16/01/2023 - 11:21

شركات التبغ الكبرى... تاريخ من العلاقات المعقّدة

تاريخ التدخين هو تاريخ قديم، يعود إلى سنة 5000 قبل الميلاد، وعُرف أنّ ثقافة التدخين كانت موجودة في حضارات وثقافات مختلفة حول العالم، وكانت مرتبطة بطقوس دينيّة واجتماعيّة مختلفة

شركات التبغ الكبرى... تاريخ من العلاقات المعقّدة

يعتبر تاريخ شركات التبغ الكبرى معقّدًا، والجدول الزمنيّ الخاصّ بها يمتدّ إلى قرون، وتعتبر "نجاحًا اقتصاديًّا هائلًا" لم تعرف البشريّة له مثيل، كما يقول خبراء اقتصاد، حيث لعبت هذه الشركات دورًا حيويًّا وهامًّا في رفع اقتصادات دول، والتي بدأت مع القرن التاسع عشر، قبل أن تنمو ويتعملق حجمها وتأثيرها الاقتصاديّ، لتصبح في نهاية الأمر، من أقوى الشركات في العالم كلّه.

يُنظر إلى شركات التبع من خلال علاقة طويلة مع المستهلكين، فهناك من ينظر إليها على أنّها شركات عديمة الضمير والمسؤوليّة، نظرًا للمشكلات الصحيّة التي تسبّبت بها للمدخنين على مرّ السنين، وهناك من ينظر إليها بإعجاب، في كيفيّة وصولها إلى ما وصلت إليه من تأثير. لقد عُرفت شركات التبغ منذ قرون، إذ كانت مسؤولة عن إنتاج وبيع بعض منتجات التبغ الأكثر شيوعًا والأكثر استخدامًا في العالم، مثل السجائر والسيجار والغليون، وقد لعبت دورًا أساسيًّا في تشكيل صناعة التبغ، وما يزال تأثيرها واضحًا حتّى يومنا هذا.

لا يوجد تاريخ دقيق لصناعة السجائر لأوّل مرّة "كصناعة مستمرّة"، إذ يعتقد عدد من الباحثين أنّ ذلك كان في عام 1832، ومع مرور الوقت، تغيّرت صناعة وتصميم السجائر، لتصبح متاحة على نطاق أوسع، بعد أن كانت تصنع كخليط من أوراق التبغ المجفّفة والمقطّعة، ثمّ لفّها في الورق، وهو ما أحدث ثورة في صناعة التبغ، ما مكّن الشركات من أن تصبح شركات قويّة ومتعدّدة الجنسيات، وبحلول القرن العشرين، أصبحت السجائر منتشرة في كلّ مكان في الولايات المتّحدة الأميركيّة وأوروبا.

(Getty)

وتاريخ التدخين هو تاريخ قديم، يعود إلى سنة 5000 قبل الميلاد، وعُرف أنّ ثقافة التدخين كانت موجودة في حضارات وثقافات مختلفة حول العالم، وكانت مرتبطة بطقوس دينيّة واجتماعيّة مختلفة، إذ كانت طقوس تقديم القرابين للآلهة تمتزج مع فعل التدخين، وبعد غزو أوروبا للقارّتين الأميركيّتين، ساعد ذلك في انتشار التبغ إلى جميع أنحاء العالم.

وفي دراسة نُشرت نتائجها في دوريّة "نيتشر: هيومن بيهافير"، فقد استخدم الأميركيّون التبغ في الاحتفالات الدينيّة والسحريّة قبل آلاف السنين، حيث أعلنت الدراسة عن اكتشاف أدلّة، لما وصفوه بالعلامة الفارقة في الثقافة البشريّة، وهو أوّل استخدام معروف للتبغ، في بقايا موقد بناه السكّان الأوائل منذ حوالي 12 ألف عام في ولاية يوتا الأميركيّة، حيث اكتشفت الدراسة أربع بذور من نبات التبغ البريّ داخل محتويات موقد، وهو ما يعتبر أوّل استخدام موثّق لذلك النبات.

دراسات أخرى تنافي هذه الدراسة، وتؤكّد على وصول التبغ إلى الأميركيّتين مع كريستوفر كولومبس عام 1492، وسرعات ما أصبح جزءًا مهمًّا من ثقافة العديد من القبائل الأميركيّة الأصليّة، واستخدامه في الاحتفالات والطقوس الدينيّة، بالإضافة إلى استخدامه بالتجارة، ومع حلول أواخر القرن السادس عشر، بدأت زراعة التبغ وتداوله على نطاق واسع، وبدأ ينمو بكميّات كثيفة في المستعمرات الأميركيّة، وسرعان ما أصبح محصولًا مهمًّا للولايات المتّحدة الأميركيّة، وأصبح عمودًا مهمًّا من عواميد اقتصادها.

ويعتبر التبغ محصولًا مربحًا للغاية، إذ كان لفترة طويلة، يشكّل صادرًا رئيسيًّا للعديد من البلدان، ويعرف عن التبغ، أنّ موطنه في الأميركيّتين، وينمو في المناخات الدافئة والرطبة، ويزرع في مجموعة من البلاد، مثل الولايات المتّحدة الأميركيّة والبرازيل والهند والصين وغيرها من البلاد التي تساعد أجواؤها في نموّه.

(Getty)

في الخمسينات من القرن الماضي، بدأ العالم يتعرّف على المخاطر الصحيّة للتدخين، وذلك على نطاق واسع، وخضعت شركات التبغ الكبرى للتدقيق بسبب دورها في الترويج للتدخين، وفي الستينات والسبعينات، بدأت معدّلات التدخين في الانخفاض، مع شيوع حملات مكافحة التدخين وانتشارها بقوّة، كما واجهت شركات التبغ الكبرى ضغوطًا متزايدة من الحكومات ومنظّمات الصحّة العامّة لتقليل المخاطر الصحيّة المرتبطة بالتدخين، ممّا أدّى إلى إدخال مجموعة متنوّعة من اللوائح الجديدة، بما في ذلك علامات التحذير والقيود على الإعلانات المرتبطة بالتبغ والتدخين.

وتتمتّع شركات التبغ الكبرى بعلاقة طويلة ومعقّدة مع المجتمع، إذ كان لها دور فعّال وهامّ في إنقاذ الاقتصاد، وخلق فرص العمل وتوليد النموّ الاقتصاديّ للعديد من البلاد حول العالم، ومن ناحية أخرى، كان لها التأثير الأكبر على الصحّة العامّة، بالإضافة إلى تسبّبها بوفاة الملايين والتسبب بالأمراض المختلفة، ومرّت شركات التبغ الكبرى بعدد من التغييرات على مرّ السنين، بعد أن كانت شركات صغيرة تركّز بشكل أساسيّ على السجائر فقط، ومع مرور الوقت، أصبحت تمتدّ إلى أنواع أخرى، مثل السيجار وتبغ الغليون ومضغ التبغ.

وفي عام 2015، أيّدت محكمة كنديّة قرارًا، بتغريم كبريات شركات التبغ بمليارات الدولارات، تعويضًا عن أضرار لحقت بمستهلكين حول العالم، جرّاء استخدام منتجات هذه الشركات من التبغ. وتضمّن القرار، دعوى قضائيّة جماعيّة رفعت ضدّ شركة "إمبريال توباكو" و"روثمانز" و"جي تي آي"، حيث زعم المستهلكون، أنّ الشركات الثلاثة لم تبذل الجهود اللازمة لتحذيرهم من المخاطر الصحيّة للتدخين.

وأعلنت دول عديدة حول العالم، عن خططها للخفض من الصناعات التبغيّة والتخفيف من عادات التدخين لديها، في السعي نحو مستقبل خالٍ من التدخين، مثل نيوزلندا، التي أعلنت عن خطّة، لمنع الأجيال القادمة من شراء السجائر، في مبادرة تستهدف خفض معدّل التدخين المحليّ إلى 5٪، بحلول عام 2025، وحظر أيّ شخص ولد بعد عام 2008، من شراء السجائر أو منتجات التبغ على الإطلاق.

التعليقات