الفضاء: الحلم العربيّ الواحد الذي تفرّقه السياسات

استقبل الفضاء مؤخّرًا مركبات وفضائية وأقمارًا صناعيّةً جديدة أطلقتها كلٌّ من المغرب وقطر والإمارات حديثًا، لتضيفها إلى رصيد الأقمار الصناعية العربية التي تزور الفضاء، ولكن على الرّغم من هذه الإطلاقات، يظلّ الحضور العربيّ في مجال علوم الفضاء، إذ ما يزال

الفضاء: الحلم العربيّ الواحد الذي تفرّقه السياسات

رائد الفضاء السوري محمد فارس

استقبل الفضاء مؤخّرًا مركبات وفضائية وأقمارًا صناعيّةً جديدة أطلقتها كلٌّ من المغرب وقطر والإمارات حديثًا، لتضيفها إلى رصيد الأقمار الصناعية العربية التي تزور الفضاء، ولكن على الرّغم من هذه الإطلاقات، يظلّ الحضور العربيّ في مجال علوم الفضاء، إذ ما يزال الأداء يحتاج إلى جهود كبيرة، وفق المقاييس العالمية، إذ تتمتع بالمال والعقول، وتنتظر الإرادة السياسية للتعاون.

وكان القمر الصناعي الأخير الذي تمّ إطلاقه من المغرب، يوم الأربعاء الماضي، حاملًا اسم "محمد السادس ب"، من محطة "غيانا" التابعة للسيادة الفرنسية، بهدف "المراقبة ورسم الخرائط، ورصد حالة المناخ، والوقاية من الكوارث الطبيعية".

وسبقه إلى الفضاء قمر صناعي أطلقته الشركة القطرية للأقمار الصناعية منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، حاملًا اسم "سهيل 2" إلى الفضاء، على متن الصاروخ "فالكون 9"، من منشأة الإطلاق في "سبيس إكس" الأميركي.

وفي 29 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أطلقت الإمارات القمر الصناعي "خليفة سات"، وهو أول قمر صناعي عربي الصنع، من مركز تانيغاشيما الفضائي في اليابان، والذي استغرق تصنيعه 4 أعوام من التجهيز والاستعداد والتدريب، وسيعمل القمر على رصد التغيرات البيئية.

وتاريخيًّا، دخل العرب عصر تكنولوجيا الفضاء بإقامة أول نظام فضائي عربي موحد بملكية موزعة على 21 دولة عربية، تمتلك السعودية نسبة 36.7% منها، تليها الكويت 14.6%، ثم ليبيا 11.3%، وقطر 9.8%، وتحل الإمارات في المرتبة الخامسة بـ 4.7 %.

وتعود البداية إلى 16 نيسان/ أبريل 1976، عند إنشاء منظمة الاتصالات الفضائية العربية "عرب سات" في الرياض، وأثمرت عن إطلاق أول قمر عربي مشترك يحمل اسم "Arabsat 1A" عام 1985، وأعقبه إطلاق سلسلة أقمار لتقديم خدمات اتصال سلكية ولاسلكية وإنترنت سريع، وحاليا وصل "عرب سات" إلى جيله الخامس.

وتعتبر مصر أول دولة دخلت هذا المجال من باب الاتصالات، حيث أطلقت في نيسان/ أبريل 1998 القمر الأول "نايل سات 101"، ثم "نايل سات 102" في آب/ أغسطس 2000. ويحمل القمران أكثر من 680 قناة تلفزيونية تغطي شمال إفريقيا وجنوب أوروبا والشرق الأوسط، ويتم تشغيلهما حاليًّا بواسطة الشركة المصرية للأقمار الصناعية التي تأسست 1996.

ومن بين التّجارب العربية البارزة في مجال الفضاء، القمر الخاص بالاستشعار عن بُعد، والذي أطلقته المغرب عام 2001، تحت اسم "زرقاء اليمامة" أو "ماروك ـ توبسات"، وهو يسمح بمراقبة أي مكان في العالم خلال 24 ساعة، ورصد الأحداث بأوقات مختلفة بين 12 ساعة وأسبوعين، إضافة إلى مراقبة الحدود وجمع البيانات وإرسالها إلى الجهات المختصة.

كذلك، قامت قطر عام 2013 بإطلاق قمر "سهيل 1"، على متن الصاروخ الأوروبي "أريان 5"، وهو يعتمد على أحدث تقنيات البث الفضائي والاتصالات وخدمات الإنترنت ومقاومة عمليات التشويش وتحديد مصادرها بدقة.

وإثر تعرض قنوات شبكة "الجزيرة" القطرية للتشويش خلال نقل مباريات كأس العالم لكرة القدم عام 2010، قررت قطر أن يكون لها استقلالها الفضائي، وأن تستثمر في التقنيات العالية الجودة لتضمن بثًّا نظيفًا.

ويقول رائد الفضاء السوري، اللواء محمد فارس،  الذي كان قد شارك في رحلة فضائية للاتحاد السوفييتي عام 1987، إن العالم العربي يضم كفاءات تحتاج إلى الاستقطاب، مع الحاجة إلى إرادة سياسية لتشكيل وكالة فضاء عربية تؤدي إلى إنتاج الأقمار الصناعية، وصواريخ إطلاقها، وإن كانت مكلفة حاليًّا فهي مربحة مستقبلًا.

وأفاد فارس المقيم في إسطنبول، أن "محاولات فردية من قبل بعض الدول مثل الإمارات والسعودية والجزائر ومصر تبقى غير موحدة، وهذه المحاولات إن لم تتوحد بوكالة فضاء عربية فلن تثمر بالجهود الأمثل".

وبيّن أن العالم العربي حتى الآن يستورد التكنولوجيا، وحتى الاستيراد ليس كاملًا، هناك وكالات في بعض الدول العربية تحمل الاسم فقط، ولم نرَ في الواقع تكنولوجيات فضائية بمعنى الكلمة؛ إذ أنّ "حتى الأقمار العربية عربسات (1 و2 و3) كانت صناعة غربية وبإطلاق غربي، هناك محاولات تثقيفية لإرسال علماء ومختصين للتدريب على تكنولوجيا الفضاء".

وعن أسباب هذا الضعف، وميادين تكثيف الجهود، قال إن "إنتاج القمر الصناعي مهم، والأهم إنتاج صاروخ الإطلاق، وإن شاركت الدول العربية بصنع الأقمار الصناعية بشكل جزئي، إلا أن صاروخ الإطلاق يكون غربيًّا، إما أميركيًّا، أو فرنسيًّا، أو هنديًّا، أو روسيًّا".

وحول المتطلبات لتطوير التكنولوجيا قال فارس إنّه "إذا أردنا صناعة قمر صناعي وإطلاقه عبر صاروخ، نحتاج إلى أغلب تكنولوجيات الحياة، من الاتصالات، والتعدين، والكهرباء، والحواسيب".

وشدد على توافر الخبرات والعقول العربية، لكنها تعمل في الخارج، فمن يعمل في هذا المجال يحتاج إلى استقرار، وحماية، وحرية تفكير، وراتب محترم، وعندما غاب ذلك هربت أغلب هذه العقول.

التعليقات