17/08/2022 - 23:02

نصائح من عالِم أعصاب لتقوية الذاكرة

كثير من سقطات الذاكرة هي في الواقع مشاكل في الانتباه، لا في الذاكرة، فمثلًا، إذا نسيتَ اسم شخصٍ قابلته في حفلة صاخبة، فليست المشكلة في الذاكرة، وإنما في أنك كنت تتحدث مع عدد من الأشخاص في ذلك الوقت

نصائح من عالِم أعصاب لتقوية الذاكرة

(Getty Images)

ثمّة افتراض متأصل في حياتنا، وهو أن ذاكرتنا البشرية تضعف مع التقدم بالسن، إلا أن عالِم الأعصاب الدكتور ريتشارد ريستاك، طبيب الأعصاب والأستاذ الإكلينيكي في كلية الطب والصحة بجامعة مستشفى جورج واشنطن، يقول إن هذا التدهور ليس حتميًّا.

ألّف البروفيسور ريستاك أكثر من 20 كتابًا عن العقل، ولديه عقود من الخبرة في توجيه المرضى حول قضايا الذاكرة، ويتضمن آخر كتب البروفيسور: "الدليل الكامل للذاكرة: الطريقة العلمية لتقوية عقلك"، أدوات تشمل التمارين الذهنية، وعادات النوم والنظام الغذائي الصحيين، لمساعدة الناس على تحسين عمل ذاكرتهم.

وفي هذا الكتاب، يُغامر المؤلف خارج المألوف، ويتناول كل جوانب الذاكرة وكيفية ارتباطها بالتفكير الإبداعي، وتأثير التكنولوجيا عليها، وعلى الكيفية التي تشكل الذاكرة فيها الهوية، ويقول إن الهدف من كتابه "التغلب على مشاكل الذاكرة اليومية"، وخاصة الذاكرة العاملة، التي تقع بين حالتَي التذكُّر الفوري والذاكرة طويلة المدى، وترتبط هذه الذاكرة بالذكاء والتركيز والإنجاز، وبحسب ريستاك، فإن الذاكرة العاملة أهم أنواع الذاكرة، ويجب علينا ممارسة التمارين اليومية لتقويتها. وأضاف أن تعزيز جميع مهارات الذاكرة، يعدّ أساسيًا في درء مشاكلها اللاحقة.

(Getty Images)

ويحاجج البروفيسور في الكتاب، بأن تدهور الذاكرة ليس حتميًا مع تقدم العمر، ويشير إلى 10 "خطايا"، أو "عقبات يمكنها أن تفقدنا الذكريات أو أن تشوهها"، وسبعة من هذه الخطايا العشر، كانت قد ذُكرت لأول مرة مع عالم النفس والمختص في الذاكرة، دانيال شاكتر، على أنها "خطايا السهو"، مثل شرود الذهن، و"خطايا التذكر"، مثل الذكريات المشوهة، وأضاف الدكتور ريستاك إلى تلك القائمة ثلاث خطايا جديدة: التشويه التكنولوجي والتشتت التكنولوجي، والاكتئاب. يقول ريستاك بشكل عام، "نحن ما نتذكر".

وفي ما يلي بعض نصائح ريستاك لبناء ذاكرة صحيّة وكيفيّة الحفاظ عليها:

انتبه أكثر:

كثير من سقطات الذاكرة هي في الواقع مشاكل في الانتباه، لا في الذاكرة، فمثلًا، إذا نسيتَ اسم شخصٍ قابلته في حفلة صاخبة، فليست المشكلة في الذاكرة، وإنما في أنك كنت تتحدث مع عدد من الأشخاص في ذلك الوقت، ولم تنتبه إلى اسمه، وقال الدكتور ريستاك إن "المسبب الأكبر لصعوبات الذاكرة هو عدم الانتباه، وهذا يعني أنك لم تخزّن الذاكرة تخزينًا صحيحًا". وإحدى أهم الطرق لتعزيز الانتباه عند تعلم معلومة جديدة، مثل أسماء الأشخاص، هي وضع تصوّر للكلمة، فوجود صورة مرتبطة بالاسم، حسب ريستاك، يُحسن من الذاكرة؛ ولو كان عليك أن تتذكر اسم الطبيب "كينغ" (ملك/ مثال سهل)، فسيكون سهلًا تصوّر أن هذا الطبيب "ذكر ويرتدي معطفًا أبيض بتاج على رأسه وبصولجان في يده، بدلًا من السماعة الطبية".

(Getty Images)

ابحث عن تحديات يوميّة لذاكرتك:

توجد العديد من تمارين الذاكرة التي يمكنك جعلها جزءا من حياتك اليومي، ويقترح ريستاك تأليف قائمة تسوق وحفظها، وعند الوصول إلى المركز التجاري، لا تخرِج القائمة المكتوبة، بل اشترِ الأغراض حسبما تتذكر، وقال: "حاول تصوّر العناصر في عقلك"، وراجع القائمة فقط في النهاية، إذا لزم الأمر. وإذا لم تخطط للذهاب للمركز التجاري، حاول حفظ وصفة طبخ معينة، وأضاف أن الطهي المتكرر وسيلة فعّالة لتحسين الذاكرة العاملة.

"الطهي المتكرر وسيلة فعّالة لتحسين الذاكرة العاملة" (Getty Images)

اركب السيارة من حين لآخر بدون تشغيل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وحاول التنقُّل في الشوارع حسبما تتذكر، إذ أشارت دراسة أُجريت عام 2020 إلى أن الأشخاص الذين استخدموا نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) بشكل متكرر، أظهروا بمرور الوقت انخفاضا معرفيا أكثر حدة في الذاكرة المكانية، بعد ثلاث سنوات.

العب:

قال البروفيسور ريستاك إن الألعاب مثل بريدج[1] والشطرنج مفيدة للذاكرة، وكذلك أي لعبة بسيطة أخرى، وعلى سبيل المثال، فإن "لعبة الذاكرة العاملة المفضلة" لريستاك، هي لعبة "20 سؤالا"، حيث تفكر مجموعة (أو شخص واحد) في شخص أو مكان أو كائن، ويسأل الشخص الآخر، السائل 20 سؤالا بإجابة بنعم أو لا. لأنه لكي ينجح، يجب على السائل تذكُّر جميع الإجابات السابقة من أجل تخمين الإجابة الصحيحة، وأشار ريستاك أن الهدف هو إشراك ذاكرتك العاملة، "للحفاظ على المعلومات وتحريكها في عقلك".

الشطرنج من الألعاب الذهنية الموصى به لتقوية الذاكرة (Getty Images)

اقرأ الكثير من الروايات:

أحد المؤشرات المبكرة لمشاكل الذاكرة، وفقًا لريستاك، هو التخلي عن قراءة الخيال، وقال: "يميل الناس، عندما يبدؤون في معاناتهم من صعوبات في الذاكرة، إلى التحول إلى قراءة الكتب غير الخيالية"، ولاحظ ريستاك، على مدى عقود من علاج المرضى، أن الخيال يتطلب مشاركة نشطة مع النص، بدءا من البداية، ووصولًا إلى النهاية، وقال: "عليك أن تتذكر ما فعلته الشخصية في الصفحة 3 بحلول الوقت الذي تصل فيه إلى الصفحة 11".

(Getty Images)

حذارِ من التكنولوجيا:

من بين الخطايا الثلاث الجديدة للذاكرة، للدكتور ريستاك، اثنتان مرتبطتان بالتكنولوجيا، ويسمي الأولى "التشويه التكنولوجي"، وقال إن تخزين كل شيء على هاتفك يعني أنك "لا تعرفه"، مما قد يؤدي إلى تآكل قدراتنا العقلية، متسائلا: "لماذا تهتم بالتركيز وبذل الجهد لتصور شيء ما عندما تستطيع كاميرا الهاتف المحمول القيام بالأمر نيابة عنك؟".

"حذار من التكنولوجيا" (Getty Images)

والطريقة الثانية التي تضر بها علاقتنا مع التكنولوجيا بالذاكرة، هي أنها غالبًا ما تشتت تركيزنا عن المهمة الحالية، وذكر ريستاك أن "أكبر ما يعوّق ذاكرتنا في أيامنا هذه هو التشتت". ونظرًا لأن العديد من هذه الأدوات التكنولوجية قد صُمِّمت بهدف ضمان إدمان المستخدم، فهي تسبب له إلهاء مزمنًا، إذ صار بإمكان الأشخاص اليوم تفقُّد بريدهم الإلكتروني في أثناء مشاهدتهم لـ"نتفليكس"، أو في أثناء حديثهم مع أصدقائهم، أو في أثناء مشيهم في الشارع، وهو ما يعيق قدرتنا على التركيز على اللحظة الحالية، وهو أمر بالغ الأهمية لتخزين الذكريات.

توجَّه إلى أخصائيّ صحّة نفسيّة لو احتجت:

لمزاجك دور كبير لما قد تتذكره أو أتنساه، ومثلًا، يمكن للاكتئاب أن يضعِف الذاكرة بشدّة، ويقول ريستاك: "كان الاكتئاب من أكثر الأسباب التي تُحيل مرضى مشاكل الذاكرة إلى أطباء الأعصاب". كما تؤثر حالتك العاطفية على نوع الذكريات التي تتذكرها. يرتبط الحُصين (أو "مركز إدخال الذاكرة"، وفقًا لريستاك) ولوزة الدماغ (جزء الدماغ الذي يدير المشاعر والسلوك العاطفي) ببعضهما، لذا و"عندما تكون في مزاج سيئ أو مكتئب، فإن عقلك سيميل إلى تذكر الذكريات الحزينة أكثر". وغالبا ما يؤدي علاج الاكتئاب، الكيميائي أو النفسي، إلى استعادة قدرات الذاكرة.

هل يوجد ما يدعو للقلق؟

سأل عشرات المرضى الدكتور ريستاك، طوال حياته المهنية، كيف يمكنهم تحسين ذاكرتهم. وهنا يجب الوقوف على أن سقطات الذاكرة ليست بمجملها تُعدّ إشكالية، فعدم تذكرك لموقف سيارتك في مكان مزدحم يُعدّ طبيعيًّا، أما إذا نسيت كيفية وصولك إلى موقف السيارات بالمقام الأول، فهذا يشير إلى مشكلة محتملة في ذاكرتك. ويفيد الدكتور بعدم وجود حل بسيط لمعرفة ما إذا كان لديك ما يدعو للقلق، لأن كثيرا من القضايا الذاكرية تعتمد على السياق. نسيانك لرقم غرفتك في فندق جديد، طبيعي للغاية، ولكن نسيانك لعنوان شقتك ينم عن مشكلة. إذا كنت قلقًا حيال ذاكرتك، فمن الأفضل استشارة طبيب مُختص.

"إذا كنت قلقًا حيال ذاكرتك، فمن الأفضل استشارة طبيب مُختص" (Getty Images)

[1] إحدى ألعاب أوراق اللعب أو الكوشتينا.

التعليقات