دول جزريّة صغيرة تلجأ إلى محكمة دوليّة لحماية محيطات العالم

تولّد النظم البيئيّة للمحيطات نصف الأكسيجين الّذي يتنشّقه البشر، وتحدّ من الاحترار العالميّ بامتصاص الكثير من ثاني أكسيد الكربون الناجم عن الأنشطة البشريّة.

دول جزريّة صغيرة تلجأ إلى محكمة دوليّة لحماية محيطات العالم

(Getty)

حضر مسؤولون من تسع دول جزريّة صغيرة إلى محكمة تابعة للأمم المتّحدة مختصّة بقانون البحار الإثنين للمطالبة بحماية محيطات العالم من التداعيات الكارثيّة للتغيّر المناخيّ الّتي تهدّد وجود دول بأكملها.

ولجأت تسع دول جزريّة صغيرة إلى المحكمة الدوليّة لقانون البحار للبتّ في مسألة اعتبار انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الّتي تمتصّها المحيطات، من الملوّثات، وفي هذه الحالة تحديد ماهيّة التزامات الدول للحؤول دون ذلك.

وقال رئيس وزراء أنتيغوا وباربودا غاستون بروان "هذا هو الفصل الافتتاحيّ في النضال لتغيير سلوك المجتمع الدوليّ من خلال توضيح التزام الدول بحماية البيئة البحريّة".

وأضاف أمام المحكمة ومقرّها في هامبورغ بألمانيا "حان الوقت للحديث عن واجبات ملزمة قانونًا بدلًا من وعود جوفاء لا يتمّ الوفاء بها".

وقالت المستشارة القانونيّة الّتي تمثّل الجزر كاثرين أميرفار إنّ الهدف هو إجبار الدول على تطبيق إجراءات جوهريّة في مواجهة التغيّر المناخيّ.

وصرّحت للصحافيّين "نحن هنا لمناقشة الخطوات الضروريّة والملموسة والمحدّدة الّتي ينبغي عليهم اتّخاذها بموجب القانون، وليس بناء على خيارات سياسيّة. هذه مسألة رئيسيّة و... جزء كبير من الجواب".

وتولّد النظم البيئيّة للمحيطات نصف الأكسيجين الّذي يتنشّقه البشر، وتحدّ من الاحترار العالميّ بامتصاص الكثير من ثاني أكسيد الكربون الناجم عن الأنشطة البشريّة.

لكنّ زيادة الانبعاثات يمكن أن تؤدّي إلى ارتفاع درجة حرارة مياه البحر وحموضتها، ما يضرّ بالحياة البحريّة.

وفي صلب تلك القضيّة "اتّفاقيّة الأمم المتّحدة لقانون البحار" (UNCLOS) الّتي تلزم الدول العمل على منع تلوّث المحيطات.

وتعرف الاتّفاقيّة التلوّث على أنّه إدخال البشر "موادّ أو طاقة إلى البيئة البحريّة" تؤدّي إلى الإضرار بالحياة البحريّة.

لكنّها لا تشير إلى انبعاثات الكربون بالتحديد على أنّها مادّة ملوّثة، وتقول الدول الّتي رفعت القضيّة إنّ تلك الانبعاثات تدخل في ذلك الإطار.

حظيت الجهود لتحقيق العدالة المناخيّة بدعم كبير عندما اعتمدت الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في آذار/مارس قرارًا يدعو محكمة العدل الدوليّة إلى تحديد التزامات الدول بشأن حماية مناخ الأرض والعواقب القانونيّة الّتي ستواجهها في حال عدم القيام بذلك.

ولا يزال قرار محكمة العدل الدوليّة معلّقًا، غير أنّ الإجراء فتح جبهة جديدة لإلزام الدول بتعهّدات بشأن خفض الانبعاثات.

وقادت تلك المساعي في الأمم المتّحدة فانواتو، وهي من بين الدول الّتي رفعت القضيّة أمام المحكمة الدوليّة لقانون البحار.

والجزر الصغيرة مثل فانواتو معرّضة بشكل خاصّ لظاهرة الاحتباس الحراريّ العالميّ، إذ يمثّل ارتفاع منسوب مياه البحار تهديدًا وجوديًّا لها.

وقال رئيس وزراء توفالو كاوسيا ناتانو للمحكمة "بضع سنوات فقط، هذا كلّ ما لدينا قبل أن يلتهم المحيط كلّ ما بناه شعبيّ على مدى قرون".

وأضاف "إذا كان ليس لدى القانون الدوليّ ما يقوله بشأن غرق بلد بأكمله تحت الماء... فما هو الغرض الّذي يخدمه إذن؟" مطالبًا بتوجّه واضح من المحكمة.

وعبر غاستون براون أيضًا عن الاستياء إزاء موقف بعض الدول الكبرى عندما يتعلّق الأمر بتمويل إجراءات التخفيف من آثار تغيّر المناخ أو الوقاية منه.

وقال في مؤتمر صحافيّ إنّه عندما "يساهم كبار الملوّثين في صناديق مختلفة، فإنّهم يعتقدون أنّ ذلك عمل خيريّ"، مضيفًا أنّ النتيجة الناجحة ستخبرهم بأنّ "عليهم التزامات قانونيّة".

ويمكن أن تشمل التدابير الملموسة، وفقًا للمدّعي العامّ لفانواتو أرنولد لاومان، وقف التنقيب عن النفط في أعماق البحار.

وقال "حان الوقت لإيجاد حلول وسبل لمنع تلك الدول من مواصلة التنقيب".

وفي ثلثي كوكب الأرض المغطّى بالبحار، شهد ما يقرب من 60 بالمئة من المياه السطحيّة للمحيطات موجة حرّ بحرّيّة واحدة على الأقلّ في العام 2022، وفقًا لتقرير حالة المناخ السنويّ الّذي أشرف عليه علماء من الإدارة الوطنيّة الأميركيّة للمحيطات والغلاف الجوّيّ.

وهذا يزيد بنسبة خمسين في المئة عن مستويات ما قبل العصر الصناعيّ والنسبة "الأعلى في سجلّ الغلاف الجوّيّ الحديث وفي سجلّات المناخ القديم الّتي يعود تاريخها إلى 800 ألف عام"، حسبما أشار التقرير الّذي نشر في وقت سابق هذا الشهر.

كما سجّلت محيطات العالم درجات حرارة قياسيّة في آب/أغسطس. فقد وصل معدّل درجات حرارة سطح البحر إلى 21 درجة مئويّة بشكل غير مسبوق، واستمرّ لأكثر من أسبوع، وفقًا لمرصد كوبرنيكوس لتغيّر المناخ التابع للاتّحاد الأوروبّيّ، بعد أشهر من درجات حرارة مرتفعة بشكل غير عاديّ.

والدول الأخرى المشاركة في القضيّة المرفوعة أمام المحكمة الدوليّة لقانون البحار هي جزر البهاماس ونيوي وبالاو وسانت كيتس ونيفيس وسانت لوسيا بالإضافة إلى سانت فنسنت وجزر غرينادين.

وستشارك 34 دولة أخرى في جلسات المحكمة المقرّر أن تتواصل حتّى 25 أيلول/سبتمبر.

التعليقات