرب سرب من الخفافيش من الثقب الأسود الهائل، محدثًا صخبًا.

يسارع البروفيسور غايل ماغانغا إلى إصدار أوامره "أطلقوا الشبكة!". وبالفعل، تمتد الشبكة المستخدمة لالتقاط الثدييات على امتداد مدخل الكهف. وتشعر الخفافيش بوجود الزوار، فتخفف حركتها قليلًا.

ولكن عندما يتقدم أحد العلماء ويضيء مصباحه، يندفع سرب من الخفافيش نحو المخرج، فتغلق المصيدة على الطيور، ويصبح في الإمكان جمع العينات المطلوبة.

ويصرخ ماغانغا، وهو أستاذ وباحث في جامعة فرانسفيل، ثالث أكبر مدن الغابون "هل هذا الخفاش ذكر أم أنثى؟ إنه صغير السن!". وباستخدام مسحات معقمة، يأخذ عينات من الفم والمستقيم.

تتمثل مهمة الباحثين في "تحديد مسببات الأمراض التي يمكن أن تشكل خطرًا على البشر وفهم انتقال العدوى بين الأنواع"، على ما يوضح العالِم، وهو أيضًا المدير المشارك لوحدة ظهور الأمراض الفيروسية التابعة للمركزة، والتي تضم أحد مختبرَي "بي 4" في أفريقيا، وهو تصنيف دولي يسمح بالتعامل مع أخطر الفيروسات في هذه الأمكنة المغلقة بإحكام.

في 29 تشرين الأول/أكتوبر الفائت، حذر فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بالتنوع البيولوجي في تقرير أصدره من أن الأوبئة مثل كوفيد-19ستتكاثر وتتسبب في المزيد من الوفيات ، مشيرًا إلى أن عالم الحيوان هو بمثابة خزان ضخم لنحو 1,7 مليون فيروس غير معروف، بينها نحو 540 ألفًا إلى 850 ألفًا "قادرة على إصابة الإنسان".

علاوة على ذلك ، فإن 70% من الأمراض الجديدة (ومنها إيبولا وزيكا) و"كل الأوبئة المعروفة تقريبًا" (الإنفلونزا، الإيدز، كوفيد -19) هي أمراض حيوانية المصدر.

تدعو بولين غرينتزينغر، وهي طبيبة بيطرية في حديقة ليكيدي الطبيعية التي تسعى إلى الحفاظ على التنوع البيولوجي، بالقرب من فرانسفيل، إلى "التوقف عن التفكير في أن الإنسان في جانب، والحيوانات في جانب آخر". وتشرح أن "ما يحدث في أحدهما، في ما يتعلق بالصحة، له تأثير على الآخر". وترى أن "حماية الحياة البرية والطبيعة تحمي الإنسان".

خفاش (Pixabay)

ويلاحظ ماغانغا أن "السلوك البشري غالبًا ما يكون منشأ الفيروسات"، إذ إن "الاتصال بين البشر والحيوانات يتزايد اليوم، بفعل الضغط الديموغرافي وتكثيف الزراعة أو حتى الصيد".

في الغابون، ظهرت كل الإصابات بإيبولا في منطقة كهف زادييه، القريبة جدًا من الحدود مع الكونغو. وقد اكتشف باحثو مركز فرانسفيل أن الخفافيش تحمل الفيروس في المنطقة، مما جعلهم يستنتجون أنها أصل الوباء.

ويُبرز البروفيسور ماغانغا أيضاً أن عددًا من فيروسات كورونا منتشر لدى هذه الخفافيش، وبعضها قريب من فيروسات كورونا البشرية.

إلا أن هذا الواقع لا يمنع سكّان القرى المحيطة من دخول الكهوف لاصطياد الخفافيش، تمامًا كما يصطادون الظباء أو الغزلان أو حتى القرود.

ورغم الحظر الذي فرض في نيسان/ أبريل الفائت على بيع البانغولين والخفافيش في الغابون، يواصل القرويون اصطياد الحيوانات البرية لضمان لقمة عيشهم في هذه المنطقة النائية.

ويقول أريستيد رو (43 عامًا) الذي يعيش في قرية قريبة من موقع الكهف "في ليلة واحدة، يمكنني أن أكسب ما أكسبه في شهر" ، عارضًا على جذع مقطوع على جانب الطريق غزالًا اصطاده في الليل. أما كوفيد، فهو "لم يصل بعد إلى القرية"، على ما يجزم الصياد.

أما جوست بارفيه مانغونغوي، وهو مواطن يبلغ 20 عامًا في فريق مركز فرانسفيل، فيلفت إلى أن سكان قريته "لا يؤمنون" بالفيروسات. ومن هنا تأتي أهمية "توعية هؤلاء الصيادين الذين يكسبون قوت يومهم من هذا المورد" ، على ما يؤكد البروفيسور ماغانغا.

التعليقات